فصل في ترتيب أعمال يوم النحر
في مجموع الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام: (( أول المناسك يوم النحر: رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم طواف الزيارة.)). و أخرج الستة إلا ابن ماجه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال : (( هاهنا )) فدفعه إلى أبي طلحة. وفي خبر الصادق عن جابر رضي الله عنهم: (( رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بدنة، ثم أعطى عليًا فنحر ما غَبَر.))، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر...))، وفي خبر ابن عمر أنه صلى الظهر بمنى، وخبر جابر أرجح لوجوه لا يسع المقام ذكرها. وفي سبل السلام: (( وجَمْع بينهما، أنه صلى بمكة ثم أعاده بأصحابه جماعة بمنى لينالوا فضل الجماعة خلفه.))، انتهى، وهو ضعيف كما لا يخفى.
الخطب في الحج
وقد خطب الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في يوم النحر، وبيّن لهم فضل ذلك اليوم، والشهر الحرام، والبلد الحرام، وأن دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام، وأن يبلغ الشاهد الغائب، وألا يرجعوا بعده كفّارًا يضرب بعضهم رقاب بعض. وفتح الله له الأسماع حتى سمعه الناس في منازلهم، وودّع الناس. قال ابن عباس في هذه الخطبة : (( فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته.)). والخطب المشروعة في الحج أربع: في سابع الحجة، ويوم عرفة، ويوم النحر، وثانيه.
الكلام على صلاة العيد في الحج:(1/151)
فائدة: لم يرد لصلاة العيد ذكر، مع أنهم قد رووا جميع أعماله صلى الله عليه وآله وسلّم خصوصًا في تلك الليلة وذلك اليوم، الفرائض وغيرها، المختص بالحج وغيره. فيظهر أنه صلى الله عليه وآله وسلّم لو صلاها لم تهمل، ولكن الصلاة خير موضوع، فإن صليت على سبيل الاحتياط بدون جزم بالشرعية فلا بأس. هذا الذي يترجح، والله تعالى ولي التوفيق. وقد روى الأمير الحسين عليه السلام في الشفاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لم يصلّ صلاة العيد، وكان في منى، وجعله دليلاً على سقوطها في السفر كالجمعة، وهو صحيح. وقد ذاكرت شيخنا نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي رضوان الله عليهما فيها ونحن بمنى فقال: (( ما قد تقرر وجوبها في الحضر، فكيف في السفر! ))، بهذا أو معناه، وهي واجبة على المذهب.(1/152)
فصل في رمي الجمار الثلاث
وفي اليوم الثاني من بعد الزوال إلى فجر ثانيه يرمي الجمار الثلاث مبتدئًا وجوبًا بجمرة الخيف - وهي التي تلي المسجد - ثم الجمرة الوسطى جمرة علي عليه السلام، ثم جمرة العقبة. والترتيب هذا واجب غير شرط ولا نسك، فلا يلزم في تركه شيء على المذهب. وفي اليوم الثالث كذلك، وله النفر في هذا اليوم.
وفي الأمالي عن الباقر عليه السلام: (( فارمِ الجمار كل يوم عند زوال الشمس، وأي ساعة شئت غير أن أفضل ذلك عند زوال الشمس، ثم قال: إرمِ قبل الظهر وبعدها، وإن شئت ضحى، وإن شئت بالعشي.))، انتهى. وحكى في البحر عن الناصر: أن وقت الرمي في الثاني والثالث من الفجر كالأول والآخر، وفي كلام الإمامين توسيع عظيم. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله أرخص للرعاة أن يرموا بالليل، وأية ساعة شاءوا من النهار، أخرجه البزار والحاكم والبيهقي بإسناد حسن.
فإن طلع الفجر في اليوم الرابع وهو غير عازم على النفر في هذا اليوم لزمه الرمي لأنه لم يتعجل، والراجح أنه يلزمه الرمي بغروب شمس اليوم الثالث وهو واقف إذ لم يتعجل. وحكى في البحر عن الإمام يحيى للمذهب والشافعي: انه يتحتم الرمي في الرابع بغروب الثالث وهو غير عازم على السفر.
فائدة: المراد بالعزم على السفر أو النفر: العزم على مجاوزة العقبة مرتحلاً من مِنى على المذهب. وقيل: العزم على الخروج من ميل مِنى.(1/153)
ووقته على المذهب في هذا اليوم من الفجر إلى الغروب، وهو قول الهادي والناصر ومحمد بن منصور وأبي حنيفة، واستدل لهم في البحر بعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: (( حتى تصبحوا ))، وليس بواضح إذ هو في اليوم الأول، والمختار قول الإمام يحيى والشافعي: أنه من بعد الزوال كاليومين الأولين. وفي المجموع بسنده إلى علي عليه السلام: (( أيام الرمي: يوم النحر وهو اليوم العاشر، يرمي فيه جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة، ولا يرمي يومئذ من الجمار غيرها. وثلاثة أيام بعد يوم النحر: يوم حادي عشر، ويوم ثاني عشر، ويوم ثالث عشر، يرمي فيهن الجمار الثلاث بعد الزوال، كل جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة، ويقف عند الجمرتين الأولتين، ولا يقف عند جمرة العقبة.))، انتهى. وفعله صلى الله عليه وآله وسلّم، فإنه رمى في الثلاثة الأيام بعد الزوال، وعن عائشة قالت: (( أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من آخر يوم حين صلى الظهر، ثم رجع إلى مِنى فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبّر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام، ويتضرع، ويرمي الثالثة لا يقف عندها.))، رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (( رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الجمار حين زالت الشمس.))، أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.(1/154)
فصل في الدعاء حال الرمي
ويندب الدعاء ورفع اليدين عنده، عقيب الرمي للأولى والثانية، لفعله صلى الله عليه وآله وسلّم. ومن أكمل ما ورد في ذلك ما ذكره الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام، وهو هذا مع تصّرف يسير بزيادة ونقص: ((فإذا كان اليوم الثاني نهض طاهرًا متطهرًا بعد زوال الشمس حتى يأتي الجمرة التي في وسط مِنى، وهي أقربهن إلى مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات من بطن الوادي، يقول مع كل حصاة: لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. ثم يستقبل القبلة، ويجعل الجمرة التي رماها من وراء ظهره، ويرفع يديه ثم يقول:
اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلّم. اللهم إني عبدك، وابن عبديك، طالب منك، ضارعٌ إليك، فأعطني بفضلك إقالة عثرتي، وغفران خطيئتي، وستر عورتي، والكفاية لكل ما أهمني. مِنْك طلبت، وإليك قصدت، فلا تخيبني إنك أنت إلهي لا إله لي غيرك. بيدك ناصيتي، وإليك رَجعتي، فأحسن مثواي في آخرتي ودنياي، وآمن يوم ألقاك روعتي، وأعذني من عذابك، وأنلْني ما أنت أهله من ثوابك، واغفر لي ولوالديّ ومن ولدا، إنك لطيف كريم رؤوف رحيم.
ثم ليمضِ حتى ينتهي إلى الجمرة الوسطى، فيرميها بسبع حصيات، يقول مع كل حصاة: لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيًرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، ثم يستقبل القبلة، ويجعل الجمرة من ورائه، ويرفع يديه، ثم يقول:(1/155)