فصل في أفضل أوقات العمرة
وأفضل أوقاتها في شهر رمضان، لما رواه القاسم بن إبراهيم عن علي عليهم السلام أنه قال :(( عمرة في رمضان تعدل حجة. )). وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي بعض الأخبار: (( عمرة في رمضان كحجة معي. ))، انتهى.
عمرة رجب:
ويذكر بعضهم العمرة في رجب: روى ابن عمر أن النبي (ص) اعتمر في رجب، وقد أنكرته عائشة وهو يسمع فسكت، أخرجه البخاري ومسلم.(1/181)
فصل في ميقات العمرة
وميقاتها مواقيت الحج إلا مَن في الحرم فميقاته الحل لما سبق في خبر عائشة، حيث أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن تخرج من التنعيم وهو أقرب حدود الحرم، وهو المسمى الآن مساجد عائشة، وله أن يحرم من أي جهة خارج الحرم مثل الجعرانة أو عرفات. وقد صار بعض الجهال يعتقدون أن الإحرام للعمرة لا يكون إلا من ذلك المحل.
من أحرم بالعمرة من الحرم أو في أيام التشريق:
فإن أحرم للعمرة من الحرم أو في أيام التشريق لزم دم للإساءة ويحسن تكرارها. روى في الجامع الكافي عن علي عليه السلام أنه قال: اعتمر في الشهر مراراً، وفيه: وقد اعتمر علي بن الحسين في شهر واحد ثلاث عمر.(1/182)
فصل في مناسك العمرة
ومناسك العمرة أربعة: إحرام وطواف وسعي، هذه الثلاثة مجمع عليها، وحلق أو تقصير. ويفعل في إحرامه وطوافه وسعيه وركعتي الطواف كما يفعل الحاج المفرد، إلا أنه يقطع التلبية عند رؤية البيت؛ هكذا ذكروه للمذهب وغيرهم، والمختار عند استلام الحجر كما وردت به الروايات. قال في الجامع الكافي: (( وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه اعتمر ثلاث عمر، فكان يلبي في كلهن حتى يستلم الحجر. وعن ابن عباس وعبدالله بن الحسن ومحمد بن عبدالله مثل ذلك.))، انتهى. قلت: وهو الذي يفيده كلام الهادي عليه السلام كما في شرح التجريد.
ويجعل مكان الحج العمرة في نية الإحرام، وهذه الأربعة أركان فلا يجبر أيها بدم على المذهب. وخالف بعض الأئمة في كون السعي والحلق أو التقصير ركنين، فجعلهما كسائر المناسك التي تجبر بالدم، واستدل بقول أمير المؤمنين: (( الحج عرفة، والعمرة الطواف بالبيت.))، رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام، وبقول ابن عباس رضي الله عنهما: (( لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل سنة نبيكم.))، أخرجه البخاري ومسلم، وحكى في البحر خلاف الإمام القاسم عليه السلام في الحلق أو التقصير كالحج، وهي مرتبة على هذا الترتيب، فلا يتحلل بالحلق أو التقصير قبل السعي.
ولا زمان للحلق أو التقصير ولا مكان ولو خارج الحرم، وعند بعض الفقهاء والوافي أن موضعه الحرم، وفي الوافي إذا أخر الحلق في الحج حتى خرجت أيام التشريق فعليه دم، وروي ذلك عن المؤيد بالله. قلت: فالأَولى فعله في الحرم وفي أيام التشريق في الحج ليتخلص بالإجماع، ولأنه المأثور من فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.(1/183)
فصل في الحل
ويحل بتمام السعي من محظورات الإحرام إلا الوطء، فلا يحل إلا بالحلق أو التقصير. فالسعي في العمرة بمنزلة الرمي في الحج كما سبق، إلا أنه لا يحل إلا بتمام السعي، بخلاف الرمي فبأول حصاة.
فائدة: لا يجزى بالنورة والزرنيخ ونحو ذلك على المذهب. وعند الإمام يحيى: يجزي النتف إذ القصد الإزالة، ولا شيء على من مات قبله.
حكم الوطء قبل الحلق أو التقصير في العمرة :
فإن وطىء بعد الطواف والسعي وقبل الحلق أو التقصير لزمته بدنة على المذهب. وقال الإمام الهادي عليه السلام: أكثر ما يجب عليه دم، وفسروه بالبدنة، وهو خلاف الظاهر. وأما الإمام القاسم بن إبراهيم عليهم السلام فروى عنه في الأمالي ما لفظه: (( أكثر ما في ذلك عليه أن يهرق دمًا، وإن لم يهرق دمًا فأرجو أن لا يكون عليه بأس.))، ومثله في الجامع الكافي.
تنبيه: صفة الحلق أن يحلق جميع رأسه والحذفة الزائدة على الصدغين، وإن كان أصلع فيمر الموسى على رأسه بحيث لو كان على رأسه شعر لأزاله، ولا يجزي بالموسى الكلة، ويجب حلق الأذنين على المذهب وإن لم يكن عليهما شعر. قلت: لأجل دخولهما في مسمى الرأس كما في الوضوء، ولما روي: الأذنان من الرأس، وفي ذلك خلاف قوي إذ لم ينقل حلقهما، ومثله لا يخفى. والخلاف في تعميم الرأس بالحلق أو التقصير كالخلاف في الوضوء، واستدل في البحر على وجوب إمرار الموسى على الأصلع بأنه روي عن ابن عمر ولم ينكر، وحكي عن الشافعي أنه مندوب.(1/184)
هذا والتقصير الأخذ من مقدم الرأس ومؤخره وجانبيه ووسطه، ويجزى قدر أنملة فيمن شعره طويل أو دونها فيمن دون ذلك. وقد نص على أن التقصير كما ذكرنا الإمام زيد بن علي في المنسك، وروي مثله في الأمالي عن عبدالله ابن الحسن عليهم السلام، أي من الخمسة الجوانب، فهذا يفيد تعميم شعر الرأس كالحلق، وهو المختار لأنه في بيان تقصير الشعر الطويل. فما يفعله الكثير من الناس من تقصير الشعر القصير حتى أن البعض يوصل التقصير إلى أصل البشرة غير صحيح، ويدل على ذلك قول عبد الله بن الحسن الكامل الآتي في صفة التمتع بالعمرة: (( وقصِّر من جوانب رأسك ومن وسطه وأطرافه وقد حللت.)).
فائدة: الإحرام قبل الحلق أو التقصير للعمرة ليس بإدخال نسك على نسك، ولا يلزم فيه شيء على المذهب لأنه قد حل بالسعي، إلا أنه بقي تحريم النساء، وستأتي الإشارة فيمن وطىء قبل طواف الزيارة فتأمّل.(1/185)