فصل في الهدي
وعلى المتمتع الهدي وهو شاة عن واحد أو بقرة عن سبعة إجماعًا. واختلف في البدنة، فعند القاسم والهادي ورواه في البحر عن العترة وزفر وهو المذهب أنها تجزي عن عشرة، واحتجوا بما روى المؤيد بالله في شرح التجريد بسنده إلى الحسن بن علي عليهما السلام قال: (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأسمنِ ما نجد، البقرة عن سبعة، والجزور عن عشرة.))، وبما رواه أيضًا بسنده إلى المسور بن مخرمة، قال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية...))، إلى قوله: (( وكان الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة، فكانت كل بدنة عن عشرة.))، ورواه في الشفاء وأخرج نحوه الدارقطني. وعن ابن عباس قال: (( كنا في سفر فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي البعير عشرة.))، أخرجه الترمذي وحسّنه ورواه أحمد وابن حبان والنسائي وابن ماجه. وعن الإمام زيد بن علي وأحمد بن عيسى والحنفية والشافعية أن البدنة لا تجزي إلا عن سبعة، واحتجوا بخبر جابر قال: (( خرجنا مع رسول الله مهلّين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بدنة.))، وفي رواية: (( اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة، فقال رجل: أيشترك في البقرة ما يشترك الجزور؟ فقال: ما هي إلا من البدن.)). هذه من روايات حديث أخرجه الستة، ذكره في تخريج البحر. وفي الجامع: (( روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي عليه السلام أن الجزور والبقرة تجزي عن سبعة.))، انتهى. وأجاب في البحر عن خبر جابر بأن ذلك للفضل لا للاجزاء، قال في المنار: وهو جمع حسن.
قلت: ولا يخفى عدم التنافي غايته أن مفهوم العدد في سبعة عارضه منطوق عشرة، وهي زيادة مقبولة، لكن الاقتصار على السبعة أحوط.(1/196)


تنبيه: ويكون الهدي سليمًا من العيوب المنقصة من القيمة بسن الأضحية. والذكر والأنثى سواء، وأفضله البدنة ثم البقرة ثم الشاة. ويشترط في الشركاء أن يكونوا مفترضين، وإن اختلف فرضهم، كمتمتع وناذر، ولو كان النذر أقل من عشر بدنة أو سبع بقرة، هذا هو المذهب. وعند المؤيد بالله، وخرّجه للهادي، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وهو المختار أنه يصح ولو كان بعضهم متطوعًا، إذ لم يتضح دليل المنع. أو طالب لحم عند الناصر والشافعي. ولا يجزي الاشتراك في جزاء الصيد، ولا يجزي أحدهم لو كان ملكه دون العشر، ولا يجزي أيضًا عن الباقين لأنهم شاركوا غير مفترض.
فرع: فلو غاب أحد الشركاء أو تمرد ناب عنه شريكه في بيع حصته إلى مفترض ليجزي عن الجميع، إذ له حق في ذلك، وإن لزم المحرم عشرة دماء أو سبعة أجزته بدنة أو بقرة فيما ليس بجزاء، ومن وجبت عليه بدنة أو بقرة أجزته عشر شياه عن البدنة أو سبع عن البقرة.(1/197)


فصل في ضمان الهدي
ويضمن هدي المتمتع إلى محله إن ساقه، فيلزمه تعويضه إن مات قبل أن يبلغ إلى محله مطلقًا، وأما بعد ذبحه في مكانه فضمان أمانة، إن فرّط فيه ضمنه للفقراء، وإن لم يفرّط فلا شيء. فإن مات المُهدي في طريقه وجب على وصيه أو وارثه إيصال الهدي إلى محله في النفل على الإطلاق، وأما غيره فإن كان قد أحرم وأوصى فكذلك، وإلا فالهدي باقٍ على ملكه ويورث عنه كما قالوا في المتمتعة والقارنة، حيث رفضت العمرة على القول بأنها ليست قارنة ولا متمتعة.(1/198)


فصل في الانتفاع بالهدي
ولا ينتفع به قبل النحر، فإن انتفع به لزمته الأجرة إن لم يَنْقُص والأرش إن نقص، ويصرفها في مصرف الهدي، وهذا يعم هدي التمتع والقِران والنفل. ولا يحمل عليه إلا نتاجه وعلفه وماءه إلا أن يتضرر بالمشي، ولا يجد غيره في الميل ملكًا جاز له أن يركبه، ويحمل عليه ماله المجحف، وكذا إذا اضطر إليه غيره من المسلمين أو محترم لكن لا يكون متعبًا، بل ساعة فساعة، ويوما فيومًا. والمختار جواز الركوب إن لم يجد غيره مطلقًا لقول علي عليه السلام: (( ورأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجالاً يمشون فأمرهم فركبوا هديه...))، إلى آخره، رواه في المجموع وأخرجه أحمد في المسند، ولأمره صلى الله عليه وآله وسلم صاحب البدنة أن يركبها، متفق عليه. فإن نقصت بهذا الركوب لم يلزم أرش ولا أجرة في غير المتعب، ويلزمه الأرش في المتعب. ولا ينتفع بفوائده، وهي الولد والصوف واللبن، ويجوز له شرب اللبن إذا خشي التلف، كما يجوز من مال الغير بنية الضمان، ويكون بنية القرض.(1/199)


فصل في ما خشي فساده من الهدي
وما خشي فساده من الهدي نفلاً أو فرضًا قبل نحره، أو فوائده قبل بلوغ محله في وقته، وجب التصدق به إن لم يبتع في الميل، ويلزمه تعويض الهدي. وأما النتاج وسائر الفوائد حيث تصدق بها فلا يلزمه التعويض إلا لجناية أو تفريط، والواجب ترك اللبن في الضرع، فإن خشي ضرره ضربه بالماء البارد، فإن لم يؤثر حلبه وحفظه حتى يتصدق به مع الهدي في مِنى، فإن خشي فساده باعه وتصدق بثمنه هنالك، فإن لم يبتع ولم يجد من يقرضه تصدق به على الفقير، فإن لم يجد فقيرًا في الميل شربه ولا شيء عليه. قال الإمام المهدي: وهذا الترتيب صحيح على المذهب؛ انتهى. قلت: المختار أن له شرب ما فضل عن ولدها من اللبن مطلقًا لقول علي عليه السلام في البدنة: (( لا يشرب من لبنها إلا فضلاً عن ولدها، فإذا بلغت نحرهما جميعًا فإن لم يجد ما يحمل عليه ولدها فليحمله على أمه التي ولدته غير باغٍ ولا عاد.))، انتهى.(1/200)

40 / 57
ع
En
A+
A-