قال أبو العباس رحمه اللّه: ولو أن البائع وطئ الجارية التي باعها قبل تسليمها من المشتري، لم يكن له أن يلزمها إياه - يعني المشتري -. وإن علم المشتري بالعيب ووطئ الجارية بعد الوقوف عليه، فقد رضي به ولا شيء له على البائع. قال أبو العباس: إذا كان الرضى يبطل الرد، جاء على أصل الهادي عليه السلام: أن المشتري لو باعها قبل الوقوف على العيب، فرام المشتري ردها عليه بالعيب، فادعى هذا البائع الثاني أن مشتريه كان قد رضي بالعيب ولم يمكنه تصحيح ذلك، فألزم الحاكم ردها عليه لم يكن له الرجوع على بائعه.
ومن اشترى معيباً ولم يعلم بعيبه حتى/225/ حدث عنده عيب آخر، فهو مخير بين إمساكه وأخذ نقصان العيب الأول من البائع، وبين رده ورد نقصان العيب الحادث عنده واسترجاع الثمن، فإن امتنع البائع من رد النقصان ورضي بأخذه ورد الثمن على المشتري كان له ذلك.
ومن اشترى سلعاً كثيرة في صفقة واحدة من عبيد أو إماء أو غير ذلك ثم وجد ببعضها عيباً كان له أن يردها كلها أو يرضى بكلها، ولا يجوز أن يفرق الصفقة فيرد المعيب دون غيره، فإن تميزت العقود جاز رد المعيب دون السليم. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن قبض المشتري الصحيح دون المعيب أو المعيب دون الصحيح كان ذلك رضاً بهما جميعاً.(1/422)


وقال: فإن اشترى صُبْرةمن مكيل أو موزون فوجد ببعضه عيباً كان له رد الكل أو الرضى بالكل. قال: والصُّبْرَة الواحدة كعبد واحد، والصبرتان كعبدين، فإن اشترك اثنان في شراء عبد، ثم وجدا به عيباً فأراد أحدهما أن يرده دون الآخر، فالآخر مُخَيَّر بين أن يرده مع شريكه أو يأخذ نصيب شريكه ويأخذ من البائع أرشالعيب.
وإذا قال البائع للمشتري: برئت إليك من كل عيب. لم يبرأ بذلك مما لم يبينه للمشتري من العيوب، وإن بين له عيوباً ثم ظهر ما لم يكن بَيَّنه كان له أن يرده به.
قال أبو العباس: إن اشترى معيباً وباعه وهو لا يعلم بعيبه، فرده عليه المشتري الثاني، كان له أن يرجععلى بائعه بثمنه، سواء كان رَدّ المشتري له عليه بحكم الحاكم أو بغير حكم الحاكم. وقال في موضع آخر: ليس له أن يرده إلا أن يكون المشتري الثاني رده عليه بحكم الحاكم، على أصل يحيى عليه السلام.
ولو كان المبيع عبداً فقتله غيره وهو في يده، كان له أن يأخذ من القاتل قيمته معيباً، فإن أبا أن يأخذه، رجع على البائع بنقصان العيب. ولو أعتقه المشتري كان له الرجوع بنقصان العيب. ولو كان طعاماً فأكله أو أكل بعضه كان له الرجوع بالنقصان.
وإذا ادعى المشتري عيباً في السلعة وأنكره البائع، فالبينة على المشتري واليمين على البائع، فإن أقر البائع بالعيب وأنكر حدوثه عنده، وادعى المشتري أنه حادث عنده، فالبينة على المشتري/226/ واليمين على البائع. وقال في (المنتخب) : إذا ظهر في المبيع عيب، فرده المشتري على البائع، فادعى البائع أن العيب حدث عنده، فالبينة على البائع واليمين على المشتري.(1/423)


ولو أن رجلاً اشترى من رجل بِذْراً على أنه بذر البصل، فنبت وهو كُرَّاث، فللمشتري على البائع فضل ما بين القيمتين إن كان البائع لم يتعمد ذلك، فإن كان تعمده فهو أولى بما نبت، وللمشتري عليه ثمن بذر البصل وما غرم عليه في أرضه.
وإن اشتراه على أنه بذر الكراث، فأنبت البصل، فعلى المشتري للبائع فضل ما بين القيمتين إن كان البائع لم يتعمد ذلك، فإن كان تعمده فهو متبرع ولا يلزم المشتري شيء.
ولو أن رجلاً اشترى شيئاً لا يوقف على عيبه إلا بعد كسره من فاكهة ونحوها، فوجد به عيباً فإنه يرجع على البائع بنقصان العيب وله أن يرده إن شاء ويرد نقصان الكسر، على قياس قول يحيى عليه السلام. وإن كان مما لا قيمة له بعد كسره كالبيض وشبهه فإنه يرده، ويرجع عليه بجميع الثمن.
ومن اشترى شيئاً فحمله إلى بلد آخر فوجد به عيباً ووجد البائع هناك كان له أن يرده عليه في موضعه ولم يكن للبائع أن يطالبه برده إلى البلد الذي باعه فيه.
ولو أنه وجد به عيباً وأشهد على ذلك، وتوجه إلى البلد الذي فيه البائع ليرده فتلف في الطريق، كان له أن يرجع على البائع بنقصان العيب، وما أطلقه يحيى في (المنتخب) من أنه يرجع بالثمن، يجب أن يكون المراد به أرش النقصان من الثمن، فكأنه عَبَّر عن أرش النقصان من الثمن بالثمن، لأن أصوله تقتضي ما ذكرناه.
فإن اشترى ثوباً فقطعه ثم لبسه ثم وجد به عيباً، فإنه يرجع على البائع بنقصان العيب، وإن لم يكن قطعه ولبسه فله أن يرده بالعيب، ويحكم لصاحب الثوب عليه بنقصان ما لبسه.(1/424)


وكذلك لو اشترى سويقاًفَلَتَّه أو حنطة فطحنها، فإنه يرجع بنقصان العيب، على قياس ما نص عليه يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس رحمه اللّه: من اشترى عبداً فاستغله ثم وجد به عيباً فرده بالعيب كانت الغلة له، وكذلك لو اشترى أرضاً فزرعها وأخذ زرعها، ثم وقف على أنها معيبة كانت الغلة له، إلا أن تكون الزراعة قد نَقَّصت الأرض، فيكون له الخيار بين أن يردها ويرد نقصان ما حدث/227/ عنده، وبين أن يمسكها ويرجع بنقصان العيب الأول.
قال: فإن اشترى معيبة فولدت عنده فاختار ردها رد الولد معها، وكذلك اللبن.
وقال: الإبَاق في الصغر لا يكون عيباً، وكذلك البول في الفراش في حال الصغر.
قال: ولو أبق عند البائع لم يكن للمشتري رده عليه للإباق الذي كان فيه عند بائعه حتى يأبق عند المشتري، ولو جُنَّ عند البائع لم يكن للمشتري رده عليه إن لم يجن عنده. قال: ولو أبق عند البائع صغيراً ثم أبق عند المشتري كبيراً لم يكن له رده، ولو جُنَّ صغيراً عند البائع، ثم جُنَّ كبيراً عند المشتري كان له رده.(1/425)


قال رحمه اللّه: وانقطاع الحيض عيب، وانقطاع الحِبَل في بني آدم عيب، والحِبَل في الجارية عيب، وفي البهائم ليس بعيب، والجارية إذا كان لها زوج كان عيباً، فإن كانت مطلقة طلاقاً رجعياً كان عيباً، وإن كان بائناً لم يكن عيباً، وإن كانت محرمة لم يكن عيباً، والثُّولولعيب في وجوه الجواري وليس بعيب في العبيد، والسرقة عيب في الكبير، والزنا عيب في الجارية، وليس بعيب في العبد، والتَّخْنِيثعيب في العبد، والبَخَرعيب في الجارية، وليس بعيب في العبد إلا أن يكون عن داء، والسن السوداء عيب، وكذلك السن الساقطة، والبرص عيب، وكذلك الجذام، والقروح، والْحَوَل عيب، والشعر في جوف العين عيب، وكذلك الجرب والخزرفيهما. والعزل والحران، وقلع الرأس عن اللجام، وبَلّ المخلاة، ومنع اللجام عيب في الدابة. قال رحمه اللّه: والرِّدَّة عيب في العبد والأمة، وإذا كان ممن يجب عليه القتل أو القطع كان عيباً، وإن كان عليه دين كان عيباً إلا أن يبريه مولاه أوالغرماء منه.
قال رحمه اللّه: ولو اشترى رجل ثوبين أو فرسين وكانا معيبين، فباع أحدهما، فله مطالبة البائع بنقصان ما أمسكه منهما - دون رَدِّه - بحصته من الثمن.
قال: ولو أبرأ المشتري البائع من عيوب سماها، ثم حدث في المبيع عيب آخر في يد البائع قبل التسليم فللمشتري رده به. قال: وإن سمى فقال: من عيب كذا، فلا يدخل في البراء ما يحدث منه من ذلك النوع.
قال: وإن شرط البراءة مما يحدث فسد العقد.
قال: وإذا رَدَّ المشتري /228/ المعيب على البائع بالعيب وهو حيوان، فالعلف الذي علفه قبل الرَّد يلزم المشتري.(1/426)

85 / 168
ع
En
A+
A-