ولو أن رجلاً استأجر جملاً ليحمله من المدينة إلى مكة على أن يسير به ستاً أو تسعاً فسار به عشراً، وجب عليه للمكاري أجرة مثله، دون المشروط، فإن زادت أجرة مثله على المشروط لم يستحق إلا المشروط، وكذلك القول في الأجير والبريد.
ولو أن رجلاً دفع إلى حائك غزلاً على أن ينسج له عشرة أذرع فنسج اثني عشر ذراعاً استحق الحائك أجرة عَشَرَة، ولم يستحق للذراعين الزائدين شيئاً.
ولو دفع رجل إلى صبَّاغ ثوباً على أن يصبغه له بدرهم، فصبغه له لوناً أشبع منه، كان الصَّبَّاغ متبرعاً به ولم يستحق للزيادة شيئاً، فإن اختلفا فقال الصباغ: أمرتني بصبغ يساوي عشرة دراهم. وقال صاحب الثوب: أمرتك بصبغ يساوي خمسة، كانت البينة على الصباغ واليمين على صاحب الثوب. وإن دفع إلى حائك غزلاً ينسج له اثني عشر ذراعاً فنسج له عشرة أذرع، فعليه أن ينسج له ذراعين إن رضي بذلك صاحب الغزل، وإن لم يرض به فله أن يضمنه قيمة الغزل. وإن دفع إلى صباغ ثوباً ليصبغه له أحمر فصبغه أسود كان له أن يُضَمِّنه قيمة الثوب فيسلمه إليه وإن شاء أخذ الثوب.
ولو أن رجلاً دفع إلى خياط ثوباً ليقطعه ويخيطه، فقطعه وخاطه، ثم اسْتُحِق الثوبُ كانت أجرة الخياط على من أمره بقطعه وخياطته، وليس لمن أمره بذلك أن يرجع على صاحب الثوب بما دفعه إلى الخياط من الأجرة.
قال القاسم عليه السلام: وتكره أجرة السمسار إلا أن يستأجرهبأجرة معلومة على شيء معلوم.(1/467)


قال القاسم عليه السلام: ولو أن رجلاً كَلَّم رجلاً في حاجة لآخر فأهدى إليه شيئاً جاز له أخذه، (هذا إذا لم يكن مشروطاً فإن كان مشروطاً لم يجز)، ولا بأس بكسبالحجام.
قال محمد بن يحيى عليه السلام في رجل طرح شبكة في البحر، وأمر رجلاً بأن ينظرالحبل ويمسكه على أن ما يقع من الحوت يكون بينهما نصفين، فإنه يكون فاسداً وتكون له أجرة المثل.
وقال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: لو أن رجلاً استأجر منزلاً كل شهر بشيء/253/ معلوم، فقال رب المنزل: دونك هذا المنزل، يعني: سلمتُ منك هذا المنزل، ولم يفتح الباب، فلما كان عند رأس الشهر طلب الأجرة، فإن كان المستأجر قادراً على فتحه، فالأجرة واجبة، وإن لم يقدر على ذلك فلا أجرة له.
قال أبو العباس: لو أن رجلاً استأجر من رجل داراً أو أرضاً أو غيرهما، فَغَصَبَ ذلك غاصب وغلبه عليه، لم يجب على المستأجر أجرته، إلا أن يكون قد انتفع به مدة، فتلزمه حصتها من الأجرة. قال رحمه اللّه: وكذلك لو اكترى حانوتاً فتهدم وبطل الإنتفاع به، أو أرضاً للزرع الذي لاحياة له إلا بالماء فانقطع عنه الماء فبطل الزرع. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: وكذلك لو استأجر رحا الماء فانقطع الماء عنه.
والإرتشاء على الحكم حرام، وأجرة البَغِيِّوالكاهن حرام، وتكره أجرة الغازي في سبيل اللّه الذي لا يخرج إلا بالأجرة، فإن أعطي من غير شرط جاز له أخذه، على قياس قول يحيى عليه السلام، وإذا اختلف الْمُكْرِي والْمُكْتَرِي فقال المكري: أكريتُ بعشرة دراهم. وقال المكتري: اكتريتُ بخمسة. كانت البينة على المكري واليمين على المكتري.(1/468)


باب ضمان الأجير
الأجير إما أن يكون خاصاً أو مشتركاً، فإن كان خاصاً فإنه لا يضمن ما يتلف على يده، إلا أن يكون تلفه بجناية منه، وأما الأجير المشترك فإنه يضمن ما يتلف على يده، سواء كان تلفه بجناية منه أو بغير جناية، وسواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة، وكانت الأجرة مسماة أو غير مسماة، إلا أن يتلف بسبب غالب لا يمكن الاحتراز منه، نحو الحريق أوالأخذ من جهة السلطان الجائر أواللصوص المتغلبين. قال السيد أبو طالب: وقول يحيى في (المنتخب) : إن الراعي لا يضمن ما يفترسه الذئب من الغنم، محمول على أن يكون الراعي أجيراً خاصاً، ولا يجوز على أصله سواه.
وإذا ادعى المستأجر على الأجير الخاص الجناية والتعدي وأنكره الأجير الخاص، كانت البينة على المستأجر واليمين على الأجير.
ولو أن رجلاً اكترى جملاً ليحمل عليه حملاً فحمله المكاري فأُخِذَ الجمل في الطريق، ضمنه/254/ المكاري إلا أن يكون أَخْذُه بأمر غالب. قال السيد أبو طالب: والمراد به أن يكون الاكتراء تَعَيَّن في الحِمْل لا في الجَمَل.
وكذلك إن اكتراه على أن يحمل له دهنا في قارورة، أو سمنا في زق، فانكسرت القارورة، أو انخراقالزِّق فذهب ما كان فيهما، ضمن المكاري إلا أن يكون تخريق الزق لعيب فيه أو لرقته فإنه لا يضمن، على قياس قول يحيى عليه السلام. ويستحق الأجرة إلى الموضع الذي حمله إليه.(1/469)


وإذا تلف أو ذهب ما حمله المكاري أو الجمال قبل تسليمه إياه إلى صاحبه ضمنه، سواء تلف في منزل صاحبه أو في منزله أو في الطريق، وإذا حبسه ليستوفي أجرته فتلف عنده ضمنه إلا أن يكون بأمر غالب، وكذلك إن كان ما سلمه إلى المكاري أو الجمال حملاً بكيل أو وزن أو عدد فنقص، ضمن المكاري النقصان، إلا أن يكون النقصان في المكيل أو الموزن عن جفاف فلا يضمن ذلك.
قال أبو العباس: إذا قال القَصَّار لصاحب الثوب: احمل ثوبك، فقد قصرته، فلم يحمله حتى سُرِقَ أو أصابته آفة ضمنه القَصَّار.
ولو أن رجلاً دفع إلى مكار حملاً فدفعه هذا المكاري إلى مكار آخر فذهب أو ذهب منه شيء ضمنه المكاري الأول لصاحب الحمل، وضمن المكاري الثاني للمكاري الأول، فإن أنكر المكاري الثاني دَفْعَه إليه فعلى المكاري الأول البَيِّنة وعليه اليمين، وإن أنكره المكاري الأول فعلى صاحب الشيء البينة وعليه اليمين، ولا شيء على المكاري الثاني.
ولو أن رجلاً دفع إلى مكار طعاماً على أن يحمله بنصفه أو ثلثه، فَسُرِقَ في الطريق، ضمنه المكاري إلا مقدار حصته من كرائه إلى الموضع الذي سلم إليه.
ولو أن رجلاً دفع إلى حائك غزلاً لينسجه ثوباً، فلما نسجه ادعى على الحائك أنه أبدل الغزل، كان القول قول الحائك مع يمينه. ولو دفع رجل ثوباً إلى خياط فقطعه قبا. فقال صاحب الثوب: أمرتك أن تقطعه قميصاً. وقال الخياط: أمرتني أن أقطعه قبا، فالبينة على صاحب الثوب واليمين على الخياط.
ولو أن رجلاً دفع ثوباً إلى المنادي ليبيعه فضاع الثوب ضمنه المنادي.(1/470)


ولا فرق في وجوب الضمان على الصناع وغيرهم ممن يكون أجيراً مشتركا/255/ بين أن تكون الأجرة مسماة أو غير مسماة، وبين أن تكون الإجارة صحيحة أو فاسدة. ويضمن الصناع ما أفسدوه بفعلهم، نحو أن ينغل الدَّبَّاغ الأديم، أو يخرق الحداد الحديد، أو يكسر النجار الخشب، فإن كان الإفساد ذهب بأكثر من قيمة النصف، كان صاحب الشيء مخيراً بين أن يأخذ قيمته من الصانع صحيحاً ويسلم ذلك الشيء إليه، وبين أن يأخذه ويأخذ من الصانع قيمة النقصان، فإن كان ذهب بأقل من نصف قيمته، فليس له إلا أخذه وأخذ قيمة النقصان، وإن كان أفسده بحيث لاقيمة له أخذ منه القيمة، وإن كان الصانع أفسده بعد ما عمله واختار صاحب الشيء أخذه وألزم الصانع النقصان فله أجر عمله، وإن اختلفا في قيمته فالبينة على صاحب الشيء واليمين على الصانع.
والحمامي يضمن قيمة ما ذهب للناس في حمامه، وإن اختلفا في قيمته كانت البينة على صاحب الشيء واليمين على الحمامي، وكذلك القول إن اختلفا في عين ما ذهب.
ولو أن رجلاً استأجر ظئيراً على إرضاع صبي، فسقته ما يقتله، فإن تعمدت ذلك فعليها القَوَد، وإن كانت أخطأت فالدية على عاقلتها.(1/471)

94 / 168
ع
En
A+
A-