قال أبو العباس: إذا كان البائع قد قبض ثمن المبيع من المشتري ولم يتسلم المبيع منه وهو في يده، فإن الشفيع يأخذه من يد البائع ويوفر عليه الثمن، ويرجع المشتري على البائع بالثمن الذي قبضه من الشفيع، فإن كان البائع لم يقبض منه الثمن فهو للبائع. قال رحمه اللّه: وللبائع أن يمتنع من تسليم المبيع من الشفيع إذا لم يكن قبض ثمنه حتى يقبضه/243/.
وقال: للشفيع من خيار الرؤية فيما أخذ، ومن الرد بالعيب مثل ما للمشتري.
وقال: البيع الفاسد لا تستحق به الشفعة.(1/452)


باب ما يبطل الشفعة وما لا يبطلها
إذا حضر الشفيع عقد البيع بين البائع والمشتري وعرف ذلك ولم يطلب الشفعة، بطلت شفعته، فإن أعرض عن طلبها لخوف من ظالم لا يأمنه لم تبطل بذلك شفعته، فإن جهل أَنَّ تَرْك طلبِها يبطل شفعته لم تبطل. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: هذا محمول على من لم يعلم أن حق الشفعة مشروع في الإسلام، بأن يكون قريب العهد به.
فإن كان الشفيع غائباً عن الموضع الذي وقع فيه البيع أشهد على مطالبته بالشفعة، ويبعث من يطلب له بالشفعة. قال أبو العباس: لا يكفيه الإشهاد على طلبه الشفعة حتى يوكِّل من ينوب عنه في ذلك.
قال رحمه اللّه: إذا رافع المشتري إلى الحاكم مرة ثبتت شفعته، ولم يبطلها ترك المرافعة من بعد، وإذا ثبت عند الحاكم إعدام الشفيع وأنه لا وفاء عنده بثمن المبيع لم يحكم له بالشفعة، ويؤجل الشفيع بالثمن إلى ثلاثة أيام أو زيادة، على قدر ما يراه من الصلاح، فإن لم يوفر الشفيع الثمن بعد الأجل بطلت شفعته، وإذا طالب الشفيع المشتري بالشفعة فقال له المشتري: احضر الثمن لأسلم إليك المبيع، فغاب ولم يحمل الثمن كان على شفعته. وقال في (الفنون) : إذا فرط في إحضار الثمن بطلت شفعته ولم يَحُدّ في ذلك حداً.
قال أبو العباس: إذا كان الشفيع قد طالب المشتري بالشفعة، فتَرْكُ الإشهاد على ذلك لا يبطلها، وإنما يحتاج إلى الإشهاد ليثبت الطلب إن أنكره المشتري. قال: وإذا ادعى المشتري عليه أنه ترك الطلب بعد العلم به، وجب عليه تحليفه، ولا يجب أن يحلف حتى يروم المشتري ذلك.(1/453)


والشفيع إذا حضر لطلب الشفعة، فعليه أن يطالب المشتري دون البائع، فإن طالب البائع وعدل عن المشتري بطلت شفعته. قال أبو العباس: المراد به إذا كان المبيع في يد المشتري وقد سلمه البائع إليه.
والشفعة تورث/244/ إذا لم يكن الموروث عنه قد سلمها وكان قد طلبها، وإذا سلم أبو الصبي أو وليه شفعته ولم يطلباها، فإن كانا تركاها لحظ الصبي وغبطته، أو عدم ماله، بطلت شفعته، وليس له أن يطالب بها إذا بلغ، فإن سلماها بغير ذلك، كان الصبي على شفعته يطالب بها إذا بلغ، فإن طالب الصبي بعد بلوغه بالشفعة وادعى المشتري أن أباه أو وصيه سلماها لغبطته أو لعدم الثمن فعليه البينة، فإن لم يكن له بينة وطلب يمين الطالب بالشفعة أنه لا يعلم ذلك فعليه اليمين.
ولو قال الشفيع: سلمت شفعتي قبل انعقاد البيع، كان على شفعته بعد انعقاده، ولم يكن ذلك تسليماً منه.
ولا يجوز للشفيع بيع الشفعة ولا هبتها ولا أخذ الجعل عليها مصالحة، فإن فعل ذلك بطلت شفعته، على أصل يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلاً باع من رجل أرضاً أو داراً وللغير فيها شفعة، ثم استقال البائع المشتري فيها فأقاله، لم يمنع ذلك من ثبوت الشفعة للشفيع ويكون هو الأولى بها.
قال في (الأحكام) : لا يجوز لصاحب الدار وقد علم بطلب الشفيع للشفعة أن يستقيل المشتري فيها ولا للمشتري أن يقيله.
ولو أن رجلاً باع شيئاً للغير فيه شفعة بثمن استغلاه الشفيع فترك الشفعة، ثم حط البائع عن المشتري بعض ذلك كان للشفيع أن يأخذه بذلك الثمن بعد الحط.(1/454)


فإن باع حائطاً واستثنى منه شيئاً فسلم الشفيع الشفعة ثم باع الكل كان على شفعته، فإن باع البعض فسلم الشفعة ثم باع الكل كان على شفعته، وعلى هذا إذا أخبر بأنه باع النصف فسلم الشفعة ثم أخبر بأنه باع الكل كان على شفعته.
ومن باع شيئاً وجعل فيه لنفسه الخيار فيه لم يكن للشفيع أن يطالب بالشفعة حتى تنقضي مدة الخيار أو يختار إمضاء البيع. وكذلك إن كان الخيار للبائع والمشتري جميعاً، فإن كان الخيار للمشتري لم يمنع ذلك من حق الشفعة وكان للشفيع أن يطالب بها.
وإن مات المشتري قبل أن يعلم الشفيع بالبيع كانت الشفعة واجبة له في المبيع، وإن كان ورثة المشتري قد اقتسموه.
وإذا قال الشفيع للمشتري: بع مني هذا الذي استحققت فيه الشفعة، أو هِبْه لي. بطلت شفعته، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإذا كانت أرض بين رجلين فباع أحدهما نصيبه من أجنبي من غير علم شريكه، ثم أن شريكه باع أيضا نصيبه من آخر، ثم علم أن شريكه قد كان باعه لم يكن له شفعة على المشتري من شريكه ولا لمن ابتاع منه.(1/455)


باب اختلاف الشفيع والمشتري
قال أبو العباس: لو أن رجلاً اشترى شيئاً للغير فيه شفعة وأقر بالشراء، ثم إنه عند مطالبة الشفيع بحق الشفعة قال: هو لفلان الحاضر، وصدقه عليه ولم يدفعه فلان، كان عليه تسليم المبيع بالشفعة.
قال رحمه اللّه: لو أن رجلاً اشترى أرضاً وعلم الشفيع ذلك ولم يطلب الشفعة حيناً ثم طلبها. فقال المشتري: هو لابني الصغير اشتريتها بماله أو لفلان الكبير وكذبه الشفيع. وقال: بل اشتريتَه لنفسك، ثبت له الشفعة على المقر له الكبير أو على الابن الصغير وله أن يطالبه بها. فإن قامت البينة على أنه كان اشتراها لمن أقر له أو صدقه الشفيع عليه بطلت الشفعة.
وإذا قال المشتري للشفيع: الدار التي تطلب الشفعة بها ليست لك، وإنما أنت ساكن فيها، فالبينة على الشفيع، على أصل يحيى عليه السلام.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: وإذا ادعا الشفيع على المشتري أنه زاد في الثمن فعليه البينة، وإن لم يكن له بينة اسْتُحلف له المشتري.(1/456)

91 / 168
ع
En
A+
A-