ولو أن رجلاً دفع إلى عبد غير مأذون له في التجارة مالاً، فاتجر فيه وربح، كان الربح لصاحب المال، وكان عليه أجرة المثل، فإن تلف المال في يد العبد لم يضمنه مولاه ويلزمه ذلك في ذمة العبد يطالب به إذا عتق. قال أبو العباس رحمه اللّه: إن علم أنه غير مأذون له/234/ فأتلفه لم يضمنه المولى ولا العبد.
وقال: العبد المأذون له في التجارة يجوز أن يبيع بالدَّين والنقد وأن يوكِّل ويرهن ويرتهن ويبيع من مولاه إذا كان عليه دين كما يبيع المضارب من رب المال ولا يسافر بالمال في بر ولا بحر. قال: وإذا كانت تجارةفي بر أو بحر أو مصر كان للناس أن يبايعوه. قال: وليس له أن يدخل في كفالة الغير بمال أو بدن، وليس له أن يقرض، وإن تلف شيء على يده لم يتبع به، وإنما يؤخذ مولاه ببيعه وبيع ما في يده. قال: فإن أبا هو بيعه باعه الحاكم إذا كان قد أقر بإذنه له في التجارة، وهوقياس قول يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: يجوز أن يبيع المولى ما في يد العبد المأذون له إذا لم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين لم يصح بيعه له. قال: ولا يكون بيعه ما في يده حجراً عليه.
قال: ولو مات العبد قبل قضاء الدين بطل الدين، على أصل الهادي عليه السلام؛ لأنه في رقبته.
قال رحمه اللّه: ولو حجر على عبده بعد الإذن سراً لم يصح ذلك، ولم يصر به محجوراً، على أصل يحيى عليه السلام، ولابد من أن يشهره عند الناس بفعله أو بفعل غيره.
وإذا باع رجل عبداً وعليه دين فالدين في ثمنه، وعلى البائع قضاؤه.(1/437)


وقال يحيى في (الفنون) : لو رهن عبد - غير مأذون له في التجارة - ثوباً أو باعه بعشرة دراهم، ولم يعلم المشتري ولا المرتهن حاله في الإذن، كان على سيده فكاك الرهن وثمن الثوب يغرمه لمن اشتراه إن أراده. قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: هذه المسألة محمولة عند أصحابنا على أن العبد كان مأذوناً له في الأصل، ورفع مولاه عنه الإذن بالحجر الشهير، فصار غير مأذون له، إلا أن المرتهن والمشتري لم يكن بلغهما ذلك ولم يعلما أنه عاد غير مأذون له.
والصبي إذا أذن له أبوه أو وليه أو وصي أبيه في التجارة، كانت حاله كحال العبد المأذون له في التجارة، فإن أتلفذلك المال لزمه ضمان ما أتلفه في ماله، ومن دفع إلى صبي غير مأذون له - في التجارة - مالاً فتلف على يده، فلا ضمان عليه. قال أبو العباس: وكذلك الوديعة وكذلك العارية. قال: والمأذون له من الصبيان/235/ لا ضمان عليه في الوديعة، وكذلك في العارية، إلا أن يشترط عليه الضمان في العارية فيضمن إذا اشترطه وهو مأذون له. قال: فإن كانت العارية دنانير أو دراهم ضمنها، شَرَطَ الضمان أو لم يشرط؛ لأن إعارتها تكون قرضاً أبداً.(1/438)


باب السَّلَم
صحة السلم مشروطة بشروط، منها: أن يقول الْمُسْلِم للمسلَم إليه: أسلمت إليك كذا - فيذكر شيئاً معلوماً من نقد أو عرض أو مكيل أو موزون - في كذا، فيذكر جنس الْمُسْلَم فيه، ونوعه، وصفته، نحو أن يقول: في حنطة بيضاء أو حمراء، نقية، أو في تمر برني أو معقلي أو لازاذاني أو صيحاني، وأن لا يكون حشفاً، ويذكر مقداره في كيل أو وزن أو عدد، وأن يذكر الوقت الذي يحل فيه السَّلَم، والمكان الذي يُسْلِمه فيه.
فإذا حصلت الشروط التي ذكرناها صح السَّلَم، إن كان الْمُسْلَم فيه مما يصح فيه السَّلَم، فإن نَقَصَ منها شيء كان باطلاً، إلا أن يذكراه قبل تفرقهما فيكون صحيحاً. ولا يجوز أن يفترق الْمُسْلِم والْمُسْلَم إليه حتى يقبض الْمُسْلَم إليه رأس المال، وإن تفرقا قبل ذلك بطل السَّلم.
وإذا أسلم رجل إلى رجل سلماً فاسداً وأراد أن يرتجع رأس المال وقد استهلكه المسلم إليه، كان له عليه نقد مثل نقده الذي وزنه كالعين والوَرِق، وكذلك ما كان من ذوات الأمثال كالمكيل والموزون، وإن كان من ذوات القيم كالعروض والحيوان فعليه قيمته. قال أبو العباس: تلزمه قيمته يوم قَبَضَه لا يوم استهلكه كالمغصوب، فإن أرادا تجديد السَّلم على الصحة جدداه بعد أن يقبض المسلم من المسلم إليه ماله ويعطيه ثانياً.
فإن اختلفا في قيمة رأس المال كانت البينة على الْمُسْلِم واليمين على الْمُسْلَم إليه، وإن كان رأس المال نقداً فوجد فيه المسلم إليه ردياً فأبدله المسلم قبل التفرق صح السلم.(1/439)


وإذا كان لرجل على رجل دين أوله عنده وديعة لم يجز له أن يجعل الدين سَلَماً فيسلمه إليه في شيء، إلا بعد أن يقبضه ثم يعطيه ثانياً، وكذلك الوديعة. قال أبو العباس: إن كانت الوديعة حاضرة المجلس جاز أن يجعلها سلماً وإلا لم يجز. ولو كان لرجل على رجل عشرة/236/ دنانير فدفع إليه عشرة أخرى وجعل الجميع سلماً عنده صح السلم بالعشرة التي نقدها ولم يصح بالعشرة التي في الذمة.
ويجوز أن تسلم أشياء مختلفة في شيء واحد، نحو أن يسلم عرضاً مع حيوان أو نقداً مع طعام أو غير ذلك.
قال أبو العباس: لو أسلم دراهم في جنسين جاز وإن لم يبين رأس مال كل واحد منهما.
ويجوز أن يسلم ما يكال فيما يوزن وما يوزن فيما يكال، ولا يجوز أن يُسْلِم ما يكال فيما يكال، ولا ما يوزن فيما يوزن غير الذهب والفضة، فإنهما يجوز أن يسلما في الموزونات.
ولا يجوز السلم في الحيوان ولا في غيره مما يَعْظُم تفاوته، ولا يمكن ضبطه بالصِّفة. ولا يجوز السلم في الجواهر واللآلي والفصوص، على أصل يحيى عليه السلام.
وإذا أسلم فيما يوجد عند حلول الأجل جاز السلم، وإن لم يكن موجوداً في حال العقد. ويجوز السلم في الفواكه الرطبة واليابسة إذا كانت مضبوطة بالوزن والصفة، وكان أجله إلى الوقت الذي توجد فيه.
ويجوز السلم في البُسُط والثياب والأكسية وغيرها مما لا يعظم التفاوت فيه، بعد أن يوصف بصفة معروفة بَيِّنَة من الجنس والطول والعرض والرقة والغلظ، وكل مالا تختلف فيه القيمة.(1/440)


ويجوز السلم في الألبان والأدهان ولا بد فيها من ذكر الجنس والصفة، من كون اللبن لبن بقر أو غنم أو إبل وكونه حليباً أو غير ذلك، وكون الدهن حديثاً أو عتيقاً، فإن كان زيتا فكونه مغسولا أو غير مغسول، فإن كان سمناً وصفه أيضا بأنه سمن بقر أوضأن حديث أو عتيق.
وكذلك يجوز السلم في الخل ويذكر جنسه وصفته، فيقال: خل خمر أو خل تمر حديث أو عتيق. ويجوز السلم في اللحم والشواء إذا كانا موصوفين بصفة معروفة بَيِّنَة مذكورين بالوزن. وكذلك يجوز السلم في الروؤس بالوزن، ولا فرق في ذلك بين نَيِّها ومشويها، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ويجوز السلم في البيض والجوز والحطب والخشب والقصب وسائر مالا يكال ولا يوزن، كالبقول ونحوها بالوزن دون العدد والحِزَم. ويجوز السلم في الآجُر واللِّبْن إذا تبين مقداره ولا يوزن، على قياس قول يحيى عليه السلام/237/.
ولا يجوز أن يشرط في شيء مما يسلم فيه بقعة بعينها، فيقال: تمر نخيل بعينها، أوحنطة مزرعة بعينها، أو فواكه بستان بعينه، أو حيوان بعينه، أو يقال: لبن حيوان بعينه أو سمنه، أو عمل رجل بعينه، فيقال: ثياب من نسج رجل بعينه، أو ما نُسِجَ في محلة بعينها، أو يقال في الأبريسم: من صنعة رجل بعينه. ولا يجوز أن يشترط في شيء منه خَيْر ما يكون من ذلك ولا الأدنى، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/441)

88 / 168
ع
En
A+
A-