والذكر عنده مؤكد وقد أوجبه القاضي زيد، وهو قوي للأمر به في الآية الكريمة لكن لا بخصوص المكان لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( وجمع كلها موقف.))،. ويسنّ فيه استقبال القبلة والدعاء والتكبير والتهليل والتوحيد كما سبق عنه صلى الله عليه وآله وسلم. ومن مختار الدعاء فيه ما قاله الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام بعد كلامه السابق: (( فإذا أتى المشعر الحرام فليقل: اللهم هذا المشعر الحرام الذي تعبدت عبادك بالذكر لك عنده وأمرتهم به فقلت: ? فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ? ولا ذكر لك أذكرك به أعظم من توحيدك، والإقرار بعدلك في كل أمورك، والتصديق بوعدك ووعيدك، فأنت الله لا إله سواك، ولا أعبد غيرك،تعاليت عن شبه خلقك، وتقدست عن مماثلة عبيدك، فأنت الواحد الذي ليس لك مثيل،ولا يعدلك عديل، لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفؤا أحد. الأول قبل كل شيء، والمكون لكل كائن، خالق الأولين والآخرين، والباعث لكل الخلائق يوم الدين، البريّ عن أفعال العباد، المتعالي عن القضاء بالفساد، صادق الوعد والوعيد، الرحمن الرحيم، أسألك يا رب الأرباب، ويا معتق الرقاب في يوم الحساب، أن تعتقني من النار، وأن تجعلني بقدرتك في خير دار في جنات تجري من تحتها الأنهار، فإنك واحد قهار جبار. اللهم اغفر لي ولوالديّ وما ولدا والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم لك الحمد كما ابتدأت الحمد، ولك الشكر وأنت ولي الشكر، ولك المن يا ذا المن والإحسان. اللهم فأعطني سؤلي في دنياي وآخرتي فانك جواد كريم.))، انتهى. وتقرأ سورة القدر، وإن كان في الوقت سعة زدت في الدعاء: (( الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. اللهم إني عبدك وأنت ربي، أسألك اليُمن والإيمان والتسليم والسلام والإسلام. اللهم رب المشعر الحرام صلِّ على محمد وآله، وحرّم جسدي ووالدي على النار. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة،(1/136)


وقنا عذاب النار. اللهم لك الحمد كله،ولك الجلال كله، ولك التقديس كله، اغفر لي جميع ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملاً صالحًا ترضى به عني يا ذا الفضل العظيم. اللهم أعطني خير الدنيا والآخرة، وأجرني من كل شر في الدنيا والآخرة، وارزقني جوامع الخير كله. اللهم صلِّ وبارك وترحّم وتحنن وسلّم على رسولك محمد الأمين وعلى آله الطاهرين.))، وما حضرك من ذكر الله سبحانه. ولا تترك التلبية، ومتى بلغت وادي محسر - وهو ما بين مزدلفة ومنى- أسرعت في المشي، وإن كنت راكبًا حرّكت دابتك مقدار رمية حجر، في خبر الصادق عليه السلام: (( حتى أتى بطن محسر فحرّك قليلا.)).
فائدة: بين كل مشعرين برزخ ليس منهما، فبين مِنى ومزدلفة محسر، وبين مزدلفة وعرفات عرنة، وتجوزه وأنت تقول: (( اللهم صل على محمد وآل محمد، وسلّم عهدي، واقبل توبتي، وأجب دعوتي، واغفر زلتي، وأقل عثرتي، وآنس وحشتي في قبري، واخلفني في أهلي وما تركت بعدي.)).
تنبيه: في المزدلفة أربعة مناسك: المبيت بها أكثر الليل، وجمع العشائين فيها، والدفع قبل الشروق، والمرور بالمشعر بعد الفجر وقبل طلوع الشمس. فيلزم بتركها كلها أربعة دماء، وبترك أحدها دم، وقد سبق الخلاف.
فائدة: من أين تؤخذ الحصى؟(1/137)


لم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ الحصى في هذه الليلة، بل أمر بأخذها من وادي محسر، ومن منى. ففي خبر جابر رضي الله عنه قال: (( لما بلغنا وادي محسر قال: خذوا حصى الجمار من وادي محسر.))، أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد. وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال حين دفعوا : (( عليكم بالسكينة ))، وهو كافٍ ناقته حتى دخل محسرا قال: (( عليكم بحصى الخذف )) الذي يرمي به الجمرة، أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وكان رِدْف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم غداة العقبة وهو على راحلته: (( هات القُطْ لي ))، فلقطت له حصيات من حصيات الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: (( بأمثال هؤلاء، إياكم والغلوّ في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين. ))، أخرجه النسائي. فهذا العمل الذي اعتاده الكثير ليلة مزدلفة من الاشتغال بلقطها مع ما يحصل به من الأذى بمرور بعضهم على بعض، وإيقاظ النائمين، وقد يتلوث بالنجاسات، لا أصل له. وهي تجزي من أي مكان بالإجماع ما لم تكن مستعملة أو مغصوبة أو متنجسة. وإنما استحب تقديم أخذها قبل الوصول إلى الجمرة لئلا يشتغل عن الرمي، لكن لا على هذه الصفة المشتملة على عدة مكروهات. في أمالي أحمد بن عيسى بالسند عن أبي جعفر عليهم السلام: (( وخذ الحصى من المزدلفة إن شئت أو رحلك بمنى،كل ذلك لا بأس به، ولتكن كل حصاة قدر أنملة حصى الخذف...))، الخ.(1/138)


وصح عن عبدالله بن الحسن عليهما السلام أنه أخذها من منى. وقال القاسم بن إبراهيم عليهما السلام: (( يستحب حمله من المزدلفة، وإن أخذتها من غيرها فلا بأس، وإن غسلته فحسن، وإن لم تغسله فلا بأس إذا لم يكن فيه قذر يتبين.)). وقال الهادي إلى الحق عليه السلام: (( فإن أَخَذه آخذ من بعض جبال منى أو أوديتها أجزاه ذلك، ويستحب له أن يغسله إن رأى فيه دنسًا أو أثرًا. وإن رمى راكبًا أجزاه، ولا يرمي بالحصى إلا مفرقًا واحدة واحدة، يكبر مع كل حصاة...))، إلى آخره.
ومتى وصلت مِنى قلت: (( الحمد لله الذي بلّغنيها سالًما معافى. اللهم هذه منى قد أتيتها، وأنا عبدك وفي قبضتك، أسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أوليائك. اللهم إني أعوذ بك من الحرمان والمصيبة في ديني ودنياي. اللهم أتم لي حجي في عافية وسلامة، وارحمني واغفر لي ولوالدي يا أرحم الراحمين.)).(1/139)


فصل في النسك التاسع: الرمي
وقت الرمي:
يرمي أول يوم جمرة العقبة، ووقت أدائه من فجر يوم النحر على المذهب، وقول أبي حنيفة ومالك وأحمد. وروى الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام عن العترة عليهم السلام والشافعي رضي الله عنه: أنه من ضحى. وعن الشافعي: من النصف الأخير ليلة النحر. والمختار أنه من طلوع الشمس، لما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: (( أيام الرمي يوم النحر - وهو يوم العاشر - يرمي فيه جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ولا يرمي يومئذ من الجمار غيرها…))، الخ. ولفعله صلى الله عليه وآله وسلّم وقوله: ( ( لا ترموا حتى تطلع الشمس ))، أخرجه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، ورواه أحمد والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس. وقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلّم رمى ضحى يوم النحر كما في خبر جابر وغيره. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا ترموا حتى تطلع الشمس. ))، يبين أنه جائز من طلوعها، ولا تفاوت بين الوقتين، ولا حجة للقائلين بجوازه من بعد الفجر بما في بعض الروايات عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلّم: (( لا ترموا حتى تصبحوا. )) لأنه مطلق مقيد بخبر طلوع الشمس. وروي هذا القول في الأمالي عن القاسم بن إبراهيم، وهو في أحكام الهادي إلى الحق عليه السلام.(1/140)

28 / 57
ع
En
A+
A-