القسم الأول: يستوي فيه العمد والخطأ في اللزوم، وهو قتل القَمْل - بسكون الميم لا بتشديدها فيجوز - وسواء كان منه أو من محرم غيره، ولو من ميّت محرم لا من حلال فيجوز، وسواء قتله في موضعه أو غير موضعه، أو طرحه فيموت، وكذا بيضه، وهو السخب، فلو سقط بغير اختياره لم يجب رده، ويجوز تحويله من موضع إلى موضع مثله أو أعلى منه، ولا يجوز نقله إلى غيره ولو رضي، وله إلقاء الثوب، ويتصدق بقدر ما غلب في ظنه، وإذا دفن الميت المحرم وفيه قمل لزمت من ماله.
فائدة: الواجب في القملة الواحدة أو النحلة أو النملة كالشعرة إذا أزيلت، صدقة ملء الكف أو تمرة.
مسألة: من لزمه عشرة دماء أجزته عنها بدنة، وعن السبعة بقرة، إلا ما وجب من الدماء عن الجزاء فلا يجزى إلا ذلك لقوله تعالى: ? فجزاء مثل ما قتل من النعم ?.
القسم الثاني: وهو الذي يفترق فيه العمد والخطأ، قتل كل متوحش، سواءً كان صيدًا أو غيره، وإن تأهل مأمون الضرر. أما لو خشي ضرره ولو في المآل، وذلك بأن يعدو أو عادته العدو كالأسد والنمر جاز قتله. أما النملة والنحلة فلا يجوز قتلهما إلا مدافعة. وسواء قتله قاصدًا بمباشرة بأن يضربه، أو يتسبب قاصدًا بما لولاه لما انقتل، نحو أن يمسكه حتى مات أو قتله الغير، أو يحفر له بئرًا، أو يمد له شبكة ولو قبل إحرامه، أو وقع فيها الصيد بعد إحلاله حيث فعله للصيد، أو بدلالة أو إغراء أو إشارة أو دفع سلاح للغير لقصد القتل؛ إلا المستثنى، وهو الحية والعقرب، والفأرة والغراب والحدأة، والكلب العقور والسبع العادي، فهذه ورد النص النبوي بجواز قتلها للمحرم. وزاد بعضهم الذئب والنمر. وقد أُلحق بها كلما شاركها في المعنى الذي هو الأذى والإضرار، ومنها الوزغ والقراد والحلم.(1/51)


والسباع كلها وحشية إلا الهر والكلب، وإلا البحري ما لم يكن في نهر في الحرم. والجراد بري فيضمن بالقيمة ولا جزاء فيه إجماعًا، وإلاّ الأهلي وإن توحش أي في لزوم الجزاء، وإلا فكل الحيوانات حرام إلا ما دل عليه الدليل.
فائدة: فلو صال الصيد على المحرم فقتله دفاعًا فلا جزاء عليه، خلاف أبي حنيفة.
وجميع الطيور وحشية إلا الدجاج، فإن التبس فلا شيء من الجزاء، لكنه يأثم فيحرم.(1/52)


فصل في الجزاء
وفيه مع العمد الجزاء، والعمد هو أن يقصد الصيد، والخطأ هو أن يقصد غيره فيصيبه، فلو رمى صيدًا ظانًا أنه مما يباح لزمه الجزاء ولو ناسيًا لإحرامه. قال في الكافي: وهو إجماع إلا عن الناصر.
الجزاء:
والجزاء هو أن ينحر مثله من النعم، وهي الإبل والبقر والشاء، أو يفعل عدل ذلك المماثل من إطعام أو صيام كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والمماثلة هي في شيء واحد في الخلقة أو الفعل، كالتماثل بين الشاة والحمامة في العب، هكذا ذكروه ورووه عن بعض السلف، وهو في أمالي أحمد بن عيسى عن القاسم بن إبراهيم عن علي عليهم السلام. وروى ابن أبي شيبة بسنده إلى ابن عباس وعمر وعثمان: في الحمامة شاة، ومتى صح الحكم منهم بذلك فلا وجه للاستبعاد الذي ذكره المقبلي في المنار والأمير في المنحة وغيرهما، إذ النص القرآني قد أوجب ما حكم به ذوا عدل، وهم أعرف بالمماثلة، إذ هم أعلم باللغة والشرع، وكفى بباب مدينة العلم وترجمان القرآن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: (( بل المماثلة القيمة، إن شاء اشترى بها هديًا، وإن شاء أَطعم المساكين، كل مسكين نصف صاع، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يومًا...))، وهو خلاف معنى المماثلة لغة وما ورد عن السلف.
ويعتبر في الجزاءات المماثلة في الذكورة والأنوثة والصحة والعيب. وإن اخرج الصحيح عن المعيب فهو أفضل لا العكس، وفي الحامل مثلها. ويعتبر في ولد الصيد ولد مثله من الجزاء، وإن عدل إلى الإطعام أو الصيام قدر قيمته من قيمة أمه، النصف أو الربع أو نحو ذلك، وأطعم بقدره، أو يصام عن كل نصف صاع يومًا، وإن بقي أقل منه أخرجه أو صام عنه يومًا، فإن كان له مثلان خير الجاني.(1/53)


ويرجع فيما لا مثل له إلى ما حكم به السلف، ويكفي خبر عدل أنهم حكموا، ويستمر الحكم. وقال مالك: (( يعاد.)). وقد صح عن علي عليه السلام: (( في النعامة بدنة، وفي البقرة الوحشية بدنة، وفي الظبي شاة، وفي الضبع شاة، وإن عدى فلا شيء، وفي الجرادة قبضة من طعام.)). وعن عمر: (( في الضب جدي.)). وعن ابن عباس: (( في القمري والدبسي واليعقوب والحجل الأخضر - أي الدرة - شاة.)). وقال كثير من العلماء: إن في بقر الوحش وحماره بقرة. وفي الوعل بقرة. وفي الثعلب مثله، والمذهب لا شيء لأنه ضار. ولا شيء في القرد، وقيل: شاة. وفي الرخمة شاة. ومثل اليربوع والأرنب عناق، وهي التي لها دون سنة. والكلام في هذا مستوفى في البسائط.
وإلا يكن قد حكم السلف، وهو يوجد له مثل، فعدلان يرجع المحرم إلى حكمهما. وفي ما لا مثل له إلى تقويمهما. ويصح أن يكون أحد العدلين بعد التوبة، وإن لم يوجدا حكم على نفسه إن كان يفقه الحكم، وإلا أخرج المتيقَن.
ويجزي الصوم عن القيمة، ويعتبر بقيمته في موضع الجناية إن مات بالمباشرة وبالسراية بالأكثر من قيمته في محل الجناية أو موضع موته، ويعتبر فيما لا يؤكل بقيمته لو كان يؤكل، وإن اختلف المقومون فبالأكثر إن كمل العدد في كل تقويم، وإلا فبالأقل من تقويم الاثنين.(1/54)


وفي بيضة النعام وساير الطيور الكبار كالرخ صوم يوم أو إطعام مسكين على المذهب لروايات وردت بذلك. وقد صح هذا، وصح أيضًا ما ورد عن علي عليه السلام من التلقيح على النوق بعدد البيض، وإهداء النتاج، فيكون مخيرًا. وفي الجامع الكافي وغيره أن عليًا عليه السلام سُئِلَ عن بيض النعام وأجاب بما سبق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( قد سمعتم ما قال علي، ولكن هلم إلى الرخصة. عليك في كل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين، وفي العصفور ونحوه كالصعوة والقنبرة وأشباهها القيمة. ))، وقدّرها الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام بمدين، فإن لم يكن له قيمة أخرج على حسب ما يراه، وأقله كف من طعام. وفي إفزاعه عمدًا وإيلامه مقتضى الحال عند العترة، والشافعي بقدر ما رأى من إفزاعه، أقله كف أو لقمة أو تمرة، وأكثره نصف صاع، وعند أبي حنيفة ومالك: لا شيء في ذلك، وقدر الهادي عليه السلام في إفزاعه بحمله من بلد إلى بلد مدين.
وإن أراد العدول إلى الإطعام أو الصيام فعدل البدنة إطعام مائة، لكل مسكين نصف صاع من أي قوت، ويجزي الصرف في واحد ما لم يصر غنيًا، وتجزي القيمة ابتداء، أو صيام مائة يوم متتابعة، ولا يجزي الجمع بين الصيام والإطعام، وعدل البقرة سبعون إطعامًا أو صيامًا، وعدل الشاة عشرة، رجوعًا إلى ما ثبت من أن صيام عشرة أيام تقوم مقام الشاة في التمتع، والبقرة تقوم مقام سبع شياه، والبدنة مقام عشر، وأنَّ إطعام مسكين يقوم مقام صيام يوم في كفارتي الظهار وصوم رمضان، هذا قول العترة وأبي حنيفة. وعند الشافعي عدله قيمة مثله يشتري بها طعامًا يفرقه، فإن أراد الصوم ففي كل مد يوم، وعند مالك قيمة الصيد.
وهذه مسائل من البحر بالمعنى وأكثر اللفظ:(1/55)

11 / 57
ع
En
A+
A-