علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن عوف والعترة وغيرهم، ومن أعان بإشارة أو آلة لزمه الجزاء. الشافعي ومالك: ليس بقاتل. قلنا: ألحق السلف حكمه به. أبو طالب: إن لم يمكن قتله إلا بفعل المعين، فعلى كل واحد جزاء إذ هو كالمباشر، وإلا فعلى المباشر إذ لا تأثير للإعانة. قلنا: لم يفصل الدليل. عطاء ومجاهد وأحمد وحماد: على المحرمين جزاء واحد كما لو قتلا نفسًا، ثم على المحرم إذ هو الموجب. لنا: ما سيأتي.
مسألة: وعند العترة وأبي حنيفة ومالك: يتعدد الجزاء على المشتركين لعموم ? ومن قتله ?. وفي شرح الأحكام بسنده إلى علي عليه السلام أنه كان يقول في النفر يصيبون الصيد وهم محرمون: (( فعلى كل واحد جزاؤه كاملاً.))، وعند عطاء والشافعي جزاء واحد.
مسألة: العائد كالمبتدىء في وجوب الجزاء عند الأكثر، خلاف الإمامية وداود. وقالوا: قال الله تعالى: ? ومن عاد فينتقم الله منه ?، ولم يذكر الجزاء. قلنا: اكتفى بذكره أولاً كقوله تعالى: ? ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم… ? الآية، ولم يذكر قودًا ولا دية.
فائدة: المملوك من الصيد وغيره، والمأكول وغيره سواء في لزوم الجزاء.
تنبيه: اجتماع الجزاء والفدية والقيمة: قد يجتمع الجزاء والفدية والقيمة في شيء واحد؛ فالجزاء لقتل الصيد، والفدية لأكل لحمه، والقيمة إن كان من الحرم. وتجب الفدية على المحرم فيما أكل من الصيد، سواء ذبحه هو أو غيره. وما قتله المحرم في الحرم وليس له مثل وجب قيمتان للجزاء وللحرم. ولا صوم في القيمة التي لزمت للحرم، فإن كان قارنًا وقتل صيدًا في الحرم وأكل منه قبل سعي العمرة لزمه جزاءان وفديتان وقيمة.
فرع: وإن غمر الجراد الطريق ولم يمكن المحرم السير إلا عليه، فإنه يضمن قيمة ما قتل، ويعمل بظنه في القدر.(1/56)


مسألة: ويخرج الصيد وفوائده عن ملك المحرم حتى يحل، فلو أخذه غير المحرم قبل أن يحل مالكه جاز، فإن حل مالكه قبل أن يتلفه حسًا لا حكمًا، رجع إلى ملكه لأن له فيه حقًا. وعند أبي حنيفة والشافعي: (( لا يخرج عن ملكه إن كان في منزله.)). وعند الشيخ محيي الدين النجراني أنه لا يجوز أخذه مع أنه يوافق في زوال ملكه عنه. هذا ولا يجوز للمحرم إمساكه بعد الإحرام، فإن تلف بعد التمكن لزمه الجزاء.
مسألة: فإن أخذ المحرم صيدًا لزمه رده ورد ما حدث معه من بيض وأولاد إلى موضعه، سواء كان في الحرم أم في الحل، إلا الطير فالهواء حِرز له فيرسله، إلاَّ حيث معه بيض فيحمله وبيضه. وإن مات شيء من أولاده لزمه الجزاء ولو كان بعد إحلاله، وأما الحليب فهو حلال للمحرم كما مرّ.
مسألة: العترة والحنفية: وإذا ذبح المحرم صيدًا فميتة، ولذا سماه تعالى قتلاً، خلاف الشافعي في أحد القولين، بخلاف بيض الصيد، فلا يكون نجسًا إذا كسره المحرم، ولا يحرم على الحلال إذ التذكية غير شرط فيه.
مسألة: والمضطر المحرم يقدم الميتة على صيد الحرم، إذ يَحْرُم من وجهين: كونه ميتة ولحم صيد. الإمام يحيى وأبو يوسف: (( تحريم الميتة مؤبد ضروري مجمع عليه وهذا عكسه.)). قال الإمام المهدي: (( التحريم من جهتين أغلظ.))، وإن اضطر حلال خُيِّر عند الهادي وأبي حنيفة، وعند الإمام يحيى وأبي يوسف: بل الصيد.(1/57)


فصل في ما لزم العبد
وما لزم العبد من جزاء أو كفارة أو فدية أو هدي تمتع أو قِران، فإن كان مأذونًا له بالإحرام ونسي إحرامه أو اضطر فعلى سيده، فيخير إما أهدى عنه، أو أطعم، أو أمره بالصوم. وإن لم يؤذن له، أو ارتكب المحظور غير ناسٍ ولا مضطر ولو جاهلا،ً ففي ذمته ما كان من محظورات الإحرام. وأما محظورات الحرم ففي رقبته يسلمه، وإلا فداه بالغًا ما بلغ. فلو أخرج عنه السيد ما في ذمته لم يجزه، وللسيد منعه من الصوم، ولا يجزيه إلا بإذنه، فلو أذن له أحد السيدين بالإحرام فعلى الآذن بالغًا ما بلغ لأنه جناية.
فائدة: لو أوجب عند الأول بإذنه، وأحرم عند الثاني، فما لزمه لعذر فعلى الأول.
مسألة: ولا شيء على الصغير والمجنون من وقت إحرامه من محظورات الإحرام لأنه غير مكلف وليس بجناية، ويجب على الولي حمايته عن المحظورات تمرينًا.(1/58)


فصل في تحريم صيد الحرم
ويحرم صيد حرم مكة المشرفة إجماعًا.
قلت: ومستند الإجماع الأخبار الواردة في تحريم مكة، فيدل ذلك على أنها قد تطلق على الحرم كله، فلا يرد ما قاله في ضوء النهار من أنه لا دليل على غير ما شمله اسم مكة، وما قرره الأمير في المنحة.
نعم، وكذا حرم المدينة المطهرة، خلافًا للإمام زيد بن علي والناصر وأبي حنيفة. وعن الشافعي: يكره.
وقد سبق ذكر حدود الحرمين، والمقصود ما وجد فيهما من الصيد ولو لم يكن حالاً، وسواء ما يؤكل وما لا يؤكل إذا كان مأمون الضرر، وغير مستثنى كما مر، ويضمن هنا العمد والخطأ.
مسألة: ويُضمن بالقيمة عند العترة وأبي حنيفة، وعند الشافعي ومالك فيه الجزاء ويرجع إلى تقويم عدلين، فيخير بين أن يهدي بها، أو يطعم، ولا صيام هنا. وعند الشافعي ومالك: أو يصوم.
مسألة: وتصرف قيمة صيد الحرمين وشجرهما في حرم مكة.
مسألة: لا يشترط أن يكون الهدي هنا بسن الأضحية.
مسألة: وعلى المحرم جزاء وقيمة عند الإمام زيد والهادي والناصر وقول للشافعي. وعند أبي حنيفة وقول للشافعي يتداخلان.
مسألة: عند الإمام يحيى والأستاذ أن على الجماعة قيمة واحدة، والمذهب أنها تكرر.
مسألة: والعبرة بموضع الإصابة لا بموضع الموت، فلو رمى صيدًا في الحل فمات في الحرم فلا شيء فيه إلا الجزاء إن كان محرمًا، وفي العكس يلزمه القيمة والجزاء إن كان محرمًا، والفدية أيضًا إن أكل. والصيد في الصورة الأولى حرام إن مات بالسراية لا بالمباشرة فيحل، وفي الصورة الثانية حرام. ومن رمى من الحل إلى الحرم ضمن اعتبارًا بالإصابة. وفي العكس وجهان: يضمن اعتبارًا بالفعل في الحرم، وقوّاه الإمام يحيى عليه السلام؛ ولا يضمن، واختاره للمذهب كمن رمى من الحل إلى الحل مخترقًا للحرم. ولو أخرج شخص الصيد إلى الحل فقتله شخص آخر، تعددت القيمة عليهما.(1/59)


مسألة: والعبرة فيمن يصيد بالكلاب القتل أو الطرد في الحرم، وإن خرج الكلب والصيد من الحرم وقتله في الحل، أو استرسلا من خارجه حتى أدخله الحرم لزمت القيمة، ولو ظفر به في الحل بعد أن أدخله الحرم. فلو لم يقع منه إرسال الكلب ولا زجر ضمن إن كان عقورًا، أو فرط في الحفظ حيث يجب.
مسألة: ويحرم قطع الشجر من الحرمين بخمسة شروط:
الأول: أن يكون أخضر، لا اليابس على وجه لا يعود أخضر. وأما الحشيش الذي يكون بين الزرع، وما يزال من العنب، وما يمنع الزرع، وما يمنع الطريق، فيجوز قطعه، واستدل بالإجماع على قطع اليابس.
الثاني: أن يكون غير مؤذٍ. أما المؤذي كالعوسج فيجوز قياسًا على الفواسق ولو في غير الطريق. وما كان في الطريق جاز وإن لم يكن فيه شوك.
الثالث: أن لا يكون مستثنى كالإذخر، بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة، نبت طيب الريح له قضبان دقاق.
الرابع: أن يكون أصله نابتًا فيهما.
الخامس: أن يكون مما نبت بنفسه أو غرس ليبقى سنة فصاعدًا، كالعنب وعروق القضب، فإذا بلغ حد القطع جاز في كل شيء وخرج بذلك الزرع، ولو نبت بنفسه ونحوه كالثوم والبصل والدباء ونحوها. وقال أبو حنيفة: يجوز قطع ما ينبته الناس سواء كان شجرًا أَم زرعًا.
فائدة: قال في الكافي: (( فأما ما تأكله الدابة حال سيرها فلا شيء فيه بالإجماع.))، انتهى. من النجري لأنه يتعذر الاحتراز منه، ذكره في الكافي.
قلت: حكاه في البحر عن الشافعي، وقوّاه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إلا رعي الدواب ))، وهي زيادة في بعض الأخبار ولا يختلى خلاها. وفي الانتصار روي أن ابن عمر رعى حماره في الحرم، فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكر عليه ولا نهاه. أفاده في التخريج. قلت: إن صح هذا الخبر أو الزيادة السابقة، فلا كلام في جوازه، وكذا إن ثبت الإجماع، وإلا فالأصل التحريم مع العمد والضمان مطلقًا، وهو المذهب.
وما قلعه السيل ويبس جاز.(1/60)

12 / 57
ع
En
A+
A-