فصل في فساد العمرة
وتفسد العمرة بالوطء لا مقدماته قبل كمال السعي جميعه، وسيأتي تمام الكلام على ذلك فيما يفسد الإحرام. وعند بعض الأئمة: لا تفسد إلا بالوطء قبل الطواف، وعند أبي حنيفة: قبل أربعة منه.(1/186)
باب في أنواع الحج
هي ثلاثة: الإفراد، والتمتع، والقِران، وهي معلومة من ضرورة الدين.(1/187)
فصل
وصفة الإفراد ما سبق.(1/188)
فصل في التمتع
والتمتع في اللغة: الانتفاع، وفي الشرع: الانتفاع بين الحج والعمرة بما لا يحل للمحرم. والمتمتع: من أحرم بالحج بعد عمرة متمتعًا بها إليه. وقد دل عليه الكتاب العزيز ? فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ?. عن عمران بن حصين: (( أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينهَ عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء.)). قال البخاري: يقال إنه عمر، أخرجه البخاري ومسلم. وعن عبدالله ابن شقيق قال: (( كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي عليه السلام يأمر بها.))، أخرجه مسلم، والأخبار في هذا كثيرة.
وله ستة شروط:
الشرط الأول: أن ينويه، ولا بد أن تكون النية مقارنة لتلبية أو تقليد على المذهب، وقد سبق القول في ذلك. وفي قول للشافعي: لا تجب نية التمتع، بل متى كملت شروطه صار متمتعًا، وحكي مثله عن المرتضى وأبي العباس، واستدل على لزومها بقوله تعالى: ? فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ?. قلت: الذي يظهر أن الخلاف في اشتراط قصد التمتع في العمرة إلى الحج، لا في لزوم النية للعمرة عند الإحرام بها والحج عند الإحرام به، فهو لا ينعقد الإحرام إلا بها بلا نزاع، لأدلة وجوب النية لكل قول وعمل لقوله تعالى: ? مخلصين له الدين ? ولا إخلاص إلا بنية، وأخبار: (( إنما الأعمال بالنيات. ))، و (( لا قول ولاعمل إلا بنية. )).
الشرط الثاني:أن يكون آفاقيًا، أي من خارج المواقيت على المذهب، وهو قول القاسمية والحنفية لقوله تعالى: ? ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ? ولم يرد المسجد الحرام وحده إجماعًا، ولا تخصيص أقرب من ذلك، ولكون من داخل المواقيت يدخلون بغير إحرام، فهم كالمكي.(1/189)
وعند الشافعي: (( حاضر المسجد الحرام من لم يكن بينه وبين الحرم مسافة قصر.)).وعند مالك: (( أهل مكة وذي طُوى، إذ هو السابق إلى الفهم.)). وعند ابن عباس ومجاهد والثوري وطاووس والإمام يحيى: (( من كان في الحرم المحرم، إذ هو المفهوم.)).
مسألة: قال المؤيد بالله وخرجه للإمام الهادي، والإمام يحيى والشافعي ومالك: يصح التمتع من حاضري المسجد الحرام، ولا هدي عليهم إذ الإشارة إلى الهدي لكونه أقرب. وأجيب بأنه لو كان المراد الهدي لأتى بـ"على"، ولما جاء بصيغة البعيد وهو ذلك. فلو تمتع من داخل المواقيت صحت منهم العمرة والحج إفرادًا، ويأثمون ويلزمهم دم إن اعتمروا في أيام التشريق. ولو خرج المكي إلى خارج الميقات صح منه التمتع. وقال المنصور بالله: لا يصح، ولو كان للمكي وطن آخر خارج الميقات صح تمتعه إذا أتى من خارج الميقات.
الشرط الثالث: أن يحرم من الميقات أو قبله، فلو جاوز الميقات ثم أحرم لزمه دمان للمجاوزة وللإساءة إن كان في أيام التشريق، ولا يكون متمتعاَ على المذهب.
الشرط الرابع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج؛ هذا هو قول العترة والشافعي وأحمد وغيرهم. قال في البحر: (( إذ قوله تعالى: ? فمن تمتع..? الآية رد لتحريم المشركين إِياها في أَشهر الحج، فتقديرها فمن تمتع في أشهر الحج...))، إلى قوله: (( وللإجماع على أن ذلك شرط وإن اختلف في التفصيل.))، انتهى. والعجب ممن قال ليس عليه دليل، وما أيسر الإنكار عند من لا يهمه إلا الجدال. وقال أبو حنيفة: يكفي كون أكثر أعمالها في أشهر الحج. وقال الحسن البصري وبعض العلماء: لو عقدها في غيرها وفعلها فيها كان متمتعًا، إذ العبرة بالعمل. وحكى في الجامع الكافي عن محمد الخلاف بين أَهل البيت في ذلك.(1/190)