باب نفقة المضارب
ما ينفقه المضارب على ما يتجر فيه فهو من مال المضاربة، فإن كان فيها ربح فهو من الربح، وإن لم يكن فيها ربح فهو من رأس المال/264/، وما ينفقه على نفسه، فإن كان مقيماً في مصره فإنه يجب أن يكون من خاصماله، وإن كان مسافراً فما ينفقه يجب أن يكون من مال المضاربة.
قال أبو العباس: ما يكون نادراً من الإنفاق أو خارجاً عن المعتادنحو شرب الدواء والحجامة، وما أشبه ذلك، يكون من ماله، وإذا زاد في السفر على نفقة مثله في الْحَضَر لا يجوز أن يحتسب به من مال المضاربة، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ويحتسب بنفقة خادمه إذا كان ممن لا يطيق خدمة نفسه، وإن بقي من طعامه أو شرابه أو ملبوسه شيء إذا عاد إلى مِصْره، كان ذلك مردوداً إلى مال المضاربة، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/487)


باب أنواع الشركة
الشركة ضربان: شركة المكاسب، وهي التي تُعْقَد على اكتساب المنافع. وشركة الأملاك. وشركة المكاسب ضروب فمنها: شركة المفاوضة، وشركة العنان، وشركة الأبدان.(1/488)


باب شركة المفاوضة
شركة المفاوضة تفسيرها: أن يخرج الرجلان - اللذان يريدان عقد هذه الشركة على الصحة - جميعَ ما لكل واحد منهما من النقد عيناً كان أو وَرِقاً، ويكون ما يملكه أحدهما من النقد مساوياً لما يملكه الآخر، ولا يزيد ملك أحدهما على ملك الآخر، فأما ما ليس بنقد كالعروض ونحوها، فلا يؤثِّر في الشركة زيادة ملك أحدهما على ملك الآخر، ويخلطان النَّقد، ويقول كل واحد منهما للآخر: شاركتك بمالي والتصرف بوجهي على أَنَّا نَتَّجر مجتمعَين ومفترقَين.
ثم يتجران فيه ويشتريان أموال التجارة بنقودهما ووجوههما مجتمعَين أومفترقَين، ويتصرف كل واحد منهما فيما في يده وفي يد صاحبه برأيه في البيع والشراء، وما يحصل من الربح يكون بينهما نصفين، وما يتفق من الوَضِيْعَة يكون عليهما نصفين، وما يلزم أحدهما مندين في تجارتهما/265/ لزم الآخر، ويكون لصاحب الدَّين مطالبة من شاء منهما، فأما ما لزم أحدهما من جناية أو نكاح فإنه يلزمه دون صاحبه.
قال أبو العباس: وإذا كفل أحدهما إنساناً بمال بأمر المكفول عنه فإنه يلزم صاحبه، تخريجاً على نص الهادي عليه السلام. وإذا باع أحدهما شيئاً من رجل كان لشريكه أن يطالبه بالثمن، وكان للمشتري أن يرجع على من شاء منهما بالعيب إن وجده في المبيع، وكذلك إن استُحق المبيع، وللمشتري إذا اشترى من أحدهما أن يطالب الآخر بتسليم المبيع، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/489)


ويجب أن تكون نفقتهما من جميع المال على سواء، فإن كان أحدهما أكثر إنفاقاً من الآخر، فإن تبرع شريكه له بالزيادة جاز، وإن لم يتبرع بها حسبها عليه ولم يستوفها منه ما داما على شركتهما، ولا يجوز للآخر أن يقضيها إياه إلا أن يعطيه بها عرضاً فإن ذلك لا يفسد الشركة، على قياس قول يحيى عليه السلام.
فإن ملك أحدهما نقداً زائداً ولم يقبضه لم تبطل الشركة بينهما، وإن قبضه بطلت، وكذلك الميراث الذي لم يحصل فيه القبض، والوصية والهبة - على قولنا - فإنها تصح من دون القبض، وذلك على قياس قول يحيى عليه السلام، وقد ذكره أبو العباس رحمه اللّه.(1/490)


باب الشركة في المال على غير المفاوضة
وهي التي تُسمى: شركة العنان، هذه الشركة تنعقد بين الشريكين على أن يكون مال أحدهما إما مساوياً لمال الآخر أو زائداً عليه أو ناقصاً عنه، ويكونان جميعاً نقداً فيتجران فيه، ويكون الربح بينهما على ما يشترطان من النصف أو الأقل أو الأكثر، والوضيعة على قدر رأس المال.
ويجوز أن يتفقا في الربح ورأس المال مختلف، نحو أن يكون لأحدهما مائة دينار وللآخر خمسون والربح بينهما نصفان. ولايجوز أن يتفقا في الوضيعة ورأس المال مختلف، ويجوز أن يكون لأحدهما أو لكل واحد منهما نقدٌ لم يُدخله في الشركة. ولا يصح أن تعقد هذا الشركة إلا على النقود، ولا يجوز أن يشتركا في العروض.
ويشترطان في/267/ الربح على ما اتفقا عليه من تسوية أو تفضيل، نحو أن يكون لكل واحد منهما نصف الربح، أو يكون لأحدهما ثلثاه وللآخر ثلثه على أن يعملا جميعاً.
فإن اشترطا أن يكون للذي يعمل ثلثا الربح وللذي لايعمل ثلث الربح جاز.
وإن اشترطا أن يكون للذي يعمل ثلث وللذي لا يعمل ثلثاه، لم يجز الشرط، وكان الربح على قدر رأس المال.
وإن عقدا أصل الشركة على أن يكون أحدهما هو الذي يعمل دون الآخر، ويكون الربح على قدر رأس المال جاز.
وإن شرطا أن يعملا جميعاً ولأحدهما ثلثا الربح وللآخر ثلثه، فعمل أحدهما ولم يعمل الآخر، كان الشرط في الربح صحيحاً، على قياس قول يحيى عليه السلام.
قال القاسم عليه السلام: إن لم يشترطا في الربح شيئاً كان الربح بينهما على قدر روؤس أموالهما، وإن اشترطا أن يكون لأحدهما من الربح دراهم معينة، كانت الشركة فاسدة.(1/491)

98 / 168
ع
En
A+
A-