قال أبو العباس: ما لزم أحد الشريكين في الشركة التي تكون على غير المفاوضة عن بيع أو شراء فليس للمطالب به سبيل على الآخر فيه، ولكن الذي باع منهما أو اشترى يرجع على صاحبه بحقه في حصته.(1/492)
باب شركة الوجوه في التجارة
هذه الشركة هي اشتراك الرجلين في أن يشتريا ويبيعا العروض وغيرها بوجهيهما ولا يعقدان الشركة على مال، وهي جائزة وإن لم يكن لهما رأس مال، فإذا عقدا الشركة على هذا الوجه كان ما يحصل من الربح بينهما نصفين، وما يَتَّفِق من وضيعة فعليهما نصفان أيضا، ولا يجوز أن يجعل لأحدهما من الربح أكثر من النِّصف، وإن كان أبصر بالشراء والبيع من صاحبه وأكثر سعياً في ذلك.
قال أبو العباس: لابد أن يسميا ما يتصرفان فيه، وإن لم يسميا كانت الشركة باطلة.
فإن أحبا أن يعقدا الشركة على وجه يكون لأحدهما من الربح أكثر مما يكون للآخر، وجب أن يضمن صاحب الزيادة مما يشتريان ويستدينان ما يقابل زيادة الربح. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: تحصيل هذا أن يوكِّل من له الثلثان من الربح صاحبه بأن يكون ما يشتريه بينهما على الثلثين والثلث، فيكون له الثلثان وللآخر الثلث، وكذلك/267/ يوكله صاحبه بأن يكون له الثلث مما يشتريه وللآخر الثلثان، فيكون على هذا ثلثا الربح لصاحب الثلثين، وثلثه لصاحب الثلث، وكذلك القول في الاستدانة.(1/493)
باب شركة الأبدان
هذه الشركة هي اشتراك الرجلين في أن يعملا عملاً مخصوصاً أو أعمالا مختلفة كالخياطين، أو كخياط ونَجَّار، أو نجارين، أو نجار وإسكاف على أن يكون ما رزقهما اللّه تعالى من كسب صناعتهما بينهما نصفين، وما يلزم من الضمان في ذلك يكون عليهما نصفين، وإن شُرِطَ لأحدهما من الربح أكثر مما شُرِط للآخر، كان الشرط فاسداً والربح يكون بينهما نصفين كالضمان، وما يلزم من الضمان في ذلك يكون عليهما نصفين.
فإن أرادا أن يعقدا الشركة على تفضيل أحدهما بالربح على الآخر عقداها على أن يكون التوكلبتقبل العمل وضمان ذلك هو على التفاضل، فإذا اتفقا في ذلك على الثلثين والثلث، عقدا على أن أحدهما وكيل للآخر يتقبل ثلثي العمل، والآخر وكيله يتقبل ثلث العمل، فيلزم صاحب الثلثين ثلثا الضمان وصاحب الثلث ثلثه.
ولهما أن يعملا مجتمعين ومفترقين. وإن عمل أحدهما ولم يعمل الآخر كان شريكاً للآخر في الأجرة.
وإن اختلف هذان الشريكان فيما عقدا عليه الشركة في الربح والضمان، بطلت الشركة بينهما.
قال أبو العباس: ما يلزم أحدهما من غرم لا على العمل الذي اشتركا فيه لا يلزم الآخر.(1/494)
باب ما يوجب فساد الشركة وما لا يوجبه
قال أبو العباس رحمه اللّه: إذا مات أحد الشريكين بطلت الشركة. وقال: ولا تصح الشركة بين المسلم والكافر، تخريجاً على أصل القاسم عليه السلام، ولا بين الْحُرِّ والعبد، ولا بين البالغ والصبي، تخريجاً على نص يحيى عليه السلام، وقد مر للقاسم عليه السلام في (مسائل ابن جهشيار) ما يدل على أن المشاركة في الاحتشاش إنما تصح على التراضي، ويجب أن تكون المشاركة في الإصطياد مثلها.
ومِنْ شَرْطِ صحة الشركة في الأموال الخلطُ، وقد ذكر ذلك أبو العباس/268/، وخرجه من كلام يحيى عليه السلام، وعلى هذا لا يجوز أن يكون مال أحدهما دنانير ومال الآخر دراهم.
قال أبو العباس: لا تجوز الشركة في الفلوس.
وقال: إذا ذكر في شركة المفاوضة شرط يفسدها، نحو تفضيل أحدهما في الربح أو يكون لأحدهما نقد دون الآخر، وكذلك إن ورث أحدهما نقداً أو أُوصِيَ له بنقد فاستوفاه، عادت شُرْكَة عنان.
(وقال رحمه اللّه: وإذا جحد أحد الشريكين عقد الشركة بينهما، فالشركة باطلة). وقال: إذا لم يبين الشريكان في العمل جنس العمل الذي يشتركان فيه كانت الشركة فاسدة.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه فيمن دفع إلى غيره بذر الدود، وورق التُّوت على أن يقوم بمعالجته مُنَاصفة، كانت الشركة فاسدة.
قال: وإذا وضع الرجل بيضاً له تحت دجاجة رجل آخر، على أن ما يخرج من الفراخ يكون بينهما نصفين كان ذلك فاسداً والفراخ تكون لصاحب البيض، ولصاحب الدجاجة أجرة المثل.
باب الشركة في العلو والسفل والحيطان والأزقة والأنهار والشِّرْبوما يتصل بذلك(1/495)
إذا كان لرجل بيت وفوقه بيت لرجل آخر فانهدم البيت، وأراد صاحب العلو أن يبني بيته وامتنع صاحب السفل من بناء بيته حكم عليه ببنائه؛ ليتمكن صاحب العلو من بناء علوه، فإن كان صاحب السفل معسراً أُطلق لصاحب العلو أن يبني السفل، وأن يمنع صاحبه من سكناه والانتفاع به حتى يؤدي إليه ما غرم في بنائه، وإن أحب صاحب العلو أن يستغل السفل إلى أن يستوفي ما غرم عليه فله ذلك، وليس لصاحب السفل أن يبيع نقض سفله وإن كان معسراً، وله أن يبيعه مبنياً قائماً. وكذلك النهر والعين بين شركين أو جماعة من الشركاء، إذا عمر ذلك أحدهم بالكسح أو بناء المسناة أو غير ذلك مما يحتاج إليه في جري الماء ولم يشاركه الباقون في الإنفاق، فله أن يستبد بالشرب كله، وأن لا يمكن شركاه منه حتى يردوا عليه ما غرم في حصصهم.
قال أبو العباس: إن أراد صاحب السفل أن يدخل في/269/ حائط سفله جذعا أو يَتِد وتداً أو يفتح باباً فله ذلك، وكذلك لو أراد صاحب العلو أن يبني على علوه بناء أو يضع جذوعاً، أو يفتح كنيفاً، فله ذلك مالم يضر كل واحد منهما بصاحبه.
وقال رحمه اللّه: إذا انهدم الحائط الذي عليه حملهما أجبر من امتنع من إعادته على أن يعيده، كما يجبر صاحب السفل على بناء سفله إذا رام صاحب العلو بناء علوه.(1/496)