عمل صالح )). ثم قال: (( لولا أن تغلبوا، لنزلت حتى أضع الحبل )) ))، يعني على عاتقه، أخرجه البخاري.
وفي بعض الروايات أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( اسقونا مما تسقون منه المسلمين ))، لما أرادوا أن يأتوا له بشراب من البيت. قال الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام: (( ثم يدخل إن أحب زمزم، فإن في ذلك بركة وخيًرا، فيشرب من مائها ويطلع في جوفها ويقول: اللهم إنك أظهرتها وسقيتها نبيك اسماعيل رحمة منك به يا جليل، وجعلت فيها من البركة ما أنت أهله، فأسألك أن تبارك لي فيما شربت منها، وتجعله لي دواء وشفاء ينفعني من كل داء، وتسلمني به من كل رداء، إنك سميع الدعاء، مستجيب من عبادك لمن تشاء.))، انتهى.
وعن ابن المبارك أنه استسقى شربة من زمزم، فشرب مستقبل الكعبة وقال: (( اللهم إن ابن أبي الموالى حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له، وهذه شربة لعطش يوم القيامة.)). وابن أبي الموالي: قال السيد صارم الدين: (( هو علامة الشيعة عبد الرحمن بن أبي الموالي، ضربه المنصور الدوانيقي ليدل على محمد بن عبد الله عليهما السلام فلم يفعل، روى عنه البخاري صلاة الاستخارة))، انتهى.
ويستحب أن يرش على رأسه وبدنه منه، قال في الجامع الكافي: (( وأما الغسل منها على جهة التبرك فلا بأس، فقد صب النبي صلى الله عليه وآله وسلم دلوًا من مائها.))، انتهى. وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما شرب صب على رأسه. وعن علي عليه السلام أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا بسجل من زمزم فشرب منه وتوضأ.(1/96)
ويجوز إخراج مائه إذ استهداه صلى الله عليه وآله وسلم، رواه البيهقي عن ابن عباس. وعن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم أرسل له وهو بالحديبية. وفي جامع الأصول عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر رجلاً من قريش في المدينة أن يأتيه بماء زمزم إلى الحديبية. وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمله، أخرجه الترمذي، أفاده في التخريج، والكلام في فضله وبركته كثير، وفي هذا كفاية.(1/97)
فصل في النسك الثالث: السعي بين الصفا والمروة
السعي بين الصفا والمروة قد سبق في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه جعفر الصادق عن أبيه الباقر عن جابر بن عبد الله رضوان الله وسلامه عليهم. ومن لفظه: (( حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمّل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: ? واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ?، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون. ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: ? إن الصفا والمروة من شعائر الله ?، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك. قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة.))
فائدة: أبدأ بصيغة المضارع للمتكلم المفرد، رواية مسلم، وبالنون رواية مالك وأحمد وغيرهما، وابدؤوا بصيغة الأمر في رواية للنسائي.(1/98)
مسألة: والسعي فرض عند العترة وأبي حنيفة بدليل فعله صلى الله عليه وآله وسلم مع قوله: (( خذوا عني مناسككم ))، وهو بيان لمجمل قوله تعالى: ? ولله على الناس حج البيت ?، وليس ركنًا. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا ))، أخرجه المؤيد بالله وشارح الأحكام وأحمد والشافعي، وفي معناه خبر آخر، وفي صحتهما مقال. وروي: (( ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة.))، أخرجه مسلم، والحجة ما سبق. وعند مالك وأحمد والشافعي أنه ركن، واستدلوا بالخبر السابق وهو لا يفيد غير الوجوب. واحتج في شرح التجريد والبحر على أنه غير ركن بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج عرفات ))، وسيأتي إن شاء الله. ولا يصح السعي إلا بعد الطواف أو أكثره عند الأكثر، وخالف عطاء وبعض المحدثين.
وفعله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على وجوب الترتيب، ونقل الإجماع على ذلك، فإن لم يرتب فدم لترك السعي ولو بعذر بعد اللحوق بأهله، فإن أعاده فلا دم.
فائدة: من فرّق الطواف ثم سعى ثم أعاد الطواف لزمه إعادة السعي، وإلا فدم متى لحق بأهله.
وهو سبعة أشواط متوالية، وحده أن لا يعد متراخيًا، يبدأ من الصفا وجوبًا، وهو منها إلى المروة شوط، وذلك لفعله صلى الله عليه وآله وسلم. وروى الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: (( يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، فإن انتهى إلى بطن الوادي سعى حتى يجاوزه، فإن كان به علة لا يقدر أن يمشي ركب.))، انتهى. وفي البحر عن الصيرفي وابن خيران وابن جريج أن السعي أربعة عشر مرة، لأنهم يجعلون الذهاب والرجوع مرة، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وآله وسلم ختم بالمروة ولو كان كما قالوا لختم بالصفا.
وحكمه في النقص والتفريق ما سبق في الطواف، وقد حكي الإجماع على وجوب التسبيع. والعجب من العلامة الجلال حيث قال في ضوء النهار: (( التصريح بالتسبيع لم نقف عليه في حديث.))، انتهى.(1/99)
وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أنه قال: (( قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فطاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، فطاف بين الصفا والمروة سبعًا وغير ذلك.)).
فرع: ولا وقت للسعي بل هو بعد طواف القدوم.
مسألة: ندب في السعي خمسة أمور:
الأول: الطهارة كطهارة المصلي ولو بالتراب، حيث هو فرضه، فإن تعذر فعلى الحالة.
فائدة: لا تجب الطهارة في جميع المناسك غير الطواف وركعتيه، لما رواه الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال في الحائض: (( أنها تُعَرِّف وتنسك مع الناس المناسك كلها، وتأتي المشعر الحرام، وترمي الجمار، وتسعى بين الصفا والمروة، ولا تطوف بالبيت حتى تطهر.)). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعائشة لما حاضت: (( فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي ))، أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي واللفظ له. وفي رواية للنسائي: (( تصنع ما يصنع الحاج غير أن لا تطوف بالبيت.))، والأخبار في هذا كثيرة. وقد ورد في بعضها: (( غير ألا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة.))، ولم يصح مع أنه يمكن حمله على من لم تكن قد طافت بالبيت للجمع بين الأخبار، فيكون من أدلة الترتيب، هذا ولا دليل في الأخبار السابقة على عدم الترتيب بين الطواف والسعي لإمكان حمله على أن الحيض أتاها بعد الطواف، ومع الاحتمال فلا استدلال، وغايته أن يكون خاصًا بالحائض كما ذكره في الياقوتة وألحق بها المعذور. ومما يقوي الحمل المذكور ما في الجامع عن محمد: (( والحائض تقضي المناسك كلها ما عدا الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، إلا أن يكون أدركها الحيض بعدما طافت بالبيت وصلت ركعتين، فلا بأس أن تسعى بين الصفا والمروة وهي حائض. وروي ذلك عن عطاء والحسن وإبراهيم.))، انتهى.
الثاني: أن يلي الطواف بلا تراخٍ إلا لعذر.(1/100)