قال أبو العباس: فإن اعتق ما في بطن جاريته عن كفارة الظِّهار، لم يجزه، وهذا صحيح على أصل يحيى عليه السَّلام.
قال رحمه اللّه: وسواء خرج حياً بعد ذلك أم لم يخرج، ومن لم يجد إلا رقبة واحدة من فقير أو مسكين، فإنه لا يجزيه أن يكفر إلا أن يعتقها، سواء كان محتاجاً إلى خدمته أو غير محتاج.
ولا يجوز له العدول إلى الصيام والإطعام، على ما خرجه أبو العباس من نص يحيى عليه السَّلام.
وإن اعتق نصف عبد وصام ثلاثين يوماً عن الكفارة، أو صام ثلاثين يوماً وأطعم ثلاثين مسكيناً لم يجزه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وكذلك إن اعتق عبداً عن كفارتين.
قال أبو العباس في المظاهر إذا جامع قبل استكمال صوم شهرين متتابعين - ليلاً أو نهاراً - عليه استئناف الصيام، تخريجاً على نص يحيى عليه السَّلام.
والمظاهر إذا وجد الرقبة، قبل استكمال الصوم، لزمته الرقبة، وإذا قدر على الصيام قبل إتمام الإطعام، لزمه الصيام.
قال أبو العباس: يجب أن ينوي المكفر أن صومه عن الظِّهار، ولا يجوز له أن يُفَرِّق صومه ولايقطعه إلا من عِلَّة يدنف منها، فإن قطعه لا لعلة يخشى على نفسه منها، وجب عليه استئنافه. قال أبو العباس رحمه اللّه: سواء كان في حضر أو سفر.
قال رحمه اللّه: إن صام المظاهر ستة أشهر عن ثلاث كفارات لظهار ثلاث نسوة، جاز إن لم يعين النية أنها عن واحدة منهن، وكذلك إن صام أربعة أشهر عن اثنتين واعتق عن غيرهما.(1/362)


قال رحمه اللّه: وإن صام أربعة أشهر عن كفارة ظهار وكفارة قتل، لم يجزه حتى يعين النية في شهرين عن إحداهما بعينها، وفي الشهرين الآخرين عن الأخرى، وكذلك إن اعتق عبدين عنهما من غير تعيين النية عنهما/188/ في كل واحدة منهما بعينها لم يجزه.
قال: فإن اعتق عن إحدى كفارتي الظِّهار؛ وصام عن الأخرى، لأنه لا يقدر على العتق ولم يعين النية أجزأه، ولو اعتق عبداً عنهما، لم يجزه، فإن اعتق عبدين ينوي في كل واحد منهما أنه عن واحدة أجزأه، وإن نوى أن كل واحد عن كل واحدة منهما لم يجزه.
قال رحمه اللّه: وإن صام شهرين عن الظِّهار أو القتل وأحدهما شهر رمضان بنية الكفارة، فعليه أن يستأنفصوم شهرين متتابعين لأن رمضان فيهما، ويقضي صيام شهر رمضان، وكذلك إن وقع في صيامه صيام ثلاثة أيام نُهي عن صيامها، نحو أيام التشريق، استقبل أيضا.
قال رحمه اللّه: فإن علم أن عليه صوم شهرين أو عتق رقبة ولم يدر أنه عن ظهار أو قتل، جاز أن ينوي في صومه أو عتقه أنه عما وجب عليه.
والإطعام في كفارة الظِّهار: مُدَّان لكل مسكين. قال أبو العباس: إنما يجب مدان إذا كان ذلك من البُرِّ، على أصل يحيى عليه السَّلام، فتكون حنطة أو دقيقاً، فإن كان تمراً أو شعيراً أو غيرهما فهو صاع، ولا يجوز في الإطعام إلا استيفاء عدد ستين مسكيناً، ولا يجوز إذا لم يجد إلا مسكيناً واحداً أن يطعمه ستين يوماً، وكذلك إن وجد عدداً دون الستين لا يجوز أن يرد عليهم، فإن لم يجد تمام الستين أنتظر حتى يجدهم، وإن بعث به إلى بلد غير بلده إذا لم يجدهم غيرهم فيه أجزاه.(1/363)


قال أبو العباس: وإن اجتمع الإطعام عن ظهار من عِدَّة [من] نسائه، لم يدفع جميعه إلى ستين مسكيناً دفعة واحدة، إلا أن لا يجد غيرهم، فيرد عليهم في أوقات مختلفة يطعم كل يوم عن كفارة، كما نص عليه يحيى عليه السَّلام في الأيمان، وإن دفع كفارتين مختلفتين إلى عدد مخصوصين، ونوى في كل واحدة أنهما عما وجب عليه، أجزاه.
ويجب دفعها إلى أحرار مسلمين مضطرين، ولا يجوز دفعها إلى الكفار من أهل الذمة وغيرهم. قال أبو العباس: لا يجوز أن يدفعها إلى عبده ولا إلى أمته ولا إلى مكاتبه ولا إلى من تلزمه نفقته من أقاربه. قال: فأما عبد غيره فجائز دفعها إليه إذا كان المولى فقيراً.
وليس من شرط الإطعام تمليك المساكين الطعام، [فـ] لو غَدَّاهم وعشاهم أجزأه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/364)


باب الإيلاء
الإيلاء: أن يحلف الرجل بالله ألاَّ يجامع امرأته أربعة أشهر فصاعداً ، وإن حلف على ما دون أربعة أشهر لم يكن مُوْلِياً، وإن حلف بغير اللّه من طلاق، أو عتاق، أو حج، لم يكن مُوْلِياً، فإن أبهم اليمين ولم يذكر المدة التي لا يجامعها فيها كان مُوْلِياً، على موجب ما أطلّقه القاسم، ورواه يحيى في (الأحكام) ، وذكر في (المنتخب) أنه لا يكون مُوْلِياً إذا أطلق اليمين ولم يقيدها بأربعة أشهر فما فوقها، وإلى هذا كان يذهب أبو العباس رحمه اللّه.
وكل ما يقع به اليمن من أسماء اللّه وصفاته الراجعة لذاته يقع به الإيلاء، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، نحو أن يقول: واللطيف الخبير، أو يقول: بعظمة اللّه أو جلاله، أو قدرته، أو عزته، وقد ذكر أبو العباس ذلك، وكذلك لو قال: وأيم اللّه، و هيم اللّه، أو ورب الناس، أو ورب الكعبة، أو وخالقي، أو ومالك كل شيء.
قال أبو العباس رحمه اللّه: إن قال: واللّه لا أقربك أربعة أشهر يكون مُوْلِياً إذا عنى به الجماع في الفَرْج، فإن نوى به قرب المسافة كان على ما نوى، كما قد مر للقاسم عليه السَّلام في عدول الزَّوج بالفاظ الطَّلاق إلى غيره أنه مصدق إذا احتمله اللفظ. وكذلك لو قال للبِكْر: لاافتضك، كان مُوْلِياً.(1/365)


ويوقف الْمُوْلِي بعد انقضاء أربعة أشهر إذا رُفِع إلى الإمام، ولا يوقف قبل مضيها، ويأمره الإمام بأن يفيء ويكفر عن يمينه، أو يطلّق. ومعنى قولنا: إنه يأمره بأن يفيء ويكفر عن يمينه، إذا كان الإيلاء أكثر من أربعة أشهر، فإن كان أربعة أشهر فلا يحتاج إلى التكفير، لانقضاء مدة اليمين، فلا مساغ للحنث ووجوب الكفارة.
فإن امتنع الْمُوْلِي عند الوقف من أحد الأمرين، حُبس وضُيِّق عليه حتى يفيء أو يطلّق.
ولا يوقف قبل مضي أربعة أشهر.
وإن مضى زمان طويل بعد مضي أربعة أشهر ولم يُرفع إلى الإمام، وقَّفَه الإمام متى رُفع إليه.
والفيء، هو: أن يجامع إذا قدر عليه، أو يقول بلسانه قد فئتُ ورجعت عن يمينى إن لم يستطع ذلك لمرض أو سفر.
والمولي إذا أراد أن يفيء قبل مضي مدة الإيلاء ولم يقدر على الجماع، فاء بلسانه، فإن قدر بعد ذلك على الجماع، لم يؤخره ساعة.
وإن أراد أن يفيء بعد مدة الإيلاء وهو مضي أربعة أشهر أو أكثر/190/ وقدر على الجماع بعد العجز عنه، لم يضيق عليه تأخيره بعد القدرة يوماً أو يومين.
ولو آلى منها، ثم طلّقها قبل انقضاء أربعة أشهر، لم يقع عليها تطليقة ثانية بانقضاء أربعة أشهر، سواء انقضت عدتها فيها أو بعدها. والمولي متى فاء إلى زوجته قبل انقضاء المدة التي حلف عليها من أربعة أشهر فما فوقها وجب عليه تكفير يمينه.
فإذا طلّق الْمُوْلِي امرأته في مدة الإيلاء ثم راجعها قبل انقضائها، وجب أن يوقف، فإما أن يفيء أو يطلّق تطليقة ثانية، فيكون قد بقيت لها تطيلقة واحدة، ولو راجعها ثم طلّقها تطليقة ثانية ثم راجعها في مدة الإيلاء، وجب أن يوقف.(1/366)

73 / 168
ع
En
A+
A-