وإذا اشترك جماعة في شراء دار أو ضيعة ولها شفيع فله أن يأخذ جميع المبتاع بالشفعة، وله أن يسمح بحقه من الشفعة لبعضهم فيسلمها له/240/ ويطالب الباقين بحقه منها، فإن كان المشتري رجلاً واحداً فليس للشفيع إلا أخذ المبيعأو رد الجميع.
قال أبو العباس رحمه اللّه: إن اشترى رجلٌ من رجلين شقصاً في دار أو ضيعة صفقةً واحدة لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما دون الآخر، إما أن يأخذ النصيبين أو يتركهما. قال رحمه اللّه: فإن طالب بنصيب أحدهما دون الآخر بطلت شفعته.
وكل مِصْرٍ مَصَّرهالمسلمون فليس ليهودي ولا لنصراني فيه شفعة، فإن كان المصر مَصَّره الكفار كان لبعضهم فيه شفعة على بعض، ولا شفعة لهم على المسلمين فيه.
وقال في (المنتخب) : لليهود والنصارى الشفعة على المسلمين إلا في أرض يجب في غلتها العشر، ولبعضهم على بعض الشفعة على الإطلاق.
وإذا بيعت أرض بأرض أو دار بدار وكان لها شفيع، حكم له بالأرض أو الدار التي له فيها شفعة، ويلزمه أن يوفر على المشتري قيمة الدار التي اشترى بها الدار التي استُحقت الشفعة فيها وعورض بها، وكذلك إن قام في كل واحدة منها شفيع حكم له بما استُحق الشفعة فيه، وحكم عليه للمشتري الذي يأخذها منه بقيمة العوض الذي أعطاه، والقيمة قيمته يوم عقد البيع.
قال أبو العباس: إذا باع رجل أرضاً وماؤها يجري في نهر وعلى ذلك النهر رحا أو مدقة لرجل، كانت لصاحب الرحا أو المدقة الشفعة فيها، فإن كان البائع استثنى النهر والنهر لصاحب الأرض فلا شفعة فيها.(1/447)


والصغير والكبير والأجنبي والغريب والحاضر والغائب سواء في استحقاق الشفعة، وكذلك الذكور والإناث.
ولو أن رجلاً دفع إلى رجل ألف دينار مضاربة فاشترى المضارب حائطاً يساوي بعد شرائه له ألفاً ومائة، فبيع إلى جنبه حائط آخر، فأراد المضارب أخذه بالشفعة، كان له ذلك، فإن كان الحائط الذي اشتراه يساوي ألفاً أو دونه كانت الشفعة فيه لرب المال دون الْمُضَارِب، فإن كانت المضاربة فاسدة فالشفعة تكون لرب المال دون المضارب على الوجوه كلها، على أصل يحيى عليه السلام.(1/448)


باب كيفية أخذ الشفيع لما استحق فيه الشفعة من المبيع
من له الشفعة في شيء لا يجوز له أخذه من يد المشتري إلا برضاه أو بحكم حاكم إذا امتنع من تسليمه، وإذا حكم الحاكم له به فله أخذه من يد من يجده في يده بائعاً كان أومشترياً، وما يلحق الشفيع من الدركفعهدته، وكتب الكاتب له على من أخذ المبيع منه ووفرالثمن عليه من البائع والمشتري. والشفيع إذا أراد أخذ المبيع من يد المشتري يحضر البائع إحتياطاً لئلا ينكر البيع.
وإذا اشترى رجل شيئاً لغيره فيه شفعة بثمن مؤجل وطالب الشفيع بالشفعة لزمه ثمنه معجلاً. وقال في (الفنون) : عليه ثمنه مؤجلاً.
ويجب على الشفيع الثمن الذي اشترى به المشتري ما له فيه شفعة، فإن كان من ذوات الأمثال كالدراهم والدنانير وما يكال ويوزن وجب عليه أن يوفر مثله، وإن لم يكن من ذوات الأمثال وجب عليه أن يوفر قيمته.
ولو أن رجلاً اشترى داراً بمائة دينار أو أقل أو أكثر، وأخذ من أبوابها وأشجارها ما قيمته خمسون ديناراً أو أقل أو أكثر، أو اشترى نخيلاً فيه تمر فأخذ من تمره، أو بستاناً فيه ثمار، أو أرضاً فيها زرع، فأخذ الثمار أو الزَّرع، ثم جاء الشفيع، فعليه أن يوفر الباقي من ثمن المبيع بعد حط ثمن ما استهلكه المشتري منه، فإذا كان ثمن المبيع مائة دينار وثمن المستهلك خمسون ديناراً، فعلى الشفيع خمسون ديناراً.(1/449)


فإن كان تلف من المبيع شيء من غير تصرف المشتري فيه أو جناية منه، نحو أن يتلف بالحريق أو الريح أو السيل فإن الشفيع يكون مخيراً إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء ترك شفعته، فإن كان الذي استهلك ذلك المستهلك غير المشتري من غاصب أو غيره، كان حكمه حكم ما تلف بآفة، في أن الشفيع يأخذه بجميع الثمن إن أراد أخْذَه، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وكذلك إن أخذ المشتري من المستهلك قيمة ما استهلكه أخذه الشفيع بحصته من الثمن، على أصل يحيى عليه السلام، وما ذكره في الثمار والزرع محمول على أن المشتري شَرَطَ دخولها في البيع، واشترى الأصول معها، وإن كان البيع لا ثمر فيه حين اشتراه المشتري ثم أثمر بعد ذلك، أو لازرع فيه ثم حدث الزرع فاستهلكه المشتري، وجب على الشفيع إذا طلب الشفعة أخذه بجميع الثمن.
فإن جاء الشفيع والثِّمار قائمة/242/ وكذلك الزرع، فالشفيع يكون أولى بالثمرة والزرع، ويغرم للمشتري ما غرم في ذلك.
وإن اشترى بستاناً وغرس فيه غروساً وبنى أبنية وعلم أن له شفيعاً مطالباً، حُكِمَ للشفيع به وحُكِمَ عليه بقلع غرسه وبنائه، فإن لم يعلم ذلك حُكِمَ للشفيع به وحكم عليه بقيمة الغرس والبناء للمشتري يوم استحق المبيع بالشفعة، وإن علم أن له شفيعاً ولكن لم يعلم أنه يطلب بالشفعة، وعلم الشفيع بالمبيع بعد أن بنى وغرس فطلبها حينئذ، فالأقرب على أصل يحيى عليه السلام أن الشفيع يلزمه قيمة ذلك.(1/450)


وكان أبو العباس الحسني رحمه اللّه يحمل قول الهادي عليه السلام: إن المشتري إذا لم يعلم أن فيها شفعة يحكم له بقيمة البناء. عَلى أن المشتري كان جاهلاً بحكم الشريعة في استحقاق المبيع بالشفعة، فإن كان المشتري بنى فيه ما لا ينتفع به، لم يلزم الشفيع قيمته على وجه من والوجوه.
ولو أن رجلاً اشترى داراً بألف درهم وباعها بألف ومائة، ثم باعها المشتري الثاني بألف ومأتين، ثم باعها الثالث بألف وثلثمائة، ثم جاء الشفيع؛ فإنه يحكم له بالدار، وعليه أن يخرج إلى المشتري ما وقع عليه الشراء الأول وهو ألف درهم، ويرجع المشتري الأخير وهو الرابع على الثالث بثلثمائة درهم، ويرجع الثالث على الثاني بمأتين، ويرجع الثاني على الأول بمائة، وهكذا لو تنوسخ ذلك وكثر المشترون.
فإن كان البائع الأول باع ذلك وفيه ثمر فاستهلكه المشتري الأول، فإن الشفيع يحط عن ثمنه الذي يخرجه إلى المشتري الأخير حصته من ثمن المستهلك، ويرجع المشتري على بائعه به إن كان اشتراه بمثل ما اشتراه الأول، وكذلك إن باع منه بعضاً.
وإذا باع رجل أرضاً أو داراً ولم يقبض من المشتري ثمنها، وجاء الشفيع فطلب الشفعة لم يكن للمشتري أن يمتنع من توفير ثمن ما اشتراه على البائع، وكان الثمن لازماً له.(1/451)

90 / 168
ع
En
A+
A-