فصل في طواف وسعي القارن
ويفعل في طواف العمرة والحج وسعيهما ما مرّ في طواف القدوم وسعيه.
فرع: ويتثنى ما لزمه من الدماء والصدقات والصيام قبل كمال سعي العمرة، فأما بعد سعيها فلا يتثنى غالبًا احترازًا من دم الإفساد، فإنه يتثنى ولو بعد سعيها، هذا احتراز من المفهوم. ويحترز من المنطوق: صيد الحرم وشجره، والطواف على غير طهارة، ودم الإحصار، وتفريق الطواف، ودم التأخير، فلا يتثنى. وتثني الدماء ونحوها على القارن، هو قول الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة وهو المذهب، قالوا: لأنه قبل سعي العمرة محرم بإحرامين. وعند مالك والشافعي: لا تتثنى.(1/211)
فصل
وكون القارن يطوف ويسعى مرتين لعمرته وحجه هو قول الإمام زيد بن علي والهادي والناصر وأبي حنيفة وأصحابه، رواه عنهم في البحر والروض ونيل الأوطار، وهو في الجامع عن القاسم ومحمد. قال النووي: (( وهو محكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود والشعبي والنخعي.))، انتهى. ورواه الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام عن جميع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( وقال غيرهم يكتفي بطواف واحد وسعي واحد لعمرته وحجته…))، إلى آخره. وعند الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم أنه يكفيه طواف واحد وسعي واحد، ودليل الأول ما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام في القارن: (( عليه طوافان وسعيان.)). وفي شرح التجريد بسنده إلى علي عليه السلام: أنه جمع بين الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى سعيين، ثم قال: (( هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل.)). وأخرج النسائي عن حماد وعبد الرحمن الأنصاري عن إبراهيم بن محمد بن حنفية قال: (( طلعت مع أبي وقد جمع الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى سعيين، وحدثني أن عليًا فعل ذلك، وحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك.))، قال في الروض: (( وحماد ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه الأزدي بلا حجة، وإبراهيم هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب. قال ابن حجر: صدوق…))، الخ. وفي فتح الباري شرح البخاري ما لفظه: (( قد روى الطحاوي وغيره مرفوعًا عن علي وابن مسعود ذلك- أي طوافين وسعيين- بأسانيد لا بأس بها.))، انتهى. والروايات مستوفاة في البسايط. واحتج غيرهم بروايات أقواها عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من قرن بين حجة وعمرة أجزاه لهما طواف واحد. )) رواه أحمد وابن ماجه، وفي لفظ: (( من أحرم بالحج والعمرة أجزاه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعًا.))، رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن غريب. وقد أعله الطحاوي بأن الصواب أنه(1/212)
موقوف على ابن عمر، أفاده في النيل. وعن عائشة قالت: (( وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا.))، متفق عليه. وعن جابر: (( لم يطف النبي ولا الصحابة بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول.))، أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما. ولا يخفى أن العمل بما فيه الإثبات والزيادة مع صحة الرواية أحوط وأولى، كيف وهي من رواية أهل البيت عن علي عليه السلام؟! ومن علم حجة على من لم يعلم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( علي مع الحق. اللهم أَدِر الحق معه حيثما دار. )). قال ابن عباس: (( إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لم نتجاوزها.))، أخرجه ابن حجر في الجزء السابع من فتح الباري، وقال بإسناد صحيح. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب بلفظ: (( إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.))، وأخرج معناه في المحيط، والكلام مبسوط في محله.(1/213)
فصل في حكم من حاضت أو نفست
ومن حاضت أو نفست أخرت كل طواف، وكذا تؤخر السعي لأنه مترتب على الطواف، وقد سبق الكلام والاستدلال في السعي، إلا أن تكون قد طافت فتسعى، وكذا إن كانت قد فعلت أربعة أشواط من الطواف وإذا طهرت أتت بباقي الطواف، ولا يلزمها إعادة السعي، ولا دم عليها لتفريق الطواف لأنه عذر، ولا يسقط عنها إلا طواف الوداع، فإن طهرت قبل الخروج من ميل مكة لزمها طواف الوداع، فإن لم تطف لزمها دم بعد اللحوق.
تنبيه: أما الأجيرة فتستنيب من يطوف عنها الوداع، والحاصل أن المرأة إن حاضت أو نفست قبل إحرامها اغتسلت، وهو مؤكد لها لأمره صلى الله عليه وآله وسلم أسماء بنت عميس لما ولدت بمحمد بن أبي بكر وأحرمت وعملت جميع المناسك، إلا أنها تؤخر الطواف والسعي حتى تطهر، وإن حاضت بعد طواف القدوم سعت، ولا تطوف الزيارة حتى تطهر، فإن خرجت أيام التشريق قبل أن تطوف لزمها دم.(1/214)
فصل في حكم المتمتعة إن ضاق عليها الوقت
فإن كانت متمتعة فضاق عليها الوقت نوت رفض العمرة إلى بعد أيام التشريق، فإن فعلت في أيام التشريق لم يلزم دم، نعم. وبعد رفض العمرة تحرم بالحج، وتفعل ما تقدم في أول الإحرام، ثم تعمل جميع أعمال الحج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، ثم بعد طواف الزيارة ومضي أيام التشريق تحرم للعمرة من الحل، وتطوف وتسعى وتقصر قدر أنملة من جميع جوانب الرأس، وعليها دم الرفض لأنها أحصرت عن العمرة ولأنها تركت نسكًا، وهو تقديم العمرة. هذا غاية ما يحتج به في إيجاب الدم، وهو كلام أهل المذهب وغيرهم، ولم يرد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر عائشة بدم. والصحيح أنها كانت معتمرة وأنه أمرها برفض العمرة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنقضي رأسك وامتشطي، وأهلّي بالحج، ودعي العمرة. )). قالت: (( ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني مع عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك...))، الخبر متفق عليه.(1/215)