فصل في القران
والقِران هو الجمع بين الحج والعمرة بإحرام واحد. ونية القِران شرط عند العترة، فيقول عند الإحرام مع النية بالقلب: (( لبيك بحجة وعمرة معًا.))، وهذا اللفظ مروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم. قال الإمام المهدي: ويكفي أن يريد ذلك بقلبه مع تلبية أو تقليد للهدي كما مرّ، والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أتاني آتٍ من ربي وأنا بوادي العقيق فقال: صلِّ بهذا الوادي المبارك ركعتين، وقل لبيك بحجة وعمرة. )) انتهى. ولا يشترط أن يكون إحرامه في أشهر الحج، ولا في سفر وعام واحد. قلت: وقد سبق الكلام في الإحرام.(1/206)


فصل في شروط القران
وشروطه ثلاثة:
الأول: النية، وقد تقدم الكلام عليها في الإحرام.
الثاني: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، فلا يكون ميقاته داره، بل من خارج المواقيت. أقاسوه على المتمتع، وقد نظره في البحر، والقياس غير واضح، والأَولى الاستدلال بقول أمير المؤمنين عليه السلام بعد ذكره للقارن والمتمتع: (( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.))، ويأتي قريباً.
الثالث: سوق بدنة، ووجوب السوق هو قول زين العابدين والباقر والقاسم والهادي عليهم السلام. وهو شرط في صحة القران عند القاسم والهادي عليهم السلام، فإن لم يسق بطل القران، ووضع إحرامه على حجة نفلاً، ولا تجزي عن حجة الإسلام، أو عمرة يتحلل بها، فإن لم يصنع وخرج بطواف وسعي وحلق أو تقصير خرج من إحرامه ولا قضاء عليه ولا دم، وهذا كله على المذهب. وعند الناصر والمرتضى والمؤيد بالله وأَبي العباس والإمام يحيى، والفريقين الحنفية والشافعية ومالك: السوق ليس شرطًا بل يستحب. وعند أَبي طالب أنه نسك واجب يجبر بالدم. والمختار وجوب السوق لفعله صلى الله عليه وآله وسلم إن وجد، فإن لم يجد أَجزاه الصوم، لما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: (( على القارن والمتمتع هدي، فإن لم يجدا صاما ثلاثة أَيام في الحج، آخرهن يوم عرفة وسبعة أَيام إذا رجع إلى أهله، ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.)). وعند الإمام زيد بن علي والباقر والنفس الزكية والناصر وأبي حنيفة والشافعي: تجزي شاة، ويحمل كلام الإمام الهادي عليه السلام في روايته عن آل رسول الله صلى الله عليهم وسلم أنهم لا يرون قرانًا إلا بسَوق بدنة، على أن المراد طائفة مخصوصة كما قد عرف ذلك من إطلاقه في غير هذا، وهو واضح لمن مارس كلامه.
فرع: يجزي عن البدنة سوق عشر شياه أو بقرة وثلاث شياه، ولا بدل له صومًا على المذهب، وقد تقدم المختار.(1/207)


فائدة: السَوق من موضع الإحرام وهو الميل. ولا يشترط أن يسوق إلى موضع النحر، بل ما يسمى سوقًا ولو يسيرًا. فإن تلِفت عوضها ولو من مِنى، فإن لم يجد بقي في ذمته، ويلزم دم التأخير. ولا يشترط مقارنة الإحرام للسوق، بل لو ساق قبل الإحرام ثم مضى من موضع السَوق لم يضر، فإن مضى من غير موضع السوق، أو لم يسق إلا بعد الإحرام لم يصح. أما لو أحرم وبقي مدة في موضع الإحرام قبل السَوق ثم ساق من ذلك الموضع فإنه يصح هذا كله على المذهب.
فائدة: وحكم فوائدها والخشية عليها وفواتها وتعويضها وعودها حكم ما تقدم في المتمتع سواء.(1/208)


فصل في مندوبات الهدي
يندب في كل هدي ينحر بمكة أو مِنى، عن فرض أو نفل، فدية أو جزاء أربعة أمور:
الأول: التقليد للبدنة أو البقرة بنعلين لهما قيمة، والشاة بالودع أو الخرز. وعند الإمام المنصور بالله أنه واجب في البدنة فقط.
الثاني: الإيقاف به في عرفة ومزدلفة ومِنى.
الثالث: التجليل، وهو أن يضع على ظهر الهدي جُلالاً - بضم الجيم - من ثوب أو نحوه مما له قيمة. والقلادة والجلال تتبعه، فيصير للفقراء كالهدي في الجامع.
روى محمد عن علي عليه السلام: (( أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أتصدق بجلال الهدي وجلودها.))، وهو بمعناه متفق عليه.
الرابع: إشعار البدنة فقط، وهو أن يشق في الجانب الأيمن من سنامها عند ابتداء السَوق، ويسلت الدم بأصبعه المسبحة اليسرى، وقال مالك: في الجانب الأيسر. وفي شرح الأحكام بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم أُتي ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت عنها الدم، وقلدها نعلين، وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود بلفظ: دعا ناقته فأشعرها... الخ. وفي الجامع، قال محمد: (( أهل البيت يقولون الإشعار سنة، ولكن إن تركه تارك فليس عليه في قولهم شيء.)).(1/209)


فصل في أعمال القارن
ويفعل القارن بعد الإحرام ما مرّ في صفة التمتع، فيقدم مناسك العمرة وجوبًا، ولا يتحلل بعد الطواف والسعي بحلق ولا تقصير وهو باقٍ على إحرامه. وتقديم العمرة واجب غير شرط، فلو قدم طواف الحج وسعيه، انصرف إلى طواف العمرة وسعيها، ولا دم عليه. وإن ورد الجبل أولاً ثم ورد مكة، طاف أولاً وسعى لعمرته، ثم يطوف للقدوم ويسعى، ولا دم عليه.(1/210)

42 / 57
ع
En
A+
A-