وإذا قال المشتري: اشتريتُ بعشرين ديناراً. وقال الشفيع: اشتريتَ بخمسة عشر ديناراً، فالقول قول المشتري والبينة على الشفيع، على ما نص عليه محمد بن يحيى، وعلى قياس قول يحيى عليه السلام. قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: فإن قال المشتري: اشتريت بعشرين، ودفعت خمسة عشر، ووهب لي البائع خمسة دنانير ، ولست أقبض إلا ما اشتريت به. فإن قامت البينة أن المشتري اشترى بعشرين ديناراً ثم حط البائع منها خمسة بالمماكسة، فللشفيع أن يأخذ بخمسة عشر، وإن شهد الشهود بأن المشتري نقد العشرين ثم وهب البائع له بعد القبض خمسة وجب على الشفيع توفير العشرين.
قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: قوله ثم حط البائع منها خمسة بالمماكسة. محمول على أن الثمن استقر على خمسة عشر؛ لأن الحط يلحق العقد عندنا كالزيادة، وقوله/246/: فإن شهد الشهود بأن المشتري نقد العشرين. محمول على أن الحط من الثمن لم يقع، وأن العقد إنبرم على العشرين، وذكر النقد عبارة عن هذا المعنى.(1/457)


باب ذكر أنواع الإجارات وما يصح منها ومايفسد
الإجارات كلها عقود على المنافع حقيقة وإن عُلِّقَت بالأعيان ، ثم تختلف، فمنها ما يكون على منافع الدور والعقار والأرضين، نحو أن يستأجر داراً للسكنى وحانوتاً للعمل والتجارة، ورحاً للطحن وأرضاً للزراعة وآلةً للعمل بها، نحو آلة القصَّارين والحدادين وسائر الصُّناع. ومنها ما يكون على منافع الحيوان، نحو أن يستأجر رجلاً ليعمل له عملاً كالخياطة والتجارة وما أشبه ذلك، أو جَمَلاً أو دابة للركوب وللحمل عليها، وإجارة جميع ذلك تصح على شروطها.
فالشرط في إجارة الدُّور ونحوها: أن يستأجرها بأجرة معلومة إلى مدة معلومة، وتكون المنافع التي تتناولها الإجارة معلومة على الجملة دون التفصيل، نحو أن يعلم أن الأرض استؤجرت لزرع نوع مما يزرع، أوللبنيان، والدار للسكنى، والرحا للطحن. فأما مقدار ما يزرع أو يبنى في الأرض، أو عدد من يسكن في الدار، وقدر ما يطحن في الرحا، فلا يجب أن يكون معلوماً. وإن دخلت الجهالة في هذه الشروط، نحو أن يجهل الأجرة أو المدة التي تنتهي إليها الإجارة، فسدت الإجارة.
قال أبو العباس رحمه اللّه: وإن كان المكترى داراً أو حانوتاً فلا يلزمه اشتراط ما يتصرف فيه، وتركه لا يفسد الإجارة؛ لأن الغرض المقصود فيهما السكنى، وهي لا تختلف، غير أنه ليس له أن يطحن فيهأو يدق ثياباً، ولا أن يكريه طحاناً ولا قصاراً ولا حداداً ولا دقاقاً، إلا أن يؤذن له في ذلك. وإن أذن له أن يكريه لم يكن له أن يكريه أهل هذه الصناعات، إلا أن يؤذن له في ذلك.(1/458)


وإذا كانت الإجارة إلى شهر كذا أو إلى سنة كذا كان انقضاء ذلك الشهر أو تلك السنة آخر منتهى مدتها، فتكون المدة معلومة.
وشرط صحة إجارة الحيوان: أن تكون الإجارة معلومة، والعمل معلوماً، وفي الدواب خصوصاً يجب أن تكون المنفعة معلومة من حملٍ عليها أو ركوب، والمسافة التي تعمل فيها معلومة، فإن استأجرها/247/ مدة نحو شهر أو سنة كانت المدة معلومة، وأول المدة إن ذُكِر جاز، وإن سُكِتَ عنه كان من حين عقد الإجارة، وأما آخر المدة فلا بد من ذكره.
وإذا استأجر رجل من رجل داراً مدة معلومة، نحو شهر أو سنة، لم يكن له أن ينقض الإجارة ويرد ذلك على صاحبه إلا لعذر، سواء وفر الكرا أو لم يوفره، فإن كان له عذر فيه جاز فسخ الإجارة، وليس لمن أجَّره أن يمنعه مما استأجره قبل انقضاء مدة الإجارة.
ولو أن رجلاً استأجر داراً مدة فانهدمت قبل انقضاء مدة الإجارة وجب على صاحبها إعادة بنائها ليتم سكنى المستأجر مدة الإجارة فإن كان معدماً انتقضت الإجارة، وإذا انقضت مدة الإجارة فلم يسلمها من صاحبها مع التمكن وجبت عليه الأجرة للمدة الزائدة التي سكنها فيها، وتكون هذه الإجارة أجرة المثل، فإن تعذر عليه تسليمها إلى صاحبهالعذر كغيبته أو نحو ذلك، وجب عليه أن يفرغها ويشهد على ذلك، فإذا فعل هذا لم تلزمه الأجرة.
قال القاسم عليه السلام: لا بأس بأن يستأجر الأرض بطعام معلوم من حنطة أو شعير أوغيرهما.(1/459)


ولو أن رجلاً إكترى من رجل جمالاً بأعيانها على أحمال بأعيانها ليحملها عليها، فتلفت الجمال، وجب على المكاري حملها إلى الموضع الذي اكترى إليه على جمال أخر يشتريها أو يكتريها؛ لأن الإجارة تعينت في الأحمال دون الجمال. فإن كان صاحب الجمال استأجر من يكري جماله ووكله بأن يكريها فأكراها لما يحمل عليها، ثم تلفت الجمال وجب عليه أن يشتري بدلها أو يكتري، كما يلزم صاحبها ليحمل الأحمال إلى الموضع الذي اكترى إليه، ويلزم ذلك من مال صاحب الجمال.
فإن استأجر الجمال بأعيانهاعلى أن يحمل عليها ما يحمل على مثلها ولم يعين الحمل، وقبضها المستأجر فتلفت، لم يجب على صاحب الجمال بدلها، على قياس قول يحيى عليه السلام.
فإن أجَّر رجل جمالاً معدودة على أن يحمل عليها وليست عنده تلك الجمال كانت الإجارة باطلة.
فإن استأجر رجل رجلاً على حمل أحمال له إلى موضع معلوم على جمال، وليس عند المكري تلك/248/ الجمال على أن يشتريها ويحمل عليها صحت الإجارة.
ولو أن رجلاً أكرى رجلاً جمالاً بأعيانها، ثم أكرى تلك الجمال بعينها رجلاً آخر كان المكتري الأول أحق بالجمال، فإن التبست الحال في تقَدُّم عقد الإجارة من واحد منهما كانت الجمال بينهما.
وإن استأجر رجل من رجل عبداً على أن يخدمه مدة معلومة فمرض العبد، أو أبق، أو مات لم يلزم صاحبه أن يبدله بآخر ويتحاسبان في الأجرة.
ولو أن رجلاً استأجر رجلاً على أن يحفر له بئراً حتى يخرج الماء كانت الأجرة فاسدة، وإناستأجره على حفر أذرع معلومة كانت الأجرة صحيحة.(1/460)


ولو أن رجلاً إكترى دابة على أن يحمل عليها أرطالاً معلومة، ولم يسم المحمول، صحت الإجارة، ويلزمه أن يحمل عليها ما لا يجفو على الدواب ولايُعْنِتُها.
ولو أن رجلاً دفع ثوباً إلى المنادي ليعرضه له على البيع على أن له درهماً واحداً إن باعه، ونصف درهم إن لم يبعه صحت هذه الإجارة.
ولو أن رجلاً إكترى جملاً على أن يحمل له الجمَّال عليه أرطالاً معلومة بأجرة معلومة من المدينة إلى مكة أو إلى جدة أو إلى عرفة كانت الإجارة صحيحة.
وإذا اكترى رجل شيئاً جاز له أن يكريه غيره إذا لم يتعد فيهما اكتراه له، وأَجَّرَه بمثل ما استأجره. وقال في (المنتخب) : لا يجوز أن يكريه غيره إلا أن يكون قد شرط على صاحبه أنه يكريه متى شاء.
وتجوز إجارة آلات الصَّاغة والحدادين والحاكة بأجرة معلومة إلى مدة معلومة، فإذا انقضت هذه الإجارة وجب على المستأجر ردها إلى صاحبها، إلا أن يكون اشترط على صاحبها أن يحملها، فإن اكترى هذه الآلات على أن يكون ما يعمل فيها بينه وبين صاحبها على نصف أو ثلث أو ربع كانت الإجارة فاسدة، فإن استعملها كان لصاحبها أجرة المثل.
ولو أن رجلاً دفع إلى رجل حديداً على أن يعمل له سكاكين بنصفه أو بثلثه أو بربعه أو جزء منه معلومجاز ذلك. قال أبو العباس: لابد أن يذكر عدد السكاكين وصفتها حتى تصح الإجارة؛ (لأن العمل يكون مجهولاً وإذا كان العمل مجهولاً كانت الإجارة مجهولة)، وكذلك لو استأجره على حمل طعام بربعه، أو ثلث أو جزء منه معلوم جاز ذلك.(1/461)

92 / 168
ع
En
A+
A-