فرع: على القول الأول وهو المذهب، فلو أحرم بالعمرة في غيرها لم يصح تمتعه، وتكون عمرة مفردة يلزمه إتمامها. فإن أحرم بعمرة قبلها، فلما فرغ منها أَحرم بعمرة أَخرى فيها من داخل الميقات لم يكن متمتعاً بأيهما، لأن الأولى قبل أشهر الحج، والأخرى من داخل الميقات؛ فإن أحرم بالأولى في أشهر الحج من الميقات كان متمتعًا بها، ولا يضر ما زاد من بعد، ويلزم دم إن أحرم بالثانية في أيام التشريق.
الشرط الخامس: أن يجمع حجه وعمرته سفر واحد، لأنه إن فعلهما في سفرين لم يكن جامعًا بينهما، ولأنه خلاف ما فعلوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فلو أحرم بعمرة التمتع، ثم رجع إلى أهله قبل أن يحج، ثم رجع إلى الحج لم يكن متمتعًا، سواء رجع قبل كمال العمرة أم بعدها مهما كان قد أحرم بها، فإن لم يلحق بأهله - أَي وطنه - فهو سفر واحد ما لم يخرج مضربًا، فحد السفر: أن لا يتخلل لحوق بأهله قبل أن يقف للحج، فلو لحق بأهله بعد الوقوف لم يضر، ولو بقي عليه بقية مناسك الحج. ومن لا وطن له فقيل بالخروج من الميقات، والمذهب لا يضر لأنه سفر واحد. وعند محمد بن منصور وحكاه عن الحسن، أن الرجوع إلى الأهل بعد قضاء العمرة في أشهر الحج لا يمنع التمتع. واعتبار الوصول إلى الوطن هو المذهب، وقول الإمام الناصر وأبي حنيفة؛ وعند الشافعي وبعض أصحابنا: بمجاوزة الميقات يبطل تمتعه.
مسألة: عند الإمام يحيى والفريقين وهو المذهب: ولا يبطل التمتع بالاعتمار بين حجه وعمرته إذ لم يختل شرط.(1/191)


الشرط السادس: أن يجمع حجه وعمرته عام واحد، لأن قوله تعالى: ? فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ? يقتضي الاتصال، ولأن الذين تمتعوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عملوه كذلك. فلو أحرم بعمرة الحج في عام، ولبث بالحج إلى العام القابل لم يكن متمتعًا، ولا يلزمه دم على الصحيح للمذهب. فلو اعتمر في أشهر الحج، ثم خرج من الميقات أو زار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أحرم بالحج من الميقات كان متمتعًا لأنه في سفر واحد وعام واحد إن لم يكن له وطن يقطع حكم السفر.(1/192)


فصل في صفة التمتع
وصفة التمتع: أن يفعل ما مرّ، إلا أنه يقول في عقد إحرامه: (( اللهم إني محرم لك بالعمرة، متمتعًا بها إلى الحج.))، ويقدم العمرة، فيقطع التلبية عند استلام الحجر كما سبق. وتقديم العمرة في التمتع والقِران واجب لا شرط على المذهب، وهو المروي عن الإمام الهادي إلى الحق والمؤيد بالله وأبي طالب والفريقين. فيطوف ويسعى للعمرة كما سبق، ويحلّ له عقيب السعي جميع المحظورات إلا الوطء، ثم يحلق أو يقصّر وجوبًا، ويحل له بعد ذلك جميع المحظورات من وطء وغيره. والتقصير له أفضل ليحلِق في الحج، ثم يحرم للحج من أي مكة شاء. فإن أحرم قبل الحلق أو التقصير لم يلزمه شيء على المذهب كما سبق. وندب أن يكون الإحرام يوم التروية، أي اليوم الذي قبل عرفة.(1/193)


وليس الإحرام من مكة شرطًا، فلو أَحرم للحج من أي المواقيت أو من خارج الميقات جاز ما لم يلحق بأهله، هذا هو المذهب. وعند الأمير المؤيد والشيخ النجراني: إن جاوز الميقات لم يكن متمتعًا. والأَولى أن يكون إحرامه للحج من المسجد الحرام، والوجه فيه فضيلة المكان، فقد عُلِم أن له أثرًا في مضاعفة الثواب، كالصلاة في المسجد الحرام ونحوه. ولا يقال: لو كان أفضل لأشار به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولفعله الصحابة الذين أحرموا من مكة معه؛ لأنه يكفي ما علم من فضل المسجد الحرام. ولعل الصحابة لم يفعلوا ذلك لبعض الأعذار كمشقة الاجتماع في المسجد الحرام، أو لتعسر المرافق أو نحو ذلك. وعلى الجملة هو مثل الصلاة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بهم في المنزل الذي نزل فيه مدة إقامته صلى الله عليه وآله وسلم بظاهر مكة أربعة أيام، الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وتوجه إلى منى ضحى يوم الخميس. فلا يقال: إن الصلاة خارج المسجد الحرام أفضل لذلك، هذا معلوم لكل ذي علم، بل يحمل تركه صلى الله عليه وآله وسلم لمعنىً وإن لم يظهر. والأقرب أنه لضيق المسجد الحرام في ذلك الوقت، وقد كان معه صلى الله عليه وآله وسلم مائة ألف من المسلمين، ولم تكن قد ظهرت الاستدارة على الكعبة، ولو لم يكن إلا لبيان جواز الصلاة خارج المسجد لكان وجهًا، وهكذا في كثير مما دل على فضله الدليل أو شرعيته، وإن لم يفعله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يقال: إن فعله بدعة، كما لهج بذلك من لا تحقيق عنده لمعنى السنة والبدعة. فليست السنة مقصورة على فعله صلى الله عليه وآله وسلم، والمقام يحتاج إلى مزيد بسط ليس هذا محله.(1/194)


هذا ويستكمل مناسك الحج التي تقدمت مؤخِراً لطواف القدوم وسعيه وجوبًا عن الوقوف، فلو قدم الطواف والسعي أعادهما بعد الوقوف لأنه لا يكون قادمًا إلا بعد ذلك، وكذا المكي. والذي يدل على أن على المتمتع طوافين وسعيين أنه أحرم بالعمرة والحج فلا بد من تأدية أعمالهما. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (( فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب...))، إلى قوله: (( ثم أُمِرنا عشية التروية أن نهلّ بالحج...))، إلى قوله: (( فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة.))، أخرجه البخاري. وفي أمالي أحمد بن عيسى عن عبد الله بن الحسن الكامل عليهم السلام أنه قال للسائل: (( فاغتسل والبس ثوبي الإحرام ثم قل: اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، وأحرِم بالعمرة، فإذا أتيت مكة فطف بالبيت وبين الصفا والمروة، واخرج إلى المروة وقصّر من جوانب رأسك ووسطه ومن أطرافه وقد حللت...))، إلى قوله: (( فإذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت، ثم ائت الحجر الأسود فصلّ إليه إن شئت تطوعًا وإن شئت فريضة، ثم أحرِم بالحج واخرج مع الناس، فإذا رجعت فعليك طواف بالبيت وبين الصفا والمروة وطواف الزيارة، ثم إذا فرغت فقد حل لك كل شيء، وجمع الله لك الحج والعمرة.))، انتهى.
فائدة: وجوب تأخير طواف القدوم هو على من أحرم من الحرم المحرم، أما من أحرم من الميقات فهو مخير في تقديمه وتأخيره كالمفرد.(1/195)

39 / 57
ع
En
A+
A-