فصل في دعاء عرفة
في دعاء عرفة، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن أكثر دعاء من كان قبلي من الأنبياء ودعائي يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا. اللهم اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري. اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وشر فتنة القبر، وشر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوايق الدهر ))، أخرجه البيهقي. ولم يزل صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء وابتهال وتضرع، وكان في دعائه رافعًا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين.
وروي عن علي عليه السلام من دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعرفة: (( اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول. اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، وإليك مآبي ولك ربي تراثي.))، أخرجه الترمذي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما من دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفي عليك شيء من أمري. أنا البائس الفقير، الخائف المستجير، الوجل المشفق، المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته، وذل لك خده، ورغم لك أنفه. اللهم لا تجعلني بدعائك شقيًا، وكن بي روؤفًا رحيمًا، يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين.)).
وعن علي عليه السلام أنه قال: (( لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلاً، وليس يوم أكثر عتقًا للرقاب من يوم عرفة، فأكثر فيه أن تقول: اللهم اعتق رقبتي من النار، وأوسع لي من الرزق الحلال، واصرف عني فسقة الجن والإنس، فإنه عامة ما أدعو به اليوم.)).(1/121)
فائدة: وندب الاغتسال يوم عرفة، فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي منسك الإمام زيد بن علي عليهما السلام: (( فإذا زالت الشمس يوم عرفة، فاغتسل...))، إلى قوله: (( وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والثناء على الله عز وجل، وصلّ على محمد وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، واستغفر لذنبك، وتخيّر لنفسك من الدعاء ما شئت، ولا تسأله مأثمًا. قال: وإن شئت جمعت بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ثم ائت الموقف، واستقبل البيت، فكبّر الله تعالى وهلّله واحمده، وصلّ على النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، واجتهد في الدعاء فإنه يوم مسألة، ولا تدع حاجة تريدها عاجلة ولا آجلة إلا دعوت الله بها، وليكن من قولك وأنت واقف: رب المشعر الحرام اغفر لي وارحمني. اللهم فك رقبتي من النار، وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس. وقف في مسيرة الجبل...))، إلى آخره. وفي الأمالي بسنده إلى جعفر الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام مثل ذلك.(1/122)
وقال الهادي إلى الحق عليه السلام: (( فإذا صلى الظهر والعصر ارتحل فوقف في أي عرفة شاء، ويحرص أن يدنو من موقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الجبال، فإن لم يقدر على ذلك الموضع لكثرة الزحام فيقف بأي عرفة شاء ما خلا بطن عرنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( عرفة كلها موقف ما خلا بطن عرنة )). قال: فإذا وقف ذكر الله سبحانه وتعالى على كل شأن شأنه، ويسبحه ويحمده ويخلص النية له، ويقول: اللهم أنت ربنا ورب آبائنا الأولين، إياك قصدنا، ولك استجبنا، وعليك توكلنا، وإياك رجونا، ومنك سألنا، فأعطنا سؤلنا، وتجاوز عن سيئاتنا، واهدِ قلوبنا، وثبّتنا على الهدى، وآتنا تقوانا، ولا تكلنا إلى أنفسنا، وتقبّل حجّنا، ولا تردنا خائبين، واقلبنا لثوابك مستوجبين، آمنين لعذابك، ناجين من سخطك يا إله السموات والأرضين. اللهم لك الحمد على نعمائك، ولك الحمد على آلائك، ولك الحمد على ما أوليتنا وأبليتنا وأعطيتنا، فأمتعنا بنعمائك، ولا تزل عنا ما عودتنا من فضلك، وآلائك يا إله العالمين. وتدعو بما أحببت من الدعاء سوى ذلك لنفسك ولوالديك، ويسأل الله ما أحب أن يسأله. قال: وإن حضره شيء فليتصدق على من يرى من الضعفة والمساكين...))، إلى آخره.(1/123)
فإذا زالت الشمس فينبغي أن تغتسل ثم تخطب إن كنت إمامًا أو نحوه أو تستمع الخطبة. ويفصل الخطيب بين كلامه بالتلبية ثلاثًا أو خمسا أو سبعًا، ويعرِّف الناس أعمال المناسك، ويجمع بين الظهر والعصر. والأَولى أن ترتحل بعد ذلك حتى تقف عند الصخرات بين الجبال، وتنوي الوقوف بعرفة للحج فذلك أحوط، وإن كانت نية الحج كافية كما سبق، وتتوجه إلى القبلة، وعليك بالتوبة والاستغفار وكثرة الأذكار وقراءة القرآن وتقول: (( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مائة مرة. وتكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له...))، إلى آخره كما سبق. وتقرأ ما تيسر من آيات القرآن، ولا سيما الفاتحة وعشر آيات من البقرة وآية الكرسي و ? لله ما في السموات وما في الأرض … ? إلى آخرها. وسورة يس وسورة الصمد والفلق والناس وأول الحديد وآخر الحشر، وتقول:(1/124)
(( اللهم إني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك، وارحم مسيري إليك، وحاجتي وبكائي وتوكلي عليك. اللهم رب المشعر الحرام، فكّ رقبتي من النار، وأدخلني برحمتك الجنة ووالديّ وما ولدا، وأوسِع عليّ رزقك، وادرأ عني شرّ فسقة الجن والإنس. اللهم إني أسألك بحولك وقوتك ومجدك وكرمك ومنّك وفضلك، يا أسمع السامعين، ويا أنظر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحمني وتغفر لي...))، وتذكر حوائج الدنيا والآخرة لك ولمن تريد وتقول: (( اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرّني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، هي فكاك رقبتي من النار. اللهم فأجرني من النار ووالديّ وما ولدا وإخواني المؤمنين والمؤمنات، يا جبار الأرضين والسموات. اللهم إني عبدك، ناصيتي بيدك، وأجلي بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني، وأن تسلم مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم، ودللت عليها صفيك محمدًا صلواتك عليهما وعلى آلهما الطاهرين. اللهم اجعلني ممن رضيت عمله، وأطلت في ذلك عمره، وأحييته حياة طيبة.(1/125)