قال أبو العباس: وإن قال لها: إذا دخلت الدار فأنت طالق. فدخلت وطلقت وتزوَّجت غيره، ثم طلَّقها وتزوَّج بها الأول، تكون عنده على اثنتين، فإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق. ثم إنه طلّقها ثلاثاً بأن يراجع بين كل تطليقتين، ثم رجعت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدار لم تطلق، وكذلك لو قال لها: أنت طالق كل سنة، أو كلما حضت، ثم طلقها ثلاثاً ثم رجعت إليه بعد زوج آخر، لم يقع عليها طلاق إذا حاضت وإذا أتت عليها سنة.(1/357)
باب الظِّهار
الظِّهار هو: أن يقول الرجل لامرأته: أنت على كظهر أمي، أو كبطنها، أو كفرجها، أو كرجلها، أو كساقها، أو كفخذها، أو كشيء منها، وينوي بذلك الظِّهار ، وكذلك إذا قال: كأمي أو كمثل أمي ونوى به الظِّهار، وإن نوى به الطَّلاق كان طلاقاً، فإن قال: لم أنو به شيئاً، يكون كذبة كذبها، ولا يلزمه شيء بذلك، فإن قال لها: أنت علي كيد أمي أو كشعرها أو كشيء منها، يكون مظاهراً، وكذلك إذا قال: يدك علي كيد أمي، أو شعرك كشعر أمي.
ولا يصح الظِّهار إلا بالأم من النَّسَب دون غيرها، فإن ظاهر بأمه من الرَّضَاع، لم يكن مظاهراً، وإن ظاهر بأخته أو غيرها من ذوي أرحامه لم يكن مظاهراً، وإن ظاهر من أم ولده أو أمَتِه لم يكن مظاهراً.
ويصح الظِّهار من كل زوج مسلم، حراً كان أو عبداً، إلا أنه إذا كان عبداً لا يجزي في كفارته إلا الصيام، وسواء كانت الزَّوجة صغيرة أو كبيرة حُرَّة أو أمَة. قال أبو العباس رحمه اللّه: وسواء كان المظاهر مستطيعاً للمسيس أو عاجزاً عنه إذا طالبته المرأة برفع التحريم.
ولا يصح ظهار الكافر ذمياً كان أو غيره، على ما خرجه أبو العباس من كلام يحيى عليه السَّلام.
والعود في الظِّهار الموجب للكفارة هو: أن يريد مماسستها، على ما خرجه أبو العباس من نص يحيى عليه السَّلام.
والكفارة تجب على المظاهر من امرأته إذا أراد وطئها، ولا تجب قبل ذلك.
قال أبو العباس رحمه اللّه/185/: وللمرأة أن تطالبه برفع التحريم، فإن امتنع حُبس كما يحبس في سائر حقوقها، وإن طلّقها سقطت الكفارة، ما لم يستبحها ثانياً وأراد مماسستها.(1/358)
ولا يجوز له بعد الظِّهار أن يتلذذ منها بما سوى الجماع من تقبيل أو مس عن شهوة قبل التكفير، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام.
ولا ظهار قبل النِّكاح سواء ظاهر من واحدة بعينها، فقال: إن تزوَّجتك فأنت علي كظهر أمي، أو ظاهر على الإطلاق، فقال: كل امرأة أتزوَّج بها فهي علي كظهر أمي.
ولو أن رجلاً قال لامرأته: إن فعلتُ كذا وكذا فأنت علي كظهر أمي. ففعله وقع الظِّهار، وإن قال: إن لم أفعل كذا وكذا فأنت علي كظهر أمي، فإن وقَّته ولم يفعلفي ذلك الوقت وقع الظِّهار، وإن لم يوقته لم يقع الظِّهار ما دام مجمعاً على فعله.
قال أبو العباس: والظِّهار في هذا الموضع كاليمين، فإن دخله ترك الوفاء به لزمه الظِّهار، وكانت عليه الكفارة.
ويتحقق الترك بموته، كما نص عليه القاسم عليه السَّلام في المحلوف عليه غير المؤقت بالله أو بالطَّلاق أو العتاق.
ولا يصح ظهار المجنون ولا المغمى عليه ولا الصبي، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام. وظِهَار السكران حكمه حكم طلاقه وقد فصلنا الحكم فيه فيما تقدم.
قال أبو العباس: لو ظاهر الرجل من امرأته ثم ملكها، كان حكم الظِّهار باقياً ولم يجز له أن يدنو منها حتى يكفر، على أصل يحيى عليه السَّلام.
ولو ارتد بعد ظهاره منها ثم نكحها بعد معاودة الإسلام، أو طلّقها فجدد نكاحها بعد العِدَّة، أو بانت منه بالثالثة فعاود نكاحها بعد إصابة زوج غيره، وكذلك لو إبتاعها بعد عقد الظِّهار، وباعها ثم اشتراها، لم يجز له وطئها ما لم يكفر.(1/359)
قال رحمه اللّه: ولو قال: إن دخلتِ الدار أو فعلتِ كذا فأنت علي كظهر أمي، ثم ابتاعها أو باعها، ثم نكحها عاد عليه حكم الظِّهار كما لو طلّقها ثم ملكها ثم باعها ونكحها لزمه الظِّهار.
قال رحمه اللّه: فإن قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي إن دخلت الدار، ثم طلّقها فدخلت الدار لم يكن مظاهراً.
وإذا ظاهر الرجل من عِدَّة نسوة ثلاث أو أربع، فعليه لكل واحدة منهن كفارة، فإن لم يجد/186/ من يعتق عن كلهن أعتق عن بعضهن وصام عن بعضهن، فإن لم يطق الصيام عن بعضهن أطعم عن من لم يطق الصيام عنه.
ومن ظاهر من امرأة واحدة مرات كثيرة، وجب عليه كفارة واحدة، فإن ظاهر وكفر ثم عاود الظِّهار، وجب عليه كفارة أخرى كلما عاود الظِّهار بعد الكفارة لزمته الكفارة.
فإن قال لها: أنت علي كظهر أمي إن شيئت، فشاءت ذلك في المجلس لزمه الظِّهار، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. فإن قال لها أنت علي كظهر أمي إن شاء اللّه، لم يقع الظِّهار، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولو أن رجلاً قال لامرأته: إذا ظاهرتُ من فلانة - يعني من امرأة له أخرى - فأنت علي كظهر أمي، ثم ظاهر من الأولى كان مظاهراً منهما، فإن علق ظهارها بظهار أجنبية لم يكن مظاهراً، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولا يصح ظهار المرأة، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام.
وكفارة الظِّهار: عتق رقبة إن وجدها، فإن لم يجدها، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكيناً.(1/360)
والرقبة الكافرة لا تَجْزِي في كفارة الظِّهار، ويجب أن تكون الرقبة مؤمنة بالغة أو غير بالغة، نحو أن يكون طفلاً أو مجنوناً أو مكفوفاً أو أشل أو أعرج أو أخرسأجزأه، والأفضل أن يكون سليماً بالغاً.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: ينبغي أن يكون للصغير من يكفله إلى أن يقوم بنفسه، وأن لا يعتق من لا يمكنه القيام بنفسه وإن اعتق أجزاه.
قال أبو العباس: لو أعتق في كفارة الظِّهار عبداً بينه وبين غيره، أجزأه إن كان موسراً، على أصل يحيى عليه السَّلام، وإن كان معسراً لم يجزه. قال: فإن رضي شريكه أجزأه.
قال أبو العباس: لو اعتق المظاهر نصف عبد ومس امرأته، ثم اعتق النصف الآخر لم يجزه، وعليه أن يستأنف عتق رقبة أخرى قبل أن يمسها، ولو صام بعض الصيام ومسها ثم صام الباقي استأنف الصيام، فإن أطعم بعض المساكين ومسها، ثم أكمل الإطعام أجزأه، ولم يستأنف ثانياً، تخريجاً على أصل يحيى عليه السَّلام في العتق والصيام، على أنهما يجب أن يقدما على المسيس، وهذا التخريج في العتق ليس بواضح عندي، والأولى/178/ على أصله أن ذلك يجزيء، فأما ما قاله في الصيام فإنه ظاهر.
ويجوز عتق المُدَبَّر في كفارة الظِّهار، وإن اعتق المكاتب بعد أن يرضى المكاتب بفسخ الكتابة، ويرد عليه سيده ما أخذ منه من مال الكتابة جاز عتقه في الظِّهار.
قال أبو العباس: ولا يجوز عتق أم الولد.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: وإن إشترى أباه أو ابنه أو ذا رحم محرمفأعتقه في كفارة الظِّهار، لم يجزه.(1/361)