فيقول العبد المفتقر إلى ربه الملك المقتدر مجد الدين بن محمد بن منصور الحسنيُّ المؤيدي - غفر الله لهم وللمؤمنين - أنه كثر الطلب من جماعات من العلماء العاملين والإخوان المؤمنين لتأليف كتابٍ جامع في مذاهب أئمة العترة، مع الإشارة حسب الإمكان إلى مذاهب سائر علماء الأمة. والمعلوم أن المناسك كثيرة الأعداد، لكنهم لم يجدوا ما هو وافٍ بالمراد، وما زالت الأسئلة تتوارد في كل عام ييسر الله سبحانه فيه الحج والاعتمار إلى حرم الله عز وجل والوصول إلى حرم رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. والله أسأل وبجلاله أتوسل أن يرزقنا اتّباع هديه، واقتفاء آثاره، واقتباس أنواره، والفوز بشفاعته ومرافقته، فاستخرت الله تعالى وترجّح الإسعاد وسيكون إن شاء الله تعالى على طريقة الإيجاز، مع استكمال المراد وذكر المختار، مؤيدًا بالدليل فيما اختلفت فيه الأقاويل، وما أطلقته فهو المذهب المقرر. وأستغني بذلك عن العلامة المعروفة للتقرير، وقد كان افتتاح التأليف بالحرم الشريف ولله المنة، سائلاً منه جلَّ شأنه التوفيق إلى منهج الكتاب والسنة، ودفع كل فتنة، وكشف كل محنة، إنه قريب مجيب. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
.(1/6)


حقيقة الحج لغةً وشرعاً
الحجُّ لغةً: في الأصل القصدُ، والغلبةُ بالحجةِ وكثرةُ الاختلافِ والترددِ، وفي العرف: قصدُ مكةَ المشرفةِ للنسكِ، وبالكسر الاسمُ، وهو في الشرع: عبادة مختصة بالبيت الحرام؛ تحريمها الإحرام، وتحليلها الرمي وطواف الزيارة والهدي، أو الصوم أو العمرة للمحصر ونحوها من المحللات، كما يأتي ذلك مفصلاً إن شاء الله.(1/7)


فصل في التخلص من الحقوق
يجب على كل مكلف التخلص من حقوق الله تعالى وحقوق عباده حسب الإمكان، وتقديم الأهم فالأهم وخصوصاً القاصد للدخول في وفد الله وضيافته ليكون مقبولاً وحجه مبرورًا، ولا يغترّ بالأماني الفارغة فإن الله عز سلطانه يقول: ? إنما يتقبل الله من المتقين ?، ويقول: ? ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ? رزقنا الله تعالى تقواه ووفقنا لما يحبه ويرضاه.(1/8)


العمل عند الخروج
في العمل عند الخروج من المنزل؛ روى محمد بن منصور رضي الله عنه بإسناده عن علي عليه السلام قال: ((مِن السنّة إذا أراد الرجل أن يسافر، صلى في بيته ركعتين قبل أن يخرج، وإذا قدم صلى.)) قال: (( فإذا توجهت فقل: بسم الله، وفي سبيل الله، وما شاء الله لا قوة إلا بالله على ما أستقبل من سفري هذا.)) انتهى. وأخرج أحمد بن حنبل عن علي عليه السلام قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد سفرًا قال: اللهم بك أصول وبك أجول وبك أسير.)).(1/9)


وأخرج الطبراني في الكبير عن فضالة بن عبيد قال: ((كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل منزلاً في سفر أو دخل بيته لم يجلس حتى يركع ركعتين.)). وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول إذا سافر: ((اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل وأنت الحامل على الظهر وأنت المستعان على الأمر. اللهم أحسن لنا الصحابة واطوِ لنا الأرض وسهّل لنا الطريق وهوّن علينا السير.)). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا وضع رجله في الغرز وهو يريد السفر قال: ((بسم الله، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم اطوِ لنا الأرض وهوّن علينا السفر. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في الأهل والمال.)). رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام. وروى محمد بن منصور بسند صحيح عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال حين وضع رجله في الغُرز: ((بسم الله )) فلما استوى على الدابة قال: ((الحمد لله الذي كرّمنا، وحملنا في البر والبحر، ورزقنا من الطيبات، وفضّلنا على كثير ممن خلق تفضيلا. سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون.)). وقال: (( رب اغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.)). ومما صحّ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، قال لما توجّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فاستوى على راحلته قال: (( اللهم هذه حمولتك والوجه إليك والسعي إليك وقد اطّلعت مني على ما لم يطّلع عليه أحد من خلقك. اللهم اجعل سفري هذا كفارة لما كان قبله، واقضِ عني ما افترضت علي فيه، وكن عونًا لي على ما شقّ علي فيه.)).
قلت: والركوب على الطائرة والسيارة أشبه بركوب الفُلْك فيقال فيها : ?بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ?؛ مع هذه الأدعية وغيرها والقصد الإشارة.(1/10)

2 / 57
ع
En
A+
A-