الثالث: يندب للرجل دون المرأة والخنثى صعود الصفا والمروة في كل شوط، وإن كان على راحلة ألصق قدميها إذا أقبل، ورجليها إذا أدبر، ومن لم يصعد ألصق العقب بأصل ما يذهب منه، وأصابع رجليه بما يذهب إليه، فإن لم يفعل لزمه دم على المذهب لأنه تارك نسك. ولا درج الآن في الصفا والمروة، ومحل الصعود واضح. أما المرأة فالوقوف في أسافل الصفا والمروة أزكى لها ولو في خلوة، وقد استدل على عدم وجوب الصعود بقوله تعالى: ? فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ? ولم يذكر الصعود. قال القاضي زيد: (( ولا أعرف في هذه الجملة خلافًا.))، ذكره حافظ العترة الأمير الحسين عليه السلام في الشفاء.(1/101)


الرابع: الدعاء قد سبق في خبر جابر ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم فتعمله. فبعد صلاة الركعتين تستلم الحجر الأسود، ثم تخرج إلى الصفا وتقول: ? إن الصفا والمروة من شعائر الله ?، أبدأ بما بدأ الله به. وترقى إلى الصفا حتى ترى البيت وتستقبله وتقول: (( لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله ، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.)). ثم تدعو كما في الخبر أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مرات. وفي منسك الإمام زيد بن علي عليهما السلام: (( ثم استقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، واثبت عليه، فكّبر الله تعالى سبعًا وهلّل سبعًا واحمده سبعًا، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات، وصلِّ على النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وتخيّر لنفسك من الدعاء، واستغفر لذنبك، ثم انحدر من الصفا فإذا بلغت من الوادي حين تأخذ من الهبوط فاسعَ فيه حتى تجاوزه.)). قلت: وقد صار موضع السعي - والمراد به الرّمل - معلومًا بسلوك خضر. قال: (( وقل وأنت تسعى: اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم. ثم ائت المروة فاصعد عليها، واستقبل البيت، وادع الله تعالى وأثنِ عليه، وصلِّ على النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وقل كما قلت على الصفا...)) إلى آخره.
فائدة: الوقوف للدعاء على الصفا والمروة في الشوط الأول فقط، فإن كرره لزمه دم للتفريق على المذهب.(1/102)


وقال الباقر محمد بن علي عليهم السلام: (( ثم اخرج إلى الصفا، فاصعد عليه واستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فادعُ الله وأثنِ عليه، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتخيّر لنفسك من الدعاء، واستغفر لذنبك...)) إلى آخره. وقال الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام: (( ثم يخرج إلى الصفا من بين الأسطوانتين المكتوب فيهما، فليستقبل القبلة بوجهه، ثم ليقل: بسم الله، وبالله، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. وليقرأ الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي وآخر سورة الحشر، ثم ليقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. اللهم اغفر لي ذنبي، وتجاوز عن خطيئتي، ولا تردّني خائبًا يا أكرم الأكرمين واجعلني في الآخرة من الفائزين. ثم لينزل عن الصفا ويمضِ، حتى إذا كان عند الميل الأخضر المعلق في جدار المسجد هرول حتى يحاذي الميل المنصوب في أول السراجين، ثم يمشي حتى ينتهي إلى المروة ويقول في طريقه: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الله الأعز الأكرم، يردد هذا القول وغيره من الذكر الحسن حتى يفرغ من سعيه، فإذا انتهى إلى المروة فليرقَ عليها حتى يرى الكعبة، ثم ليدع بما دعا به على الصفا.))، انتهى.(1/103)


وقد روى في المهذب أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال بين الصفا والمروة: (( رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم.)). ذكره في تخريج البحر وفي التلخيص من طرق عدة صح وقفها في الدعاء عند السعي، رب اغفر وارحم بلفظ ما ذكره الإمام الهادي إلى الحق قال: (( وفي رواية: اللهم اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم.))، انتهى. وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه لاستقبال البيت، رواه في الشفاء. وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم علا الصفا حتى نظر إلى البيت ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو، أخرجه مسلم وأبو داود. وأخبار رفع اليدين عند مطلق الدعاء كثيرة، وخصوصًا على الصفا والمروة وفي عرفة، وهذا من مقامات الإجابة ومواطن ذكر الرحمن جل جلاله، وقد ذكرت ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة الهدى من أهل بيته الطاهرين عليهم السلام. وإن أحببت أن تدعو في السبعة الأشواط في السعي بما سبق في أشواط الطواف فخذها من هناك، وإلا فتخيّر لنفسك كما قال أئمة الهدى عليهم السلام. وقد خفف الله سبحانه فليس شيء من ذلك بواجب، قال الأمير الحسين عليه السلام في الشفاء : (( وقد أجمع أئمتنا عليهم السلام على أن الدعاء والرمل واستلام الأركان وركوب الراحلة حال الطواف غير واجب.))، انتهى. وقال القاضي زيد: (( ولا خلاف أن شيئًا من الأذكار والأدعية وسور القرآن في هذه البقاع الشريفة لا يتعين حتى لا يجوز غيره، فان ذلك ليس بواجب.))، انتهى. وإنما قال الأمير الحسين: (( وركوب الراحلة.))، لما روى جابر قال: (( طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة في حجة الوداع على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس، ويشرف ويسألوه فإن الناس غشوه.))، رواه في الشفاء وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. والمراد بالطواف بالبيت غير الطواف الأول حين قدم، لما صح في خبر جابر رضي الله عنه وغيره أنه صلى(1/104)


الله عليه وآله وسلم مشى فيه، وأما السعي فالمراد به بعضه كما أوضحه ابن عباس رضي الله عنهما. فعن أبي الطفيل قال: (( قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبًا أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة. قال: صدقوا وكذبوا، قلت: وما قولك صدقوا وكذبوا ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثروا عليه ركب، والمشي في السعي أفضل.))، أخرجه أحمد ومسلم. وقد أراد أنهم صدقوا في أنه ركب، وكذبوا في أنه سنة، وهذا من إطلاق الكذب على الخطأ في الرأي. وقد دل على أن الركوب للعذر ما سبق في رواية الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عليهم السلام، فإن كان به علة لا يقدر أن يمشي ركب.
الخامس : السعي، وهو الهرولة حسب الإمكان. يندب للرجل لا المرأة في بطن الوادي بين الميلين الأخضرين كما سبق في السبعة الأشواط. وقد غلط ابن حزم هنا غلطًا فاحشًا حيث قال ما لفظه: (( وطاف صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفا والمروة أيضًا سبعة راكبًا على بعيره يخبّ ثلاثًا ويمشي أربعًا. قال ابن القيم: وهذا من أوهامه وغلطه، فإن أحدًا لم يقل هذا قط غيره، ولا رواه أحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم البتة. قال: وسألت شيخنا عنه فقال: هذا من أغلاطه، وهو لم يحج... ))، الخ. وقد استدل على عدم وجوب السعي بقول ابن عمر: (( لئن سعيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسعى، ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي، وأنا شيخ كبير.))، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه.(1/105)

21 / 57
ع
En
A+
A-