ولصاحب المال أن يشتري من المضارب السلعة التي اشتراها المضارب بمال المضاربة ويربحه فيها. والمسألة محمولة عند بعض أصحابنا على أن المضارب اشترى سلعة وربح فيها، فيصير للمضارب قسط فيها، فيشتري صاحب المال ذلكالقسط منه، فأما أن يشتري منه جميع السلعة فلا يجوز ذلك.
وكان أبو العباس رحمه اللّه: يحملها على ظاهرها، ويقول: لصاحب المال أن يشتري من المضارب جميع السلعة التي اشتراها كان فيها ربح أو لم يكن.
فإن اشتراها المضارب من نفسه كان الشراء فاسداً.
فإن استعان المضارب بصاحب المال في بيع أو شراء فأعانه في ذلك جاز، وكانت المضاربة صحيحة بينهما ثابتة على ما كانت عليه.
وإن ادعى المضارب تلف المالوذهابه، كان القول قوله مع يمينه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ولو أن المضارب ضمن المال كان ضمانه باطلاً.
وإذا مات المضارب وقد أفرد مال المضاربة فصاحب المال أولى به، وإن لم يكن أفرده وأقر به الورثة استحق صاحب المال قدر ماله من جملة التركة، وإن جحده الورثة فعليه البينة، فإن لم يكن له بينة استحلف الورثة. قال أبو العباس رحمه اللّه: يستحلفهم على علمهم، فإن كان عليه دين ولم يفرد مال المضاربة عن سائر تركاته، كان رب المال أسوة الغرماء فيه.(1/482)


ولو أن رجلاً دفع مالاً له مضاربة إلى عبد مأذون له في التجارة، كانت المضاربة صحيحة، فإن أتلف المال، أَخَذ مولاه ببيعه وبيع ما في يده من مال مولاه حتى يستوفي حقه. وإن دفع إلى عبد غير مأذون له في التجارة كانت المضاربة فاسدة، ويكون للعبد أجرة مثله، وإن تعدى العبد وأتلف المال كان ديناً عليه يطالب به إذا عَتَقَ. وإن دفع المال إلى مراهق مأذون له في التجارة من أبيه أو وصي أبيه/262/ أو وليه، صحت المضاربة، فإن أتلف الصبي المال وجب عليه الغرم في ماله، فإن لم يكن له مال كان ديناً في ذمته يطالب به إذا أيسر، فإن دفعه إلى من ليس بمأذون له في التجارة من جهة وليه وبغير إذنه، كانت المضاربة فاسدة، وكان للصبي أجرة مثله.
قال أبو العباس: ولو باع رب المال سلعة المضاربة بغير إذن المضارب لم يجز، ولو أراد منع المضارب من بيعها لم يصح، ولو عزله عن المضاربة فيها لم يجز، وليس لصاحب المال أن يوكل في بيعها.
قال رحمه اللّه: وإذا مات وقد عزل مال المضاربة عيناً كان أو عرضاً، فليس لصاحب المال أن يحمل الورثة على بيع العرض؛ لأن المضاربة قد انفسخت، ولو أرادالورثة توفير ما دفع من المال ببيعه لم يكن ذلك لهم إلا برضاه، إلا أن يكون في العرض فضل على رأس المال فلهم أن يبيعوه ويوفروا عليه رأس المال ونصيبه من الربح، ويأخذوا نصيبهم، وهكذا لو مات رب المال.
وقال رحمه اللّه: لو دفع مالاً إلى غيره مضاربة فزاد فيها المضارب دنانير أو دراهم من عنده، كانت المضاربة باطلة.(1/483)


وإذا كان لرجل على رجل مال فأمره أن يجعله مضاربة بينهما لم يصح، وكانت المضاربة فاسدة، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإذا اشترى المضارب حائطاً بمال المضاربة، فبِيْعَ إلى جنبه حائط آخر، فإن كان الحائط الذي اشتراه المضارب يساوي أكثر مما اشْتُرِىَ به وفيه ربح، كَانت الشفعة لصاحب المال وللمضارب جميعاً، وإن لم يكن فيه ربح فإن الشفعة تكون لصاحب المال دون المضارب.
فإن اشترى المضارب بمال المضاربة أباه أو ذا رحم محرم وكان في مال المضاربة ربح عتق عليه، وإن لم يكن فيه ربح لم يعتق، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/484)


باب حكم أرباح المضاربة
المضاربة إذا كانت صحيحة، فالربح يكون بين رب المال وبين المضارب على ما اشترطا، فإن كانت المضاربة فاسدة، فالربح لرب المال وللمضارب أجرة المثل.
فإن تعدى المضارب في شراء سلعة، بأن يكون صاحب المال قد أذن له في التجارة في جنس من السلع، فخالفه واشترى جنساً آخر ولم يجز صاحب المال ذلك الشراء، فالربح لبيت المال، وإن أجازه فالربح له، وللمضارب أجرة مثله ولا يجاوز بها المشروط، فإن لم يكن ربح، فلا شيءَ للمضارب.
وإن اشترط صاحب المال أو المضارب لنفسه شيئاً معلوماً من الربح، فالربح لصاحب المال وللمضارب أجرة مثله.
وإن أمر رب المال المضارب أن يتجر في الْمِصْر، فسافر به وربح، كان الربح بينهما على ما اشترطاه، وإذا دفع المال إلى عبد غير مأذون له في التجارة كان الربح لرب المال وللعبد أجرة مثله، وكذلك القول إن دفع المال إلى صبي بغير إذن وليه، كان له أجرة مثله ولم يلحقه ضمان شيء من المال إن تلف في يده؛ لأن صاحب المال دفعه بغير إذن وليه.(1/485)


وكذلك القول في المضاربة إذا عُقِدَت على عرض، أو ضم المضارب إلى مال المضاربة شيئاً من عنده، فإن اتجر المضارب في المال دفعة فربح، ثم اتجر فيه دفعة أخرى فخسر، ولم يكونا قد اقتسما الربح الأول، نُظِر عند القسمة إلى رأس المال، فإن فضل شيء، كان الربح بينهما، وإن لم يكن فيه ربح، كان المال لصاحبه ولا شيء للمضارب. وكذلك إن جرى ذلك دفعات كثيرة إذا لم يكن قد وقعت القسمة، وإن كانا قد اقتسما الربح أولاً ثم وقع الخسران، كان ما أخذه المضارب من نصيبه من الربح له، سواء كان الربح دفعة واحدة أو دفعات كثيرة متى كانت قسمة الربح قد تقدمت لا يرد المضارب من نصيبه شيئاً. قال أبو العباس: وعلى هذا إن أخذ صاحب المال شيئاً والمضارب شيئاً على أن ذلك من الربح، ثم عند القسمة تبين الخسران، كان ما أخذه رب المال من رأس المال، ويرجع على المضارب بما أخذه.(1/486)

97 / 168
ع
En
A+
A-