باب انفساخ النِّكاح بالرَّضَاع وما يتصل بذلك
لو أن امرأة تزوَّجت بصبي له دون الحولين، ولها لبن من زوج طلّقها فأرضعت زوجها الصغير، انفسخ النِّكاح بينهما؛ لأنها صارت أمه من الرَّضَاع، ولا يحل لمن كان زوجاً لها فطلّقها أن يتزوَّجها بعد ذلك، على ما نص عليه يحيى في (المنتخب) . وقال في الأحكام: له أن يتزوَّجها ولا صداق لها عليه.
قال أبو العباس الحسني: وعلى هذا لو أرضعت [امرأةٌ] امرأةَ زوجها الصغيرةَ كان النِّكاح منفسخاً بينهما، وللصغيرة على الزَّوج نصف مهرها، ويرجع به على المرضعة إن قصدت إفساد النِّكاح. قال: ولا صداق للمُرْضَعة إلا أن يكون مدخولاً بها. قال رحمه اللّه: ولا يسع الزَّوج نكاح المرضِعَة بحال؛ لأنها أم امرأته، وينكح الصغيرة إن شاء، إلا أن يكون قد مس الكبيرة.
قال: ولو نكح ناكح ثلاث صبايا لم يتم لكل واحدة حولان، فسقين من لبن امرأة معاً حرمن كلهن، فإن سقين متفرقات واحدة بعد واحدة حرمت الأولتان دون الثالثة؛ لأنها أرضعت بعد بينونة الأولتين، وإنما ينكح أختهما، ولا نكاح بينه وبينهما، وإن أرضعت إحداهن ثم الآخرتين/206/ من بعد معاً، حرمن بأجمعهن، ولو كن أربع زوجات صبايا فسقين معا أو واحدة بعد واحدة حَرُمْنَ كلهن.
قال رحمه اللّه: ولا يجوز في الرَّضَاع شهادة النساء وحدهن، على أصل يحيى عليه السَّلام. ولاينفسخ به النِّكاح.
قال رحمه اللّه: إذا قالت امرأة: إنها أرضعت رجلاً وزوجته، فارقها احتياطاً لا وجوباً، على أصل يحيى عليه السَّلام.(1/392)


قال أبو العباس رحمه اللّه: وإذا شهد رجل وامرأتان سواهاعلى الرَّضَاع فسخ النِّكاح بينهما، وإن لم يكن هناك مدع، ولأنه من باب المعروف وأمور الدين، كالشهادة على أنه حُرّ الأصل، والشهادة على الإسلام.
قال رحمه اللّه: فإن ادعت امرأةُ رجلٍ أن أخرى أرضعتها وزوجها، وأقامت البَيِّنة على ذلك، بطل النِّكاح بينهما، ولا مهر لها إلا أن يكون دخل بها، فلها مهر مثلها لا يجاوز به المسمى، وإن طلّقها قبل دخوله بها ولم يقدر على شاهدين، فلا مهر لها إن أصرت على ذلك؛ لأنها نَفَتْهُ، وإن رجعت إلى تصديقه فلها نصفه.
قال: ولو ادعى الزَّوج ارتضاعهما من ثدي واحد وأكذبته المرأة، فإقراره بالبينونة جائز، ولا يُصدَّق على إبطال مهرها ما لم تُصدِّقْه، فيبطل بتصديقها إذا لم يدخل بها، ولو كان مدخولاً بها فصدقته فلها مهر مثلها لا يجاوز به المسمى، وإن أكذبته فلها المسمى.
ولبن البهيمة لا يوجب التحريم على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/393)


باب البيوع الصحيحة والفاسدة
كل بيع يقع بين متبايعين جائزي التصرف فيما يتصرفان فيه، وكان متناولاً لما يصح بيعه بثمن معلوم، وعَري مما يوجب فساده، وحصل منهما الإيجاب والقبول، على سبيل التراضي دون الإكراه والاضطرار، فهو بيعٌ صحيح، وما خالف هذه الجملة، وكان المتبايعان أو أحدهما غير رشيد، أو كان المبيع مما لا يصح بيعه، أو كان الثمن غير صحيح، أو مجهولاً، أو قارنه شرط يفسده، أو وقع على سبيل /207/ الإكراه فهو غير صحيح.
وما كان غير صحيح، فإنه ينقسم: إلى ما لا يُتَمَلَّك أصلاً، فيوصف بأنه باطل، كبيع الْحُرِّ، وبيع العَذِرَة، وبيع الميتة، ونحو أن يكون الثمن ميتة، أو دماً، أو حُرّاً، أو خنزيراً. و إلى ما يتملك بالقبض، إذا كان المقبوض مما يملك بالبيع الصحيح، نحو أنيكون الثمن فاسداً وله بدل، كالخمر والخنزير، ونحو شروط فاسدة يعقد عليها البيع وتمنع من صحته، فيوصف بأنه فاسد، ولا يوصف بأنه باطل، وتفصيل ذلك سنذكره في موضعه إن شاء اللّه تعالى.
والبيع الموقوف والشراء الموقوف جائزان، فأما الشراء الموقوف فمنصوص عليه ليحيى بن الحسين عليهما السلام، وأما البيع الموقوف فقياس قوله يقتضي جوازه، وإليه ذهب أبو العباس. وكذلك يجوز بيع الإنسان ما يملكه وما لا يملكه، على أصل يحيى عليه السلام.
ومن صُوْدِرَعلى مال ظلماً فباع شيئاً غير مكره على بيعه، جاز البيع ولم يبطله الإكراه في غيره.
وتجوز مبايعة المشركين إذا لم يُبَاعوا سلاحاً أو كراعاً، وأن يشتري بعضهم من بعض، ويصح شراؤهم وبيعهم فيما بينهم.
ويجوز بيع السكران وشراؤه إذا كان يعقلهما.(1/394)


قال أبو العباس: إذا قال مَلَّكتك هذا العبد بألف درهم، أو جعلته لك بألف درهم كان بيعاً، وإن قال المشتري للبائع: اشتريت منك هذه السلعة على ما تبيعه من غيري من الناس. لم يجز ذلك، وكان بيعاً فاسداً.
وقال في (المنتخب) : إن اشترى كُرّاً أو مدحنطة بمثل ما يبيع من الناس، جاز إن كان قد باع على سعر واحد وعَرَفَ المشتري ذلك، وإن لم يبع منه شيئاً لم يجز.
قال أبو العباس: لو قال المشتري للبائع: أقلتك، ولم يذكر الثمن جاز، ولو قال: بعت ولم يذكر الثمن لم يجز.
ولو أن رجلاً أخذ من رجل طعاماً أو غيره بكيل أو وزن أو عدد لم يكن ذلك بيعاً، فإن أخذه بدراهم معلومة كان بيعاً، سواء أخذ ذلك في دفعة أو دفعتين.
قال أبو العباس: إذا كان الشيء مما يوزن، فقال البائع: أبيع منك كذا بكذا. فقال المشتري: زن أو هات. كان بيعاً.
ومن اشترى مكيلاً أو موزوناً بكيل أو وزن معلوم لم يجز له أن يبيعه وإن قبضه، حتى يكيله أو يزنه، وكذلك المشتري يجب أن يعيد كيله /208/ أو وزنه إذا اشتراه. والإقالة والتولية والبيع في ذلك سواء.
قال أبو العباس: فإن كان مذروعاً أو معدوداً فاشتراه بالذرع أو بالعدد جاز بيعه وإن لم يذرعه أو يعده، فإن اشتراه جزافاً جاز بيعه كيف شاء جزافاً أو كيلاً.
ومن اشترى مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً واستوفاه، ثم وجده زائداً على القدر المبتاع وجب عليه رَدّ الزيادة على صاحبه. قال أبو العباس: إلا أن تكون الزيادة قدراً لا يعتد به لوقوع مثله في الكيل والوزن.(1/395)


قال أبو العباس: إذا أخذ المشتري شيئاً على السوم من البائع لم يضمن، والسوم أن يقول البائع: أبيعك بكذا، فيأخذه على أن يُرِيَه الغير أو يتعرف قيمته ، فيتلف عنده، فلا ضمان عليه، تخريجاً على ما نص عليه يحيى عليه السلام.
وبيع الحاضر للباد جائز، ويكره استقبال الجلوبة إلى خارج الْمِصْر.
ولا يجوز الاحتكارللطعام إذا كان على المسلمين ضرر فيه، وقد شرط فيه يحيى عليه السلام أن يكون الطعام الذي يحبسه فاضلا عن قوته وقوت عياله.
والبيع الفاسد يُمْلَك به المبيع إذا اتصل به القبض، على ما دل عليه كلام يحيى عليه السلام.
ومن باع شيئاً مؤجلاً لم يجز له أن يشتريه بأقل من الثمن الذي باعه به قبل أن يَنْقُدْ جميعه، وكذلك لو اشتراه معجلاً ولكنه أنْظَر المشتري بثمنه إلا أن تكون السلعة قد نقصت قيمتها لعيب حدث بها. قال أبو العباس: فإن نقصت القيمة لا لحدوث حادث فيها، لم يجز أن يشتريها بأقل من ثمنها، وعلى هذا دل كلام يحيى عليه السلام.
قال أبو العباس: فإن كان المشتري قد انتفع مما اشتراه بلبن أو غيره، وكان قدر الحطيطة جاز أن يحط.
قال أبو العباس: الإقالةفسخ، تخريجاً على نص القاسم ويحيى عليهما السلام.
ومن اشترى شيئاً ثم كرهه فاستقال البائع فيه، فلا يجوز أن يقيله بأن يحط من الثمن الذي باعه به شيئاً، أو يرد عليه المشتري شيئاً، إلا أن يكون على وجه التبرع.
ولا يجوز بيع شيء بأكثر من سعر يومه مؤجلاً، وإن لم ينطقا بذلك، وكانا مضمرين له لم يجز أيضاً، على قياس قول يحيى عليه السلام، وإن باع بأكثر من سعر يومه نقداً جاز على قياس قوله.(1/396)

79 / 168
ع
En
A+
A-