ويقع عنه طواف القدوم إن أخّر إلى وقت طواف الزيارة ثم طاف للقدوم وترك طواف الزيارة حتى لحق بأهله وهو دخول ميل وطنه، فينصرف طواف القدوم إلى طواف الزيارة، ولا يجب قضاؤه، ويلزمه دمان لترك طواف القدوم وسعيه وإن كان قد سعى. ويقع عنه طواف الوداع ولو لم يلحق بأهله لأنه لا يسمى مودعًا من ترك طواف الزيارة. واختار الإمام يحيى للعترة والشافعي أنه لا يقع عنه إذ لكل امرىء ما نوى. قال في الحواشي: (( ومحل الخلاف مع النية، وأما مع عدم النية فإنه يقع عن الزيارة اتفاقًا.)). قلت: المختار أنه مع عدم النية يقع عنه، وأما مع نية القدوم أو الوداع فلا، إذ الأعمال بالنيات، وإنما يقع عنه بدون نية لأن نية الحج كافية عن نية الأبعاض كالصلاة كما سبق. أما المقرر للمذهب فهو أنهما يقعان عنه مطلقًا إلا أنه يشترط في طواف القدوم اللحوق بأهله، وأما الوداع فمن حينه. فلو مات قبل اللحوق بأهله لزمه الإيصاء بطواف الزيارة. قال السيد يحيى: وهو المذهب. ولو طاف للقدوم مرتين سهوًا فإنه يقع الثاني عن الزيارة. قال في الغيث: أو طاف طوافين بنية النفل ولم يطف للزيارة والقدوم وقعا عنهما. ولو طاف للقدوم والوداع وقع طواف الوداع عن الزيارة ليكفي دم واحد، إذ لو وقع طواف القدوم لزمه دمان عنه وعن السعي كما سبق لترتبه عليه.
وإذا وطىء بعد أن طاف للقدوم قبل الرمي فهو غير مفسد إن لم يطف للزيارة حتى لحق بأهله وهي الحيلة، وإلا فسد حجه، كذا قرروه للمذهب. ولو طاف طواف الوداع وهو جنب وجبر بدم ولم يطف طواف الزيارة، وجب عليه أن ينحر بدنة لأنه انقلب عن الزيارة، فكأنه طاف للزيارة وهو جنب.(1/166)
فصل في من أخر طواف القدوم
ومن أخّر طواف القدوم إلى ما بعد الوقوف قدّمه على طواف الزيارة وجوبًا، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخّر طواف الزيارة. ويسعى عقيب طواف القدوم قبل طواف الزيارة ندبًا، فلو طاف للقدوم ثم طاف للزيارة في وقته ثم خرج للسعي صحّ على المذهب. قلت: الدليل يقتضي تقديمه وسعيه على الزيارة.
فائدة: لو قدّم طواف الزيارة ثم طاف للقدوم، وقع ما نواه للزيارة عن القدوم، وما نواه للقدوم عن الزيارة على المذهب.(1/167)
فصل في وجوب الطهارة لكل طواف
يجب كل طواف على طهارة كطهارة المصلي، وقد سبق تفصيل ذلك في طواف القدوم. ويختص طواف الزيارة بأن من طاف جنبًا أو محدثًا ثم لحق بأهله وكفَّر ثم عاد إلى مكة، فإنه يجب عليه إعادته بخلاف سائر الطوافات، فمن لحق بأهله وكفّر لم تلزمه إعادته إن عاد، وإن أعاده قبل أن يكفّر سقط عنه التكفير في الجميع، وإن وطىء قبل الإعادة وقد طاف جنبًا أو حايضًا فلا شيء عليه، إلا أنه لا يجوز له الوطء حتى يلحق بأهله. وقيل: إنه إن أعاده لزمته البدنة، لأن سقوطها مشروط بأن لا يعيده. والصحيح للمذهب أنه لا يلزمه لأنه قد حل بالطواف الأول، وإنما تجدد عليه الخطاب بالعود، وقد سبق.(1/168)
فصل في ما يفوت به الحج
ولا يفوت الحج إلا بفوات الإحرام أو الوقوف بعرفة. أما الإحرام فالمعلوم من الدين أنه لا حج بغير إحرام وإنما الأعمال بالنيات. والعجب من الشوكاني حيث قال في سيله الجرار: (( لا دليل يدل على ذلك...))، إلى آخره. وأما الوقوف فلقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج عرفة. ))، ونحوه وقد سبق.
ويفوت الإحرام بأحد ثلاثة : إما بعدم النية، أو الوطء قبل الرمي وقبل طواف الزيارة فإنه يفسده كما يأتي، أو الردة. ولا يلزم الإتمام لو أسلم.
ويفوت الوقوف بأحد أمرين: إما أن يقف في غير مكان الوقوف نحو بطن عرنة، أو في غير وقت الوقوف.
ويلزم دم لفوات العام كما سيأتي، هذا ويجبر ما عداهما - أي الإحرام والوقوف - دم. ووقت الجبر فيما كان مؤقتًا مثل الرمي والمبيت خروج وقته. وما لا وقت له كطواف القدوم والوداع بعد اللحوق بأهله ، أي وطنه ومن لا وطن له وجبت عليه الإعادة. إلا طواف الزيارة، فإنه يجب العود له ولأبعاضه ولو بعض شوط منه أو خطوة أو قدمًا لما سبق إن لم يطف للوداع ولا للقدوم بعد الوقوف ولا نفلاً، إذ لو قد طاف أحدها وقع عن الزيارة كما مر. وقال أبو حنيفة: إذا أتى بأربعة أشواط منه أجزاه، وللثلاثة دم، ومثله عن الإمام المنصور بالله وعن الأمير علي بن الحسين: لا يكون محصرًا إلا بثلاثة فصاعدًا.
فرع: ولا تشترط الاستطاعة في العود، بل يجب التوصل إليه بغير المجحف كالمحصر إذا زال عذره قبل الوقوف. ولا تصح الاستنابة إلا لعذر مأيوس كالحج، فإن زال عذره تجدد عليه وجوب طواف الزيارة. والمذهب أنها تلزمه الدماء بما فعله من المحظورات في حال كونه معذوراً من وطء ونحوه، ولكنه يسقط عنه الإثم والدم بعد فعل المستناب، وبعد زوال العذر يحرم عليه الوطء ويلزمه في كل شيء بحسبه. قوله: ونحوه، وقوله: في كل شيء بحسبه هكذا عبارتهم، وتحمل على من وقع له العذر قبل أن يرمي وقبل مضي وقته، وإلا فما بقي عليه إلا النساء.(1/169)
فائدة: من بقي عليه طواف الزيارة فلا يصح أن يحج ولا يطوف عن غيره في أيام التشريق من سنته التي حج فيها، لأن وقته باقٍ. وأما بعد أيام التشريق أو في السنة القابلة فالمذهب أنه يصح أن يحج ويطوف عن غيره، وقيل لا يصح.
ومن بقي عليه طواف الزيارة أو بعضه وجب عليه الإيصاء بذلك، والأجرة من رأس المال في حال الصحة، وإلا فمن الثلث. ولا يشترط في الأجير أن يكون عليه بقية إحرام، بل يجوز بغير إحرام حيث كان داخل الميقات، وإلا أحرم بحج أو عمرة. ويدخل طواف الزيارة تبعًا، فإن ترك الوصية لم يصح حجه.
فرع: ويسير النائب من بيته حيث مات في بيته، وإن مات في غيره فمن الموضع الذي مات فيه. هذا مع الإطلاق، وأما مع التعيين فما عيّنه كما يأتي إن شاء الله.
فائدة: قال في البحر: ولا يتحلل بالهدي إن أُحصر عنه عندنا؛ انتهى. وسيأتي في الإحصار إن شاء الله تعالى.(1/170)