فصل في حكم ما فات من الهدي
وما فات من الهدي قبل أن ينحر أو بعده وفرط أبدله في الواجب مطلقًا والنفل إن فرط، نحو أن لا يبيعه لخشية تلفه، فإن باعه وجب عليه أن يشتري بثمنه هديًا آخر، فإن نقص ثمنه عما يجزي في الهدي وفَّاه، وإن فضل من ثمنه شيء صرفه في هدي ولو سخلة أو تصدق به في محله، فإن فرط فالواجب عليه المثل سنًا وسمنًا ولو بدون قيمة الأول ولو زائدًا على الواجب، كبدنة عن واحد، فإن لم يجد عوضًا عن هذا تصدق بقيمة تسعة أعشار بدنة، وصام بقدر العُشر عشرة أيام، وإن لم يفرط فلا يلزمه إلا تعويض القدر الواجب في الهدي الواجب، فإن فاتت بدنة كفته شاة أو سبع بقرة أو عشر بدنة، لا لو كان متنفلاً، فلا يجب عليه إبداله إن لم يفرط، فإن فرط في النفل وجب عليه إبداله دون الزائد، فإن عاد الهدي الغائب بسرقة أو ضياع وقد أبدله، خُيِّرَ المتمتع في ذبح أيها شاء، ويتصدق بفضلةِ الأفضل إن ذبح الأَدون. فأما النفل فلا يخلو إما أن يفوت بتفريط أو لا؛ إن كان بتفريط لزمه تعويضه بمثله أو أفضل، فإن عاد تعيّن عليه نحره ولو كان البدل أفضل، ولا يجب عليه أن يتصدق بفضلة الأفضل هنا لتعيين الوجوب في الأول بعد عوده، بخلاف الفرض، فالواجب فيه بعد التعويض أحدهما لا بعينه، فأيهما فيه فضلة لزم التصدق بها لتعلق القربة بها للفقراء. والتفريط: نحو أن يسرق أو يهلِك بسبب تقصير في حفظه ورعايته، وإن لم يكن فوات النفل بتفريط لم يجب عليه تعويضه كما سبق، فإن عوضه ثم عاد لزمه نحرهما كليهما لتعلق القربة بهما، لأن الإبدال غير واجب، فلما تبرع به تعلقت به القربة، بخلاف الواجب، فإبداله لوجوبه والواجب عليه واحد، هكذا ذكروه للمذهب. قلت: وكلام أمير المؤمنين عليه السلام في المجموع في رجل ضلت بدنته فاشترى مكانها مثلها أو خيًرا منها، ثم وجد الأولى قال: (( ينحرهما جميعًا.))، لم يفرق بين فرض ونفل، فهو الأَولى، واستدلوا على لزوم إبدال الواجب دون التطوع(1/201)
بما أخرجه البيهقي بسنده إلى ابن عمر قال: (( من أهدى بدنة فضلت أو ماتت، فإنها إن كانت نذرًا أبدلها، وإن كانت تطوعًا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها.))، قال البيهقي: (( هذا هو الصحيح موقوفًا، وقد روي مرفوعًا: ولا يصح.))، أفاده في الروض.(1/202)
فصل في حكم من لم يجد الهدي
فإن لم يجد المتمتع الهدي في الميل، أو لم يجد من يشاركه في البدنة أو البقرة ولو في ملكه، أو وجد الثمن ولم يجد الهدي، أو لم يجد الثمن، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج، آخرها يوم عرفة ندبًا، فإن فاتت فأيام التشريق وجوبًا ولو يوم النحر. في شرح التجريد بسنده من طريق الناصر للحق إلى جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًا عليه السلام كان يقول: (( صيام ثلاثة أيام في الحج، قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة، فإن فاتت تسحر ليلة الحَصْبة، وصام ثلاثة أيام، وسبعة إذا رجع.)). وروى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام مثله. وفي الدر أخرج عن عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي بن أبي طالب عليه السلام مثله، إلا أنه قال: (( فإن فاتته صام أيام التشريق.)). وأخرج البخاري وابن أبي شيبة والبيهقي والدارقطني عن ابن عمر وعائشة قالا: (( لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أيام التشريق أن يُصمن إلا للمتمتع لم يجد هديًا.)). وفي البحر عن الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة وأصحابه: (( نهى عن صوم أيام التشريق. قلنا: مخصوص...))، إلى آخره. وعندهم أنه إن فات الأول لزم هديان؛ هدي المتمتع، وهدي لتأخيره عن الإهلال بالحج، فيتعين المبدل بفوات البدل، كالظهر لفوات الجمعة. وأجيب بأن أيام التشريق مجزية لما سبق.
فائدة: الموالاة في الثلاثة الأيام مستحبة، فلو فرقها جاز إلا أن يخشى فواتها في وقتها.
فرع: ومن ظن تعذر الهدي، جاز له تقديم الثلاث منذ أحرم بالعمرة، ولو في أول يوم من شوال. فيصح أن يحرم ليلة العيد ويبيت الصوم، ولو صام مع وجود الهدي ثم تعذر عليه فالعبرة بالانتهاء على المذهب. وعند الشافعي: لا يجوز تقديمها لقوله تعالى: ? في الحج ?، وأجيب بأن المراد في وقته، وأيضًا عمرة التمتع من جملة الحج.(1/203)
فصل
فإذا صام الثلاثة الأيام في الوقت المذكور، وجب عليه أن يكملها عشرًا أيضًا بصيام سبعة أيام بعد أيام التشريق في غير الحرم ولو في الطريق، لقوله تعالى: ? وسبعة إذا رجعتم ?. هذا هو المذهب، إلا أن يعزم على استيطان مكة أجزاه فيها، وقيل: المراد بالرجوع المصير في الوطن، وهو في البحر من رواية الإمام يحيى عن القاسم والهادي وقول أبي حنيفة وأصحابه. وعن مالك ورواية عن القاسم: أنه الخروج من مكة للرجوع، إذ يسمى راجعًا. قال في البحر: وهو الأقرب للمذهب. وعند أحمد: الفراغ من أعمال الحج، إذ هو المقصود وكما لو أقام بمكة.
فرع: ويجب الفصل بين الثلاث والسبع للآية، فإن وصلها بطل يوم واحد، فإن مات قبل فواتها وقبل أن يصوم تعين الهدي على المذهب. وعند من يجيز التصويم عن الميت يصح الصوم عنه قبل فواتها، وتستحب المتابعة لما رواه في الانتصار عن علي وابن عباس رضي الله عنهم: أن التتابع في صيام هذه الأيام مستحب، فإن مات بعد الثلاث وقبل السبع وجب إخراج كفارة صوم السبع، ثلاثة أصواع ونصف من الثلث إن أوصى. ورجّح بعضهم أنه في حجه من رأس المال لأنه دَين، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر الخثعمية: (( فدَين الله أحق أن يُقضى. ))، وهو قوي.
فائدة: لو خرج الحرمي من الحرم لصح تمتعه، فإذا تعذر عليه الهدي صحّ صومه في الحرم.(1/204)
فصل في تعين الهدي
ويتعين الهدي بفوات الثلاث أو أحدها في وقتها، وهو من يوم أحرم بالعمرة إلى آخر أيام التشريق، وبإمكانه فيها ولو لم يمكنه الذبح وعليه دم التأخير ودم التمتع، فإذا وجد الهدي وقد صام يومًا أو يومين أو في اليوم الثالث قبل الغروب لزمه الانتقال إلى الهدي، لا إذا وجد الهدي بعد أن صام الثلاث، فلا يلزمه إلا أن يجد الهدي في أيام النحر أو قبلها حيث قدم الصوم لخشية تعذر الهدي، فإنه يجب عليه أن يهدي ولو قد فرغ من صيام الثلاث، لا في اليوم الرابع، إلا أن يكون صائما.(1/205)