وهذا واضح في الرفض، إذ معنى: "دعي" و "ارفضي" واحد، فقول المقبلي في المنار: (( هذا اللفظ ليس في شيء من روايات الحديث ولا معناه...))، غير صحيح. والعجب من القائلين بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بإدخال الحج على العمرة وأنها صارت قارنة، مع قوله: (( ودعي العمرة. ))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( هذه مكان عمرتك. ))، والخبر عندهم هذا صحيح. وأما استدلالهم على ذلك بما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها:(( يسعك طوافك لحجك وعمرتك. ))، أخرجه أحمد ومسلم، فليس بصريح، والخبر السابق صريح في ترك العمرة، ومثله ما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها بعد أن طافت وسعت: (( قد حللت من حجك وعمرتك... )) الخبر، فيحمل على أنها حلت من العمرة حين نوت رفضها. وعلى الجملة الأولى أصرح، وفي الأمالي بسند صحيح إلى الباقر عليه السلام: (( لما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذي الحليفة أمر الناس أن يهلّوا، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تهلّ مع الناس وتقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. قال: وأهلّت عائشة مع الناس، فلما قدمت أصابها الحيض، فأمرها أن تجعلها حجة، فلما كان حين الصَدَرَ دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة، فأقام بالأبطح وأرسلها مع أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فلبّت بعمرة...))، إلخ، وفي قوله: أن تجعلها حجة، وقولها: وأرجع بحجة، مع تقريره صلى الله عليه وآله وسلم لها، ردّ واضح على القائل بأنها صارت قارنة، إلا أنه يشكل على من أوجب عليها الدم عدم ذكره، وهو في مقام البيان، وكذلك القضاء حيث لم يكن إلا بمراجعتها، والله ولي التوفيق.(1/216)
فصل في هدي المتمعة التي رفضت العمرة
وما كان مع المتمتعة التي رفضت العمرة لِما ذكر من هدي فهو باقٍ لها فتجعله عن دم الرفض أو غيره وقد بطل حكم التمتع بالرفض.(1/217)
فصل في حكم القارنة التي تضيق عليها الوقت
وأما القارنة التي تضيق عليها وقت الحج وهي حائض أو نفساء، فإنها تنوي تأخير العمرة، وليس برفض حقيقي، وليس عليها دم، والإحرام باقٍ. قالوا: (( وإنما تنوي القارنة الرفض مع أنه يجوز لها تأخير العمرة حتى تنزل من الجبل، لئلا تقف وهي محرمة بإحرامين فتتثنى عليها الدماء ونحوها...))، وهذا نظر منهم واجتهاد، والنص ورد في المتمتعة. وحكم المتمتع والقارن إن ضاق عليهما وقت الحج حكم المتمتعة والقارنة كما سبق التفصيل فيهما، فتأمل موفقًا إن شاء الله تعالى.
تنبيه: إن انكشف عدم التضيق لم يصح الرفض.(1/218)
فصل في ما يفسد الإحرام
ولا يفسد الإحرام إلا الردة، أو الوطء في أي فرج كان، قبلاً أم دبرًا، حلالاً أم حرامًا، آدميًا أم بهيمة، حيًا أم ميتًا، كبيًرا أم صغيرًا، صالحًا للجماع أم لا، أنزل أم لم ينزل، ولو مجبوبًا غير مستأصل على ما يقتضيه المذهب، ولو لفّ على ذكره خرقة ثم أولج. أما لو استمتع في خارج الفرج أو في قُبل الخنثى فلا يفسد، وعلى أي صفة وقع الوطء فإنه يفسد عمدًا أم سهوًا، عالمًا أم جاهلاً، مختارًا أم مكرَهًا له فعل.
وإنما يفسد إن وقع الوطء قبل التحلل بأحد المحللات: وهي إما برمي جمرة العقبة في وقته بأول حصاة ولو في غير يومها؛ أو بمضيّ وقته أداء وقضاء، وهو أيام التشريق؛ أو طواف الزيارة جميعه؛ أو السعي في العمرة جميعه في غير القارن؛ أو صوم الثلاث حيث لم يجد الهدي؛ أو الهدي للمحصر بعد الذبح؛ أو العمرة في من فات حجه؛ أو نقض السيد إحرام عبده قولاً أو فعلاً؛ أو الزوج حيث له ذلك؛ أو نية الرفض حيث أحرم بنسكين، أو أدخل نسكًا على نسك، فلو حصل الوطء قبل رفض أحدهما فسدا، وأما إذا قد رفض أحدهما لم يفسد المرفوض، أو بالحلق أو التقصير على القول بأنه نسك في الحج خلاف المذهب، أو يمضي وقت يمكن فيه الرمي عند الإمام المنصور بالله عليه السلام.(1/219)
وقال أبو حنيفة: إن الوطء بعد الوقوف لا يفسد الحج ويلزم بدنة، وعنده أن الوطء في غير القُبُل لا يوجب الفساد ولا الكفارة. وعند الإمام زيد بن علي والباقر والصادق والناصر الأطروش والقاسم بن محمد وابن عمر وإبراهيم النخعي وغيرهم أن الوطء قبل طواف الزيارة يفسد، ولو كان قد أتى بجميع المناسك غيره وعليه دم، وعليه الحج من قابل، وهو قوي لقوله: (( وهما محرمان...))، كما يأتي، فتعلق الحكم بالإحرام وهو لا يحل منه بالكلية إلا بعده، والأصل فيه ما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: (( إذا واقع الرجل امرأته وهما محرمان تفرقا حتى يقضيا مناسكهما، وعليهما الحج من قابل، ولا ينتهيان إلى ذلك المكان الذي أصابا فيه الحدث إلا وهما محرمان، وإذا انتهيا إليه تفرقا حتى يقضيا نسكهما، وينحر كل واحد منهما هديًا.)). وروى أبو داود من طريق يزيد بن نعيم أن رجلاً من جذام جامع امرأته وهما محرمان فسألا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( اقضيا نسكًا واهديا هديًا. ))، رجاله ثقات مع إرساله، ورواه ابن وهب في موطئه من طريق سعيد بن المسيب مرسلاً أيضًا، ذكره في التلخيص، أفاده في الروض. وقد استدل أهل المذهب والشافعي بقول ابن عباس رضي الله عنهما: (( من وطىء بعد التحلل الأول - أي الرمي - فحجه تام وعليه بدنة.)). قالوا: (( ولا مخالف له في الصحابة.))، والمقام لا يقتضي البسط.
فائدة: لا ينعقد الإحرام حال الجماع، كالصلاة حال الحدث على المذهب.(1/220)