والخاتن إذا قطع حشفة الصبي فمات منه، والحجام والمتطبب، والمجبر إذا أعْنَتُوا ضمنوا، إلا أن يكونوا اشترطوا البراءة، فإن كانوا تبرأوا لم يضمنوا إلا أن لايكونوا من أهل البصر بما تعاطوه، وما يلزمهم من جناياتهم الواقعة خطأ فإنه يلزم عاقلتهم، فإن كان الصانع عبداً مأذوناً له في العمل، ضمن سيده ما لزمه أو يسلمه وما في يده بجنايته، فإن لم يكن مأذوناً له كان ديناً في رقبة العبد يطالب به إذا عتق.
قال أبو العباس رحمه اللّه: إن دفع رجل إلى حداد حديداً ليعمل منه سكاكين فضاع، فإنه إن ضاع بعد العمل كان صاحبه بالخيار بين تضمينه معمولاً وعليه أجرة العمل، وبين تضمينه حديداً ولا أجرة عليه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ومن استؤجر على شراء نوع مما يتجر فيه، فخالف واشترى غيره، نحو أن يؤمر بشراء طعام فاشترى تمراً، فإنه يضمنه إذا لم يجزه من استأجره/256/، وقول يحيى عليه السلام في (المنتخب) : فإن باعه وربح فيه كان الربح لصاحب المال. محمولٌ على ما ذكره أبو العباس على أن صاحب المال أجاز الشراءفيكون الربح له وللأجير أجرة مثله، ولا يجاوز بها الربح المشروط.(1/472)
باب ضمان المستأجر
لو أن رجلاً استأجر من رجل جملاً ليحمل عليه أرطالاً معلومة، فحمل عليه أكثر مما شارطه من غير إذن الجمال، فتلف الجمل تحته، ضمنه المستأجر إن كانت الزيادة مما يؤثِّر مثلها في الجمل، وإن كانت لا يؤثر مثلها يضمن. وإن كان اكترى منه جملاً على أن يركبه إلى موضع، فجاوز به ذلك الموضع، فتلف الجمل ضمن قيمته، ويلزمه الكراء إلى الموضع الذي استأجره إليه على ما شرطه، وعليه كراء المثل إلى الموضع الذي انتهى إليه وجاوز فيه المشروط، على قياس قول يحيى عليه السلام ومقتضى أصوله، وما ذكره في (المنتخب) من أنه إذا اكتراه على أن يركبه إلى موضع، فركبه إلى موضع سواه أبعد منه، فتلف الجمل، فإنه يضمن قيمته دون الكراء. فإنه محمول عند بعض أصحابنا على نفي الكراء المسمى إلى الموضع الذي استأجره إليه دون أجرة المثل. وكان أبو العباس يسلك في هذه المسألةطريقة أخرى بينتها في (شرح هذا الكتاب) .
فإن اكتراه على أن يحمله وحده، فأركب معه رديفاً يؤثر رُكوبُه معه في مثل ذلك الجمل، فتلف ضمنه وعليه الأجرة. فإن اكتراه على أن يحمل عليه أرطالاً معلومة من التمر، فحمل عليه بوزنه حديداً أو قطناً فتلف الجمل لم يضمن قيمته، إلا أن يكون الجمل فتياً لايحمل على مثله الحديد، فإن كان ذلك كذلك ضمن وتلزمه الأجرة مع الضمان.(1/473)
قال أبو العباس: الذي يجيء على أصل يحيى عليه السلام أنه إذا اكتراه على أن يحمل عليه جنساً فحمل عليه بوزنه جنساً آخر كالحنطة والشعير وما أشبههما فتلف لم يضمن. فإن اكتراه على أن يركبه في طريق فسلك به طريقاً آخر ضمن، وإن لم يعين الطريق وسلك طريقاً يسلكه الناس/257/ لم يضمن. وإذا اكترى رجل من رجل جملاً على أن يحمل عليه أرطالاً معلومة فزاد رطلاً أو رطلين، فتلف الجمل لم يضمنه المكتري، فإن زاد ما يؤثر مثلُه ضمن قيمة الجمل.
فإن اكتراه يوماً فحبسه أياماً أو شهراً فتلف في تلك الأيام ضمنه، إلا أن يكون منعه من رده عذر.
ولو أن رجلاً استأجر من رجل داراً فسُرِقَت أبوابها، أو اكترى مركوباً فَسُرق أو سرق ما عليه من سَرْج أو قتب أو غيره، لم يضمنه إلا أن يكون منه تَعَدٍّ في ذلك. وإن سرق من الدار المستأجرة متاع للمستأجر لم يضمنه صاحب الدار.
ولو أن رجلاً استأجر آلة من آلة الصاغة أو الحدادين أو الحاكة أو غير ذلك واشترط صاحبها ضمان ما يضيع منها أو يسرق صح ذلك، وضمن المستأجر ما اشترط ضمانه، فإن شرط ضمان ما ينكسر منه بالإستعمال أو ما دونه كان الشرط باطلاً ولا ضمان عليه.
ولو استأجر جملاً كان علفه على صاحبه، إلا أن يكون المستأجر شرط له أن علفه يكون عليه.
ولو أن رجلاً استأجر جملاً أو حماراً أو غيرهما ليركبه إلى موضع بعينه، فوقف في الطريق فتركه المستأجر ومضى فتلف ضمنه، إلا أن يكون الطريق مخوفاً لا يمكنه المقام فيه.(1/474)
ولو أن رجلاً استأجر شيئاً وأجَّرَه غيرَه من غير إذن صاحبه فتلف، فإن كان أجَّره بأكثر مما استأجره ضمنه، وإن أجره بمثل ما استأجره لم يضمن، وإن أجره بإذن صاحبه لم يضمن سواء أجره بمثل ما استأجره الثاني أو أكثر منه. قال أبو العباس: وإن تعدى المستأجر الثاني كان لصاحبه تضمين الأول.
وقال في رواية (المنتخب) فيمن استأجر من رجل عبداً ليخدمه سَنَةً ومضى به، ثم ادعى أنه خدم في بعض السنة ثم أبق أو ماتكان عليه البينة فيما ادعى من إباقٍ أو موت، فإن لم يكن له بينة ضمن، يعني إذا اشترط أن لا يكون ضامناً إن أبق أو مات، - ثم ادعى أنه أبق أو مات؛ لأنه يدعي سقوطه عن نفسه.(1/475)
باب فساد المزارعة والمساقاة وذكر الوجه الذي يصحان عليه
لا تصح المزارعة على شرط ما تخرج الأرض من نصف أو ثلث أو ربع، نحو أن يدفع رجل أرضه إلى رجل على أن يزرعها ويكون ما يخرج منها بينهما نصفين، أو يكون له الثلثان وللزرَّاع الثلث أو ما يتفقان عليه.
فإذا أرادا تصحيح المزارعة فالحيلةفيه أن يكري صاحبُ الأرض نصفَ أرضه مشاعاً من الزَّرَّاع بأجرة معلومة يتفقان عليها، ويستأجره بمثل تلك الأجرة على زراعة نصف أرضه مشاعاً، ويكون البذر بينهما فما يخرج من الأرض يكون بينهما نصفين ويتقاصان بالأجرة. فإن أرادا أن تكون المزارعة على الثلث أو الربع أو أقل أو اكثر فكذلك يعملان.
وأما المساقاة فإنما تصح بأن يستأجر من يقوم بإصلاح النخيل والأشجار وسقيها وعمارتها ويجعل له من أصولها شيئاً مسمى يستأجره به.(1/476)