باب حكم الغلة في المزارعة الفاسدة وفيما يزرع في الأرض بغير إذن المالك
إذا كانت المزارعة فاسدة بأن تكون مخابرةكما بينا، ولم يُحتل فيها بما يصححها، فإن كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له، ويكون للزراع عليه أجرة المثل، وإن كان البذر للزراع كان الزرع له، ويكون لصاحب الأرض عليه كراء الأرض، وإن كان البذر بينهما، كان الزرع بينهما، ويكون لصاحب الأرض على الزراع نصف كراء الأرض، وللزراع على صاحب الأرض نصف الأجرة، على قياس قول يحيى عليه السلام. فإن تصالحا بينهما على شيء وتراضيا به كان ذلك جائزاً، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإن دفع أرضه إلى رجل مزارعة فغرس فيها، فمات صاحب الأرض، كان للورثة أن يطالبوه بتفريغ أرضهم. يعني إذا كان فاسداً في الأصل، فإن شاء المزارع فرغها لهم وإن شاء طالبهم بقيمة غرسه وتسليمهامع الأرض إليهم.(1/477)
باب اختلاف المزارع والمساقي وصاحب الأرض
ولو أن رجلاً غرس في أرض غيره غروساً وسقاها وعمرها وأنفق عليها، فقال صاحب الأرض له: لم آذن لك فيما عملته. فإن كان للمساقي بينة على أنه غرسها وأنفق/259/ عليها بإذنه، فله على صاحب الأرض أجرة عمله وثمن الغروس، وإن لم يكن له بينة، فعلى صاحب الأرض اليمين، فإذا حلف أنه لم يأذن له في ذلك فللمساقي أن يقلع الغروس ولا أجرة له.
ولو أن رجلاً دفع إلى رجل أرضاً له مزارعة على الوجه الذي يصح فقبضها منه، ثم ضيعها أو قال لا أزرعها، فإنه لا يستحق أن يرد عليه صاحب الأرض قيمة مؤنته وعمله ويحكم عليه بأن يتم ما شرطه لصاحبها إلا أن يكون معذوراً.
ولو اختلف المزارع وصاحب الأرض بعد خروج الزرع، فقال صاحب الأرض: شرطتُ لك الثلث. وقال المزارع شرطتَ لي النصف. كان القول قول صاحب الأرض مع يمينه، والبينة على المزارع، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/478)
باب تفسير المضاربة
المضاربة الصحيحة، هي: أن يدفع رجل إلى رجل نقداً ذهباً أوفضة على أن يتجر فيه، فيكون من صاحب المال النقد، ومن العامل التصرف والعمل بيده، ويكون الربح بينهما على ما يشترطان عليه، من نصف أو ثلث أو ربع، والوضيعة على رأس المال. ولا يجوز أن يدفع إلى المضارب العروض بدلاً من النَّقد، فإن دفع شيئاً من العروض أو الحيوان أو غيرهما بالقيمة لم تصح المضاربة، فإن دفع إليه العروض ليبيعها فيكون الثمن مصروفاً إلى المضاربة جاز ذلك.(1/479)
باب ما يفسد المضاربة وما لا يفسدها
إذا اشترط صاحب المال أو المضارب لنفسه قدراً من الربح معلوماً من درهم أو دينار فما فوقهما، ثم يكون الباقي من الربح بينهما على ما يتفقان عليه، كانت المضاربة فاسدة، فإذا تصرف المضارب في المال فربح، كان الربح لصاحب المال، وإن خسر كانت الوضيعة عليه، وللمضارب الذي هو العامل أجرة مثله.
وإن اشترط صاحب المال على المضارب أن يَتَّجر في بلد بعينه، وأن لا يسافر به، لم يجز للمضارب أن يخرج بماله من ذلك/260/ البلد، فإن أخرجه وتلف ضمنه، وإن سَلِم كانا على أصل المضاربة، ويكون الربح بينهما على ما يشترطان عليه.
وإذا دفع المال إلى المضارب ليتَّجر فيه أو يعمل فيه برأيه، جاز أن يتصرف فيه على سائر وجوه التجارات إلا القرض، ولايجوز له أن يخلطه بماله، ولا أن يأخذ به سفتجة، ويجوز أن يدفعه إلى غيره مضاربة، وأن يبيعه نقداً ونَسِيَّة.
قال أبو العباس: إذا لم يشترط عليه أن يسافر به وأطلق له التصرف في التجارات فله أن يسافر به.
وإن أمره صاحب المال أن يتجر في سلعة بعينها، لم يجز أن يتجر في غيرها، فإن اشترى غيرها ضمنه المضارب، فإن أجاز رب المال شراءه جاز ذلك، فإن ربح فيه كان الربح لرب المال وللعامل أجرة مثله، ولا يجاوز بهاما شرطه من الربح، فإن لم يجزه كان الربح لبيت مال المسلمين.
وإذا قال رب المال للمضارب: تصرف في المال على أن يكون الربح بيننا ولم يبين قدر الربح وما يكون لكل واحد منهما لم تصح المضاربة.(1/480)
ولا يجوز للمضارب أن يخلط مال المضاربة بماله، ولا أن يدفعه مضاربة إلى غيره، إلا أن يكون رب المال قال له: اعمل فيه برأيك. فإن خلطه بماله أو دفعه إلى غيره من غير أن يكون رب المال قال ذلك ضمنه. وإن شرط عليه رب المال أن لا يبيع السلعة نسية لم يجز أن يبيعها إلا نقداً، وإن باعها نسية ضمن.
وكل سلعة اشتراها المضارب قبل عقد المضاربة فإنها لا تدخل في المضاربة، وإن كان قد أخذ ثمنها من صاحب المال الذي ضاربه من بعدُ فوزنه من ثمنهاتكون السلعة له، وإن ربح فيها فربحها له والوضيعة عليه، وفي ذمته لرب المال ما دفعه إليه، وكذلك ما يشتريه بعد عقد المضاربة بغير مال المضاربة، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإذا أذن صاحب المال للمضارب في أن يستدين دنانير أو دراهم معلومة فيضمها إلى ما دفعه إليه ليكون الجميع مضاربة صحت هذه المضاربة، فإن أذن له في أن يستدين ولم يبين قدره (صحت المضاربة فيما دفعه إليه ولم تصح في الدين)، ويكون الربح بينهما نصفين، أو على ما اشترطاإذا كان الدين معلوماً والمضاربة صحيحة، فإذا/261/ لم يكن الدين معلوماً فالمضاربة فاسدة، وإذا تصرف المضارب فيه كان الربح له والوضيعة عليه.
ولو أن المضارب اشترى بمال المضاربة سلعة بثمن معلوم، وبعد وقوع البيع استزاد البائعُ شيئاً فزاده، كانت الزيادة واجبة على المضارب في خاص ماله.(1/481)