مسألة: ولو قلع شجرة من الحل وغرسها في الحرم حرمت، خلاف الشافعي. ولو غُرست شجرة الحرم في الحل فحرمته باقية، خلاف الشافعي، هذا إن لم تفسد، فإن فسدت فلا حرمة لها. فلو أخرج السيل الأشجار إلى خارج الحرم، جاز قطعها كالصيد إذا خرج بنفسه، بخلاف ما لو أخرجها الغير لتعديه.
فائدة: إذا كان الشجر مملوكًا، فاللازم للآدمي الأرش، وللحرم جميع القيمة، لأن بقطعه لها أخرجها إلى الإباحة فأشبه إتلافها.
مسألة: ويجب الرد والإصلاح والحفظ إن أمكن، وإلا غرسها حيث هو والحرمة باقية. وأما الطير فلا يجب إيصاله الحرم كما سبق، وتسقط قيمة الشجرة بالإصلاح. وأما إذا زال ريش الصيد ومانه حتى صلح ريشه وأرسله، فلا يسقط الأرش.
مسألة: ضمان القيمة في شجر الحرم هو المذهب، وهو قول الأكثر. وعند الإمام زيد بن علي والناصر وأبي طالب ومالك أنه لا يضمن وإن كان محرمًا، وهو قوي.
فائدة: الفرق بين الحرمين أنه يحرم بيع حرم مكة عند من حرمه وهو المذهب، لا حرم المدينة المطهرة. وبهذا تم الكلام على النسك الأول.(1/61)


فصل في النسك الثاني: طواف القدوم
طواف القدوم هو واجب عند العترة ومالك وبعض أصحاب الشافعي وغيرهم لقوله تعالى: ? وليطّوّفوا… ? الآية، ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (( خذوا عني مناسككم ))، كذا في البحر.
قلت: ولا يتم الاستدلال به. أما الآية فهي في طواف الزيارة، وأما فعله صلى الله عليه وآله وسلم فالصحيح أنه كان قارنًا. والأولى الاحتجاج برواية جابر، وفيه: (( وأهللت معه بالحج خالصًا حتى قدمنا مكة، فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة.)) أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد، وقال: (( ولا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في وجوبه.))، انتهى. وقال علي عليه السلام: (( أول مناسك الحج أول ما يدخل، يأتي الكعبة... )) إلى قوله: ((ويطوف.))، وإجماع العترة. وسنة عند أبي حنيفة وعند الشافعي كتحية المسجد، فإذا أخّره لم يلزم شيء عنده.
فائدة: لا يصح طواف القدوم إلا بعد الإحرام ولو قد حل، ولا وقت له ولو قبل أشهر الحج أو بعدها.(1/62)


فصل في فروض الطواف
فروض الطواف عشرة:
الأول: النية للطواف المستقل كالمنذور به. فأما طواف الحج والعمرة فتكفي نيتها كغيره من المناسك كما سبق على المذهب، والأحوط استحضارها عند كل نسك.
الثاني: الطهارة من الحدث، وهي واجبة في كل طواف، وليست شرطًا إلا عند مالك والشافعي، وتكون كطهارة المصلي ولو بالتيمم حيث هو فرضه، لفعله صلى الله عليه وآله وسلم إذ توضأ كما سبق، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( خذوا عني مناسككم ))، والظاهر الوجوب في جميع أعماله الخاصة بالحج، إلا ما خصه الدليل. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الطواف بالبيت صلاة ))، أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد عن ابن أبي شيبة بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه الترمذي عنه بلفظ: (( مثل الصلاة.)). فإن لم يجد ماء ولا ترابًا طاف على الحالة، ويلزمه دم على المذهب. ويلزم عادم الماء التلوم في طواف الزيارة إلى آخر أيام التشريق لأن له وقتًا معلومًا. ومن طاف على غير طهارة أعاد إن لم يلحق بأهله، أي ميل وطنه، ولو من أهل المواقيت، ومن لا وطن له يجب عليه العود مطلقًا، ومن له وطنان فبالأقرب منهما. وقال المنصور بالله عليه السلام: لا يجب الرجوع للإعادة على من خرج من الميقات، فإن لحق بأهله ولم يعد الطواف فشاة ولو قارنًا، عن الطهارة الكبرى أو الصغرى في طواف القدوم والوداع والعمرة. وقيل: لا يلزم عن الصغرى إلا صدقة، أما طواف الزيارة فبدنة عن الكبرى وشاة عن الصغرى. وعند الإمام زيد بن علي والناصر عليهم السلام شاة عنهما.(1/63)


فائدة: المذهب أنه إن كان قد طاف طواف القدوم أو الوداع متطهرًا فلا ينقلب عن الزيارة فتسقط البدنة إذ قد لزمت بنفس الطواف، ولأنه هنا قد فعل وهناك لم يفعل، أفاده المفتي، ولا بدل لهذا الدم. وعند الشيخ عطية راويًا له عن المذهب أنه يجب عدلهما مرتبًا، فمن لم يجد الشاة صام عشرة أيام، فإن لم يستطع أطعم عشرة مساكين، ومن لم يجد البدنة صام مائة يوم، فإن لم يستطع أطعم مائة مسكين.
فرع: يجب أن يعيد طواف الزيارة من عاد إلى مكة، وإن كان قد أخرج الكفارة، وإن لم، لم يلزمه إلا ما قد لزمه. وأما طواف القدوم والوداع فلا يجب، بل يستحب ولو لم يكن قد كفّر، إلا أن الكفارة لازمة له إن لم يعد، فإن أعاد طواف الزيارة أو غيره من الطوافات قبل أن يكفّر سقطت الكفارة، ويلزم دم لتأخير طواف الزيارة. وقال الفقيه علي: لا يلزم.
فائدة: من طاف الزيارة وهو محدث وعاد قبل اللحوق بأهله لم يلزمه إحرام، بخلاف طواف القدوم والوداع، فيحرم بعمرة على المذهب؛ وإن أعاد بعد اللحوق لزمه الإحرام سواء للزيارة أم لغيره، والمختار أنه لا يلزمه مطلقًا.
فائدة: لو أعاده بعد عوده جنبًا أو محدثًا لم يلزمه شيء على المذهب.
فائدة: من وطىء قبل القضاء وقد طاف جنبًا أو نحوه، فلا شيء عليه لأنه قد حل به وإن قضاه، لأنه إنما تجدد عليه الخطاب، هذا هو المذهب. وقيل: إن الكفارة تلزمه إن أعاد، وإن الحيلة في سقوطها أن لا يعيد، وهو غير صحيح، ولا يجوز له الوطء حتى يلحق.
مسألة: من ترك ثلاثة أشواط لم يلزمه إلا صدقات كما سيأتي. وأما لو طاف ثلاثة أشواط محدثًا لزمه دم، وتتعدد الدماء بتعدد الطوافات، كطواف القدوم وطواف الوداع.
فائدة: لو طاف وهو محدث الحدث الأصغر ثم تذكر فأمنى وهو يطوف، فقيل: يلزمه بدنتان، للإمناء، ولكونه طاف جنبًا، وشاة للأصغر. والمذهب لا يلزمه إلا بدنة لأنه طاف محدثًا حدثًا أكبر في الزيارة، ويدخل الأصغر تحت الأكبر ولا شيء في المقدمات.(1/64)


فرع: لو مات قبل اللحوق لزمته الوصية بطواف الزيارة، ويلزمه دم التأخير على المذهب.
الثالث: اللباس، لقوله تعالى: ? خذوا زينتكم عند كل مسجد ?، ولخبر: (( ولا يطوف بالبيت عريان.))، والتعري كالحدث الأصغر وحده ما تفسد به الصلاة، فمن طاف أي طواف عاريًا لزمته شاة، ولا تتكرر بتكرر كشف العورة.
فرع: فمن طاف عارياً محدثاً لزمه دمان على المذهب، وقيل دم واحد. فلو لم يجد ستًرا هل يكون عذرًا له ؟ قيل: يجزيه، ويلزمه دم كسائر المناسك.
مسألة: ولا تجب طهارة اللباس والمكان والبدن، وادعى في شرح الإبانة الإجماع على أنه من طاف بثوب متنجس فهو كالمحدث.
الرابع: جعل البيت على يساره، وهو شرط عند الأكثر. قال في البحر: (( ولا خلاف إلا عن محمد بن داود الأصفهاني، وأنكروا عليه وهمّوا بقتله.))، انتهى. وخالف إبراهيم بن محمد الحجلم من المطرفيه.
الخامس: الابتداء بالحجر الأسود، وقد ذكروا أنه مندوب على المذهب، والمختار أنه فرض كما هو قول الإمام يحيى والشافعي، لفعله صلى الله عليه وآله وسلم مع قوله: (( خذوا عني مناسككم )). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (( فإذا انتهى إلى الحجر الأسود فذلك شوط، فليطف كذلك سبع مرات.)). ونص عليه الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام بقوله: (( ويكون ابتداؤه من الحجر الأسود.)). وفي شرح التجريد: (( ولا خلاف أن الطواف يبدأ من الحجر الأسود إلى جانب الباب ثم الحجر، وعلى ذلك فعل السلف والخلف.))، انتهى.
السادس: كونه داخل المسجد، كما يفيده قوله تعالى: ? وليطّوفوا بالبيت العتيق ? والباء للإلصاق، وبيّنه بفعله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان يجزي من خارجه لأمر الحائض به، إذ ليس المانع الواضح إلا دخول المسجد، وهو الذي عليه السلف والخلف، قالوا: ولو على سطوحه.(1/65)

13 / 57
ع
En
A+
A-