ومتى وصلت إلى المستجار، فألصق خدك وبطنك به وقل: اللهم من قِبَلِك الروح والفرج والعفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك، أستجير بالله من النار. اللهم رب البيت العتيق، صل على محمد وآله، والطف بي في الدنيا والدين يا رب العالمين. اللهم هذا مقام من أساء واقترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي اجترم، هذا مكان المستغيث المستجير من النار، مكان من لا يدفع عن نفسه سوءًا، ولا يجر إليها نفعًا، هذا مقام من لاذ ببيتك الحرام راغبًا راهبًا، أستعيذ بك من عذاب يوم لا تنفع فيه شفاعة الشافعين إلا من أتى الله بقلب سليم. اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، وسلّمني من هول ذلك اليوم يا أرحم الراحمين. رب إن البيت بيتك والعبد عبدك، فاجعل قِراي مغفرتك، وهب لي ما بيني وبينك، وأرضِ عني خلقك، واغفر لي ولوالدي برحمتك يا أرحم الراحمين، وصل الله على محمد وآل محمد.
وتستلم الركن اليماني وتلتزمه، وتسأل الله سبحانه قضاء الحوايج، وتكثر التضرع إلى الله تعالى.
وتستلم الحجر الأسود، وتقول عنده مثلما قلت في أول شوط.(1/86)
وعند الملتزم، وهو ما بين الباب والركن، تلتصق بالبيت، وتضع خدك الأيمن عليه، وتبسط ذراعيك وكفيك عليه، وتقول: يا رب البيت العتيق، اعتق رقبتي من النار، وأعذني من الشيطان الرجيم، وامنعني من كل سوء، ومتعني بما رزقتني، وبارك لي فيما أعطيتني. اللهم إن البيت بيتك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، فأعذني من عذابك ووالدي وما ولدا. اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك. اللهم أعتق رقبتي ورقاب آبائي وأمهاتي وأولادي وإخواني من النار يا ذا الجود والكرم والفضل والمن والعطاء والإحسان. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم إني عبدك وابن عبديك، واقف تحت بابك، ملتزم بأعتابك، متذلل بين يديك، أرجو رحمتك وأخشى عذابك. اللهم إن لكل وافد قِرى، وقد وفدت إليك وأنت رب العالمين وأكرم الأكرمين، فاجعل قِراي رضاك والجنة لي ولوالدي. اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك. اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم. اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري، وتضع وزري، وتصلح أمري، وتطهر قلبي، وتنور لي في قبري، وتغفر لي ذنبي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة. اللهم انصر الحق وأهله، واخذل الباطل وحزبه، وأيّد شريعة سيد المرسلين صلواتك وسلامك عليهم أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأهلك المفسدين، والطف بعبادك المؤمنين، آمين رب العالمين.(1/87)
قال الإمام الهادي إلى الحق: (( فإذا فرغ من السبعة الأشواط، وقف بين الحجر الأسود والباب، ثم دعا وقال: اللهم أنت الحق، وأنت الإله الذي لا إله غيرك، إياك نعبد، وإياك نستعين، وأنت ولينا في الدنيا والآخرة، فاغفر لنا ذنوبنا، وتجاوز عن سيئاتنا، وتقبل سعينا، ويسّر لنا ما تعسر علينا من أمورنا، ووفقنا لطاعتك، واجعلنا من أوليائك الفائزين يا رب العالمين.)). هذا وادع الله جل جلاله بما حضرك في جميع هذه المقامات الشريفة، ولا تتكلم بغير ذكر الله سبحانه حال طوافك، وأحضر قلبك في جميع أذكارك وأفعالك.(1/88)
فصل في آداب الطواف
وهذا كله بحسب الإمكان مع السكينة والوقار، وتجنب الزحام والأضرار والبعد عن الأجنبيات، كما أن عليهن ألا يزاحمن الأجانب، وأن يبتعدن عن مخالطة الرجال في جميع الأعمال فذلك أفضل وأطيب وأطهر، فقد تنقلب الطاعة عصيانًا، والقربة بعدًا وحرمانًا، نعوذ بالله تعالى من غضبه، ونسأله التوفيق لرضاه، والأعمال بالنيات، وإذا كان القصد إبلاغ الجهد في الطاعة، وفعلها على أكمل وجه، ولم يمنعه إلا المانع الشرعي والحاجز الديني والأمر الإلهي، فسينال صاحبه بفضل الله أقصى الغايات وأعلى الدرجات. وقد نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن المزاحمة، واكتفى بالإشارة في الاستلام عند الزحام، وأمر أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليها أن تطوف خلف الناس متى قاموا لصلاة الفجر، ولعلنا نذكر ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى. ?لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ?.(1/89)
حكم الشك في الطواف:
فائدة: من شك قبل الفراغ من الطواف أو السعي، لا بعده، فلا حكم له في شوط أو أكثر. فقال الإمام أبو طالب، وهو المقرر للمذهب: (( إن الشوط كالركن في الصلاة، فيعمل فيه بظنه المبتدأ والمبتلى، فإن لم يحصل له ظن بنى على الأقل. والطواف كالركعة، والحج كالصلاة.)).
وروي عن المنصور بالله أنه يجب العمل هنا باليقين، لأن الزيادة غير مفسدة وهو الراجح. والمختار البناء على اليقين من غير فرق بين الشوط والطواف والركن والركعة، لما رواه زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام: في الرجل يهم في الصلاة فلا يدري أصلى ثلاثًا أم أربعًا فليتم على الثلاث، فإن الله لا يعذب بما زاد من الصلاة. وفي خبر أبي سعيد الخدري، عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( فليبنِ على اليقين وليلقِ الشك ))، أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما. وما في بعض الأخبار من الأمر بالتحري فمحمول على من لا يستطيع البناء على اليقين، بل يتسلسل عليه ذلك كما هو معروف من حال من غلبت عليهم الأوهام والشكوك، والأخبار واردة في الصلاة، ولكن الطواف بالأولى، إذ لا فساد في الزيادة فيه كما ذكر، والله سبحانه ولي التوفيق.
مسألة: يكره الطواف والصلاة في الوقت المكروه كراهة تنزيه على المذهب. وفي الانتصار عن العترة عدم الإجزاء في الأوقات الثلاثة. قيل: والكراهة لأجل الصلاة عقيب الطواف، فلو صادف فراغه من الطواف خروج الوقت فلا كراهة. وعند الإمام المنصور بالله والأمير الحسين والشافعي رضي الله عنهم: لا كراهة، لخبر جبير بن مطعم، وسيأتي الكلام عليه.(1/90)