باب بيع المرابحة
بيع المرابحة جائز، وصورته: أن يكون البائع للشيء قد اشتراه بعشرة دراهم، فيقول للمشتري: قد بعت منك هذا الشيء برأس مالي وهو عشرة دراهم وزيادة درهم. أو يكون قد اشتراه بمائة درهم، فيقول له: قد بعته منك برأس مالي وزيادة درهم في كل عشرة. فإن قال: برأس مالي وزيادة كذا، ولم يذكر مبلغ رأس المال كان البيع فاسداً، على قياس قول يحيى عليه السلام.
ومن اشترى شيئاً ثم باعه ثم اشتراه ثانياً بأكثر من ثمنه الأول وزاد فيه رغبة فيه، لم يجز بيعه مرابحة على الثمن الثاني، وإنما يجوز بيعه مساومة أو مرابحة على الثمن الأول. قال أبو العباس: وإن اشترى شيئاً بأكثر من قيمته رغبة فيه لم يجز بيعه مرابحة، على أصل يحيى عليه السلام.
ولو أن رجلين اشتركا في شراء سلعة بخمسين ديناراً، فاسترخصاها فتقاوماها بينهما بستين ديناراً، واشترى أحدهما نصيب الآخر بثلاثين ديناراً، لم يجز أن يبيعها مرابحة على ستين ديناراً، وإنما يجوز أن يبيعها عل خمسة وخمسين ديناراً.
ولو أن رجلاً اشترى بقرة فعلفها وحلبها مثل قيمتها جاز له أن يبيعها مرابحة إن علم المشتري أن مثلها يحلب، وعلى هذا إن اشترى أرضاً فاستغلها أو أشجاراً فتناول ثمارها بعد أن حصلت في يده جاز له أن يبيع ذلك مرابحة، فإن اشترى جارية حُبْلَى فولدت عنده، أوسائمة فَنَتَجتعنده واستهلك الولد، فإنه لا يبيع الأصل مرابحة حتى يُبَيِّن لمن يشتريه حال الولد، وكذلك إن اشترى الأصل مع الفائدة، لم يجز أن يبيع الأصل دونها مرابحة، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/427)
ولا يجوز بيع الثياب على الرقوممرابحة، إلا أن يكون الرقم صحيحاً معلوماً للبائع والمشتري، فإن ضَمَّ البائع إلى الثمن ما لزمه للقِصَارةوأجرة البيع وما يجري مجرى ذلك في الرقم وبيَّنه للمشتري جاز.
ومن اشترى ثوباً بعشرة دراهم وباعه باثني عشر درهماً ثم اشتراه بعشرته جاز له أن يبيعه مرابحة على عشرة، على قياس قول يحيى عليه السلام.
وإذا/229/ علم المشتري أن البائع قد خان في بيع المرابحة، فله الخيار بين أن يرضى به وبين أن يفسخ البيع، على قياس قول يحيى عليه السلام.
فإن تلفت السلعة في يد المشتري كان له الرجوع على البائع بقدر الخيانة، ويجب حطه عن الثمن، على قياس قول يحيى عليه السلام.
قال زيد بن علي عليهما السلام في (مجموع الفقه) فيمن اشترى سلعة بثمن مؤجل: لا يجوز له أن يبيعها مرابحة على ثمن مُعَجَّل.(1/428)
باب الصرف
الصرف إما أن يقع على جنس واحد كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، أو في جنسين مختلفين كالذهب والفضة يباع أحدهما بالآخر.
ومن شرط صحة الصرف في جنس واحد: المماثلة والتساوي، سواء كانا مضروبينأو غير مضروبين، أو أحدهما مضروب والآخر غير مضروب، أو صحيحين أو مكسورين، أو أحدهما مكسور والآخر صحيح، أو كانا جَيِّدين في الجنس أو رَدِيَّيْن، أو أحدهما ردئ والآخر جَيِّد، ومتى حصلت الزيادة في أحدهما أو فقد العلم بالتساوي بأن يكونا جزافين أو أحدهما جزاف والآخر موزون بطل الصرف.
وإذا كان الصرف في جنسين مختلفين فلا بأس بالزيادة، ويصح العقد مع فقد العلم بالتساوي.
ومن شرط صحة الصرف في جنس واحد وفي الجنسين المختلفين التقابض في المجلس، فإن افترق المتصارفان قبل التقابض في المجلسأو عند نَقْد أحدهما دون الآخر بطل الصرف، والاعتبار في التقابض بأن لا يفترقا عن المجلس قبل التَّنَاقد، فإن تقدم العقد ولم ينقد كل واحد منهما الآخر تمام حقه، ثم نقد قبل التفرق صح عقد الصرف.
والذهب بالذهب لا يجوز إلا مثلا بمثل يداً بيد سواء في ذلك تبرهودنانيره وجيِّده ورديه، والفضة بالفضة لا تجوز إلا مثلاً بمثل يداً بيد، سواء في ذلك نُقْرَتهاودراهمها، وصحاحها ومكسرها ورديها وجيدها.
ولا يجوز بيع الذهب بالذهب جزافاً، ولا بيع الفضة بالفضة جزافاً.(1/429)
ويجوز صرف الذهب بالفضة متفاضلاً، ومثلاً بمثل يداً بيد ولا يجوز نسأ، ويجوز بيع دينارين صحيحين بدينارين أحدهما صحيح والآخر مكسور/230/، وبيع دينارين نيسابوريين بدينار عتيق ودينار طري، على مقتضى نص القاسم ويحيى عليهما السلام.
ولو أن رجلاً كان معه دنانير وأراد أن يصرفها بالدراهم، فلم يحضر عند صاحب الدراهم تمام قيمتها لم يصح الصرف إلا في مقدار ما يحضر، والزائد من الدنانير إما أن يسترجعه صاحبه أو يتركه عند صاحب الدراهم قرضاً أو وديعة، فإن استقرض صاحبالدراهم تمامها وأوفاه جميع حقه قبل أن يفترقا، صح الصرف وتم.
ولا يجوز للمتصارفين أن يتفرقا إلا بعد أن يستوفي كل واحد منهما من صاحبه حقه. ولو تعاقدا على الصرف ولم يحضر تمام ما تعاقدا عليه صح الصرف فيما حضر، إذا استوفا كل واحد منهما حقه قبل التفرق، على مقتضى نص يحيى عليه السلام.
ولا يجوز أن يشتري تراب معادن الذهب بالذهب، ولا تراب معادن الفضة بالفضة. ولو أن رجلاً اشترى تراب معادن الذهب بالفضة أو تراب معادن الفضة بالذهب كان المشتري والبائع بالخيار عند تبين ما يخرج منه، فمن شاء منهما أن يفسخ البيع فسخه، وإن اختارا إمضاءه أمضياه؛ لأن البيع وقع في الأصل فاسداً غرراً، ومن باع بيعاً فاسداً كان البائع والمشتري بالخيار فيه.
فإن اختلط تراب معادن الذهب وترابمعادن الفضة بعضه ببعض جاز أن يشترى ذلك بذهب أو فضة إذا علم أن المشتَرَى به من ذهب أو فضة أكثر مما في التراب من جنسه، فإن لم يعلم ذلك لم يجز بيعه بذهب ولا فضة، على قياس قول يحيى عليه السلام.(1/430)
ومن أراد أن يصرف ذهباً في ذهب، لم يجز أن يدخل فيما بينهما فضة دون قيمته، فيتوصل بذلك إلى تحصيل الزيادة، وكذلك إذا أراد أن يصرف فضة في فضة، وإنما الجائز أن يصرف الذهب بالفضة صرفاً صحيحاً يتراضيان بالتفرق عليه ويتقابضان، ثم يصرف ذلك الذهب بالفضة صرفاً مستأنفاً، ومن أصحابنا من حمل ذلك على الكراهة دون فساد الصرف، إلا أن لفظ يحيى يمنع من هذا التأويل.
ولو اشترى رجل من رجل دراهم على أنها جَيِّدة، فوجد فيها رديئا لكان الواجب له على البائع أن يبدل الرديء بالجيد، ولا ينتقض الصرف من أصله، ولا يكون لكل واحد منهما أن/231/ ينقض الصرف، وكذلك القول في الدنانير.
وإذا اشترى رجل من رجل دنانير بدراهم، وشرط على البائع أن يرد ما يجد فيها من الرديء جاز ذلك، إذا نَقَد كل واحد منهما صاحبه ما صارفه عليه. ولو أن رجلاً دفع إلى رجل ديناراً واشترى ببعض ذلك الدينار منه ذهباً مِثْلاً بمثل وببعضه دراهم جاز ذلك.
ولو أن رجلاً اشترى من رجل دراهم بدنانير فأعطاه في جملة الدراهم مُكَحَّلَةانتقص الصرف بمقدار ما فيها من الكُحْلِ، إلا أن يبدلها بالجيد قبل التَّفَرق فيصح، فإن نقص المشتري الكحل منتلك الدراهم المكحلة، وكان لذلك الكحل قيمةً ضَمِنَ المشتري قيمته، وإن كان مما لا قيمة له لم يضمن شيئاً. قال أبو العباس: فإن كانت مُزَبَّقَةانتقص الصرف إذا تفرقا بقدر المزبق نفسه، وفَصَلَ بينه وبين المكحلة.(1/431)