قال أبو العباس: لو استأجر رجل أرضاً ولم يسم ما يزرع فيها كانت الإجارة فاسدة. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه فيمن استأجر أرضاً بطعام معلوم، ولم تغل الأرض ذلك القدر: فالأجرة واجبة.
قال أبو العباس رحمه اللّه: إن استأجر بيتاً على أن يُقْعِد فيه قصاراً فأقعد حداداً، جاز ذلك إن كانت مضرتهما واحدة أو كانت مضرة الحداد دون مضرة القَصَّار، فإن كانت مضرة الحداد أكثر لم يجز.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: لو أجَّر رجل رجلاً بساتين بأجرة معلومة إلى مدة معلومة، وشرط عليه أن يردها إلى العمارة التي كانت عليها قديماً كانت الإجارة فاسدة.
قال أبو العباس: لا تجوز إجارة الأشجار، ولو أجر رجل أرضاً وفيها أشجار ولم يستثنها فسدت الإجارة.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: ولو أن رجلاً أجَّر ابناً له صغيراً أو مملوكا لابنه مدة معلومة فبلغ الابن قبل انقضاء مدة الإجارة، فإن اختار إتمام العمل إلى انقضاء المدة فَحَسَن، وإن لم يختر ذلك كان على الأب رَدُّ الأجرة لما بقي من المدة، فأما المملوك فيلزمه إتمام العمل إلى انقضاء مدة الإجارة.
قال أبو العباس رحمه اللّه: لا تجوز إجارة المصاحف للقراءةولا أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وتجوز الإجارة لسائر الكتب - سوى المصاحف - للقراءة.
قال أبو العباس: لو استأجر دابة ولم يبين ما يستأجرها له من حمل عليها أو ركوب، فسدت الإجارة، وإن استأجر عبداً على أن يخدمه صحت الإجارة.
قال رحمه اللّه: لا تجوزإجارة المشاع، على أصل يحيى عليه السلام.(1/462)
باب ما يجوز فسخ الإجارة لأجله وما لا يجوز
يجوز فسخ الإجارة لعذر، ولا يجوز لغير عذر، وإذا أجَّر رجل رجلاً أرضاً له أو داراً ثم باعها، فإن كان باعها عن ضرورة نحو دين يركبه ولا مال له سواها، أو لعجز عن نفقة أهله أو نفقة نفسه انفسخت الإجارة، وإن باعها لا عن ضرورة لم تنفسخ. ومن العذر أيضا: أن يكتري/250/ حانوتاً ثم يقعده - عن الحرفة التي احتاج إليه لأجلها، أو عن التجارة التي أراد أن يتجر فيها - عذرٌ من إفلاس أو غيره، أو يستأجر دابة ليسافر عليها، ثم يقعده عن السفر عذرٌ. وكذلك لو اكترى مَنْ يخدمه في بلده ثم خرج مسافراً كان ذلك عذراً في فسخ الإجارة.
ولو أن رجلاً استأجر من رجل دابة من موضع إلى موضع، ثم بان لهما أن الطريق مخوف لا يؤمن فيه على النفس والمال، كان لكل واحد منهما أن يفسخ الإجارة، وإن كان حملها إلى بعض الطريق كان على المستأجر قسط ذلك من الأجرة.
ولو أن رجلاً استأجر ظئيراًعلى إرضاع صبي مدة معلومة، فسقته الظئير شطراً من تلك المدة لبن السائمة كان له أن يفسخ الإجارة، وللظئير ثمن اللبن، وإن مرضت الظئير كان لكل واحد من المستأجر والظئير فسخ الإجارة.
وإذا اشترط المستأجر والمستأجر منه فسخ الإجارة متى شاءا صح الفسخ.
ولا تنفسخ الإجارة بموت المستأجر والمستأجر منه.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: لو أن رجلاً استأجر من رجل دابة إلى خراسان بأجرة معلومة ولم يسم الموضع، فلما وصل إلى أول خراسان طالبه بالكراء وامتنع من مجاوزته، كان عليه كراء المثل له.(1/463)
قال أبو العباس: إن أفلس المستأجر قبل توفير الأجرة كان صاحب الدابة بالخيار بين فسخ الإجارة وبين إمضائها، على أصل يحيى عليه السلام.
وإذا أجَّر عبداً له ثم أعتقه جاز العتق، وله الخيار بين فسخ الإجارة وبين إمضائها، على أصل يحيى عليه السلام.(1/464)
باب استحقاق الأجرة
الأجرة تستحق على المستأجر باستيفائه للمنافع دون عقد الإجارة، تخريجاً على نص يحيى عليه السلام. وكذلك الأجير والصانع يستحقان الأجرة بتسليم العمل، إلا أن يشترطا التعجيل، وسواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة في استحقاق الأجرة عند استيفاء المنافع وتسليم العمل.
وإذا سَلَّم رجل إلى صانع شيئاً يعمل فيه عملاً وعقد عليه عقداً فاسداً، فعمله استحق أجرة المثل، وكذلك/251/ إن لم يشارطه على الأجرة، فعمل المستأجر وسلم إليه العمل استحق أجرة المثل، وتسليم العمل يكون بمنزلة العقد الفاسد في هذا الباب.
وإذا أجَّرَ رجلٌ شيئاً إجارة فاسدة وسمى الأجرة، كان الْمُسْتَحق بعد تسليم العمل أو استيفاء المنافع من المعقود عليه أجرة المثل، على ما دل عليه كلام يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً دفع إلى رجل شيئاً وقال بعه فما زاد على كذا وكذا فهو بيني وبينك، كان هذا عقداً فاسداً، فإن باعه استحق أجرة المثل.
ولو أن رجلاً استأجر داراً مدة نحو شهر أو سنة وسكنها شهراً زائداً وجبت عليه أجرة الشهر الزائد على المدة، وكذلك إن لم يسكنها في الشهر الزائد، ولكن أغلق بابها ولم يسلمها إلى صاحبها، إلا أن يتعذر تسليمها لغيبة صاحبها. وكذلك إن اكترى حماراً يوماً أو يومين فحبسه شهراً وجب عليه كراء الشهر، إلا أن يكون حبسه لتعذر الرد، ومن عمل عملاً بأجرة، أو حمل شيئاً بأجرة من مكان إلى مكان كان له أن لا يسلمه إلى صاحبه حتى يستوفي الأجرة.(1/465)
ولو أن رجلاً استأجر من رجل جمالاً على أن يكون الكراء ما يكون لسائر الناس، ثم اختلفا في ذلك، واختلف الكراء كان له الوسط منه.
والإجارة الصحيحة إذا انفسختلعذر بعد انقضاء شطر منها وجبت الأجرة للمدة التي مضت بحسابها.
ولو أن رجلاً استأجر جملاً من المدينة على أن يسير بهإلى مكة، ويحمل منها إلى المدينة حملاً، فلما انتهى إلى مكة بدا له في ذلك، وامتنع أن يحمل لا لعذر، حكم عليه بالأجرة. وكذلك إن امتنع الْجَمَّال من الحمل لا لعذر حُكم عليه بالحمل.
قال أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه: من استأجر مسانهةفمرض شهراً، وجب على المستأجر أن يؤدي جميع أجرته لسنة واحدة، وإنلم يشترط المرض.
ولو أن رجلاً استأجر رجلاً على أن يحمل له كتاباً إلى إنسان ويحمل جوابه إليه، فحمل الكتاب إلى الموضع ولم يصادف ذلك الإنسان فسلمه إلى صاحب له أو لم يسلمه فإنه لا أجرة له، وكذلك إن سلمه إليه ولم يأخذ الجواب، أو ضاع الكتاب فلا أجرة له، وإن كان استأجره على إيصال الكتاب فقط اسْتَحَق الأجرة، وإن لم يحمل الجواب.
ولو أن رجلاً استأجر من رجل جملاً على أن يُحَمِّلَه حملاً إلى موضع معلوم بأجرة معلومة، فلما انتهى إلى بعض الطريق تركه الْجَمَّال ولم يحمله، وجب له على الجمال كراء /252/ حمله إلى الموضع الذي حمله إليه، وإن كان المكتري هو الذي تركه وجب عليه الكراء إلى الموضع.(1/466)