ولا تتعين الدراهم /209/ والدنانير في العقد، على قياس قول يحيى عليه السلام، وهكذا ذكر أبو العباس رحمه اللّه.
قال أبو العباس رحمه اللّه: يجوز شراء الأعمى، على أصل يحيى عليه السلام، قياساً على صحة شراء ما لم يره المشتري يوم اشترى.
وقال يحيى في (المنتخب) فيمن اشترى حبال قضب وعدها وقبض بعضها، ثم طالب البائع بالباقي منها، فلم يكن عنده، فقال: خذ مني قيمة الباقي، يكون للمشتري قيمته - من الثمن - (يوم اشترى لجهالة الباقي). قال أبو العباس: المسألة محمولة على أن الْمُشْتَرَى من القضب كان موجوداً كله؛ لأن بعضه لو كان معدوماً كان البيع باطلاً لانطوائه على ما عنده وعلى ما ليس عنده، وتسلمه ثم أقرضه، فوجب عليه رد قيمته بالاستقراض.
ولا يجوز للأب أن يبيع ملك ابنه الصغير، نحو ضيعة أو عقار، إلا أن تكون ضرورة قد دعت إليه، فإن مست الحاجة إلى ذلك بأن يكون الصبي محتاجاً إليه لنفقته وسائر مؤنته، ولا مال له غيره جاز أن يبيعه، وكذلك الوصي له أن يبيعه. قال أبو العباس: وكذلك الجد. ولا ولاية في مال الصغير لغير الأب والجد، ووصي الأب دون سائر الأقارب. قال: ووصي الأب أولى من الجد.
ويجوز بيع المراهق الذي لم يبلغ، إذا أذن له وليه في ذلك.
ووقوع المغابنةفي البيع لا تفسده، على أصل يحيى عليه السلام.
ولا يجوز بيع العبدِ وشراؤه إلا بإذن مولاه. والعبد لا يملك شيئاً ومولاه هو المالك له ولما في يده، ومن اشترى من غيره شيئاً ثم قال للبائع: كِلْه لي أو اعزله، ووكَّلهصح ذلك، فإذا فعله البائع فتلف كان من مال المشتري.(1/397)


قال أبو العباس: تصح عقود الأخرس كلها إذا أشار بإشارات يفهم بها مراده، وكذلك من اعتقل لسانه فإنه يصح منه إقراره ووصاياه وسائر عقوده إذا أشار فيها بما يُعْلَم منها مراده.
قال رحمه اللّه: يجوز شراء الكافر للعبد المسلم، ويُجْبَر على بيعه، تخريجاً على نص يحيى عليه السلام.
ولا يجوز شرطان في بيع، ولا يجوز سلف وبيع، ولا بيع الملامسة، وطرح الحصاة، ولا ربح ما لم يضمن. قال أبو العباس: ولا بيعتان في بيعة، وحكاه عن محمد بن يحيى عليهما السلام.
قال يحيى في (الفنون) : ولو اشترى جارية فوجد معها دنانير فهي للبائع، فإن قال البائع: ليست لي ولا أدري لمن هي، فإنها لبيت المال/210/.
قال أبو العباس رحمه اللّه: الشراء بما في الذمة وبيعه جائز، ما خلا السَّلَم؛ فإنه لا يجوز أن يسلم ما في الذمة في شيء، ولا أن يُبَاع السَّلم.
وقال: الزيادة في ثمن المبيع جائزة وتلحق العقد - إلا أن يكون فاسداً كالخمر والخنزير والميتة - ، على أصل يحيى عليه السلام.(1/398)


باب ما يصح بيعه ومالا يصح وما يكره منه
من اشترى عبدين في صفقة واحدة، فوجد أحدهما حُرّاً أو مكاتباً أو مُدَبَّراً كان البيع فاسداً.
وكذلك من اشترى مسلوختين، فوجد إحداهما ميتة أوْ ذبيحة من لا يجوز أكل ذبيحته، وكان الثمن واحداً كان البيع فاسداً، فإن تميز ثمن إحداهما عن ثمن الأخرى، صح بيع ما يجوز بيعه منهما.
ويجوز بيع الحيوان حياً ومذبوحاً مع استثناء جزء شائع منه معلوم من نصف أو ثلث أو ربع أو ما شاء البائع. وإن باع رجل ناقة أو شاة واستثنى منها عضواً معلوماً أو جلداً أو ما في بطنها من كبد أو قلب أو كرش أو مِعَا أو غير ذلك، وكان الحيوان مذبوحاً جاز البيع، وإن لم يكن مذبوحاً لم يجز، على ما دل عليه كلام يحيى عليه السلام، فإن استثنى من المذبوح أرطالاً معلومة كان البيع فاسداً.
ويجوز بيع الحيوان واستثناء الولد الذي في بطنه، ويجب للبائع على المشتري إذا باع ناقة واستثنى ما في بطنها أن يُمَكِّن من أن تُرْضِع الناقة فصيلها رضعة أو ثلاث رضعات.
ولو أن رجلاً ورث شقصاًمن ضيعة أو حوانيت، فباع ذلك من رجل من غير تسمية السهام، فإن لم يكن البائع قد علم ما باعه، وكذلك المشتري لم يعلم ما ابتاعه كان البيع باطلاً، فإن كان البائع قد علم ما باعه وكذلك المشتري فالبيع جائز. قال السيد أبو طالب: وعلى هذا إن قال: بعتك بستاني الفلاني، وكان البستان معلوماً للبائع والمشتري صح البيع وإن لم يَحُدّه.(1/399)


ويجوز بيع أرض واستثناء زرعها، والنخل واستثناء ثمرها، وبيع شاة واستثناء لبنها، وبيع جارية وعتق ما في بطنها، ولو باع شاة واستثنى جلدها صح البيع. قال أبو العباس: المراد به جلد المذكى، وعليه دل كلام يحيى عليه السلام، ولا بأس ببيع الصوف على الجلد، والمراد به إذا كان على جلد المذكى/211/ دون الحي، وعليه دل كلام يحيى.
ويجوز أن يشتري الشيء المعدود عدداً، كل قدر منه بثمن معلوم، وإذا كان المعدود مما يتفاوت في الصِّغر والكِبَر كالبطيخ والخيار وَالقِثَّاء والسفرجل والرمان، فإنه يصح إذا كان الشراء يتناول جميعه، فإن كان الْمُشتَرى بعضه فإنه يحتاج إلى أن يعزله ثم يستأنف شراءه بالثمن الذي اتفقا عليه، وكذلك الموزون، إن كان في ظرف وعُرِفَ وزنه وقد طرح قدره جاز، والمكيل أيضا يجب أن يكون كالمعدود، على أصل يحيى عليه السلام.
ويجوز شراء دار أو عَرَصة كل ذراع منها بثمن معلوم. قال أبو العباس رحمه اللّه: وكذلك لو قال: بعتك على أنها كذا وكذا ذراعاً كل ذراع بكذا، فإن زاد كان عليه قسط الزائد من الثمن وإن نقص بطل، وفرق بين هذا وبين من ابتاعها على أنها كذا ذراعاً فوجدها زائدة، قال تكون كلها له ولا يلزمه لقسط الزائد شيء، كمن باع حيواناً على أنها عوراء فيجدها سليمة.
فإن باع داراً على أن كل ذراع منها بكذا، لم تدخل السُّقوف في البيع، وإنما يصح بيع العَرَصَة مذارعة دون السقوف.(1/400)


ولو أن رجلاً باع عِدْلاًعلى أن فيه مائة ثوب، فوجد المشتري ذلك على ما اشتراه أو زائداً، فالبيع صحيح، وإن نَقَصَ بطل البيع، وإذا كان زائداًرد على البائع ثوبا لا يتخيره. قال السيد أبو طالب: معناه ما يكون وسطاً من تلك الثياب.
قال أبو العباس رحمه اللّه: في الأرض إذا بيعت وفيها أشجار فالأشجار تتبع الرقبة وتدخل في البيع، فإن كانت الأشجار عليها ثمار لم تدخل في البيع، وهي للبائع. قال رحمه اللّه: فإن باع نخلاً بعد إطلاعها فثمرتها للبائع كسائر ثمار الأشجار.
قال: وإذا باع مؤبّراً أو شجراً مثمراً ثم حدثت فيه ثمرة، فالثانية للمبتاع والأولى للبائع؛ لأن السُّنَّة قد خَصَّت التأبير.
ولا يجوز بيع شيء قبل قبضه، ومن باع شيئاَ لم يقبضه فبيعه باطل، إلا أن يكون إرثاً أو مهراً فإن بيعهما قبل القبض جائز، على قياس قول يحيى عليه السلام.
فإن باع عبداً لم يقبضه من بائعه، فأعتقه المشتري كان العتق باطلاً، فإن اشتراه وقبضه ثم تركه عند بائعه وديعة ثم باعه كان البيع صحيحاً.
قال/212/ أبو العباس: تسليم المبيع هو أن يخلي البائع بينه وبين المشتري بحيث يمكنه قبضه من غير مانع يمنعه، وهذا يكون قبضاً منه سواء قبض عليه بكفه وبنانه أو لم يقبض، فأما الدواب وما في طبعه النُّفور فقبضه أن يحصل بحيث تصل يده إليه، إما برَسَنٍعليه، أو بأن يكون في موضع إذا أراد أَخْذَه لا يمتنع عليه.
قال: والتسليم يوقف عليه بالمشاهدة والمعاينة. فأما البيع فلا سبيل إلى العلم به إلا بالإقرار.
وقال رحمه اللّه: يؤخذ المشتري أولاً بتسليم الثمن، ثم يؤخذ البائع بتسليم المبيع.(1/401)

80 / 168
ع
En
A+
A-