فصل في النسك الخامس: المبيت بمزدلفة
المبيت أكثر الليل بمزدلفة ليلة النحر، وهو واجب وليس بركن، خلاف جماعة منهم ابن عباس والبصري. وعند الشافعي انه سنة لا غير، والصحيح الأول وقد سبق الكلام.
حدود مزدلفة: وهي ما بين مأزمي عرفة ومأزمي وادي محسر من اليمين والشمال شعابه وقوابله. والمأزم الطريق الضيق بين الجبلين.(1/131)


فصل في النسك السادس: الجمع بين العشائين في مزدلفة
صلاة المغرب والعشاء فيها بعد دخول وقت العشاء، وهذا هو المقصود من الجمع. وعند الشافعي انه سنة لا غير. والدليل على أنه نسك، قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأسامة: (( الصلاة أمامك ))، أخرجه الإمام المؤيد بالله والبخاري ومسلم، وقول أمير المؤمنين عليه السلام: (( لا يصلي الإمام المغرب والعشاء إلا بجمع...)) إلى آخره، وفعله صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق بأذان وإقامتين كما سبق في الخبر، وهو زيادة على ما في المجموع وغيره من إقامة واحدة، فيجب قبولها، وهي في منسك الإمام زيد بن علي عليهما السلام. ولا دم على الحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه بتركهما.
فإن صلاهما قبل أن يصل مزدلفة لم يجزه إلا أن يخشى فواتهما، ويلزمه دم على المذهب، فإن فرق بينهما لعذر فعند المنصور بالله والأمير الحسين لا دم عليه، والمذهب أنه يلزمه الدم كما لو صلاهما في غير المزدلفة ولو لعذر.
فرع: فلو صلاهما في غيرها ثم وصلها وفي الوقت بقيّة لزمه الإعادة، ولا تصح صلاتهما في غيرها إلا لعذر، ولوصلاهما قبل الإحرام ثم أحرم لزمته الإعادة على المذهب، وقيل لا إعادة ولا دم؛ أفاده في المقصد الحسن.
فرع: فلو استأجر حايضًا أو نفساء للمبيت بمزدلفة لزم دم على المذهب، وقيل لاشيء وقرره المفتي، وهو المختار.(1/132)


فصل في النسك السابع: الدفع من مزدلفة
الدفع منها قبل الشروق ولو ليلاً. وعند الإمام المنصور بالله: لا دم على من لم يدفع قبل الشروق. والدليل على أنه نسك فعله صلى الله عليه وآله وسلم، والخبر السابق في مخالفة أهل الشرك.
فائدة: اعلم أن الدفع هذا نسك مستقل غير المرور بالمشعر، ووقته من الليل إلى الشروق على المذهب. والمختار أنه لا يصح ليلاً إلا لمن رخص لهم، فلو دفع من مزدلفة قبل الشروق وبعد الفجر وعاد إليها ولم يخرج إلا بعد الشروق لم يلزمه دم، لأنه صدق عليه أنه قد دفع قبل الشروق، ومر بالمشعر بعد الفجر قبل طلوع الشمس، فقد فعل ما أمر به، ولم يرد نهي عن العود إليها. وقد أدخل في البحر و الأزهار وغيرهما هذين النسكين في المبيت، فجعلوا المناسك عشرة مع أنهما نسكان عندهم، وذكرتهما منفردين زيادة في الإيضاح.(1/133)


فصل في النسك الثامن: المرور بالمشعر الحرام
المرور بالمشعر الحرام، والمقصود به هنا المزدلفة كلها. ووقت المرور بالمشعر الحرام بعد طلوع الفجر يوم النحر إلى طلوع الشمس، وعند أبي حنيفة والشافعي انه مستحب.
فائدة: اعلم أنه يطلق المشعر الحرام على المزدلفة كلها، ويدل عليه خبر ابن عباس رضي الله عنهما الطويل في تعليم جبريل عليه السلام لإبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم المناسك، وفيه أنه أتى به جمعا فقال: (( هذا المشعر الحرام.))، أخرجه أحمد والطبراني في الكبير، قال الهيثمي رجاله ثقات، وهو مراد الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في قوله: (( حد المشعر إلى المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر.))، ويطلق على موضع خاص من المزدلفة كما في خبر الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام: (( ثم يبيتون بها، فإذا صلى الفجر وقف بالناس عند المشعر الحرام حتى تكاد الشمس تطلع، ثم يفيضون وعليهم السكينة والوقار.)). وفي خبر الصادق عن الباقر عن جابر: (( حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبّح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبره وهلله ووحده. فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا فدفع قبل أن تطلع الشمس ...))، الخبر. والذي يدل على أن الإمام الهادي عليه السلام أراد في تحديده للمشعر المعنى العام وأنه يثبت المعنى الخاص قوله في الأحكام: (( فإذا طلع الفجر، فليرتحل وليمضِ حتى يقف عند المشعر الحرام، ويذكر الله سبحانه.))، وقد سبق له أن قال في حج إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم: (( ويقال - والله أعلم - إنها إنما سميت مزدلفة لازدلاف الناس منها إلى مِنى، وإنما سمي موضعها جمعًا لأنه جمع بين الصلاتين، ثم نهض حين طلع الفجر فوقف على الضرب، الذي يقال(1/134)


له قُزَح ووقف الناس حوله، وهو المشعر الحرام الذي أمر الله بذكره عنده...)) إلى آخره. والراجح أنه حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر من إطلاق اسم الجزء على الكل أو العكس، ومن لم يحقق هذا اضطرب فهمه. وقد نظَّر بعض الفقهاء على كلام الإمام في تحديد المشعر، وسببه ما ذكرت لك. قال ابن عبد البر وتبعه المقبلي أن المشعر والمزدلفة وجمعا ثلاثة أسماء لموضع واحد. ونقل عن الزمخشري أنه قال: (( هو قزح أو المزدلفة جميعها.))، وقال: (( قزح هو الجبل الذي يقف عليه الإمام.)). وفي المصباح: (( والمشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح.))، انتهى. وهو بضم القاف وفتح الزاي وآخره حاء مهملة، وهو الجبل المعروف، وقد بني عليه بناء وتحته مسجد، وتسميته بقزح كما نص عليه الإمام الهادي إلى الحق قد وردت في الخبر في الجامع الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( فلما أصبح وقف على قزح.)). وقال: (( هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف غير بطن محسر.)). وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أصبح بجمع أتى قزح فوقف عليه، وقال: (( هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف.))، أخرجه أبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح.(1/135)

27 / 57
ع
En
A+
A-