قال أبو العباس في المعتدة عن الطَّلاق: إذا كانت عدتها بالأشهر فطلّقها زوجها بعد أيام من الشهر، وكان الشهر تسعة وعشرين يوماً أكملت ثلاثين يوماً للشهر الأول، وتعتد الشهرين الآخرين على ما يُهِلان.
وعدة أم الولد إذا أعتقها مولاها، أو مات عنها: حيضتان، والثلاث مستحبة في الوفاة، فإن كان مولاها أعتقها ثم تزوَّجها أو مات عنها، فعدتها كعدة غيرها من النِّسوان.
والمطلّقة طلاقاً رجعياً إذا مات عنها زوجها وهي في العِدَّة، انتقلت عدتها عن عِدَّة المطلّقة إلى عِدَّة الوفاة، فتعتد أربعة أشهر وعشراً، وإن كانت بائناً كانت عدتها عِدَّة المطلّقة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
وإن كانت له امرأتان وقد دخل بهما، ثم طلّق إحداهما طلاقاً بائناً ومات ولم تُعلم المطلّقة منهما، وجب على كل واحدة منهما أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، فيها ثلاث حيض من يوم طلّقها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وإن انقضت ثلاث حيض قبل الشهور أكملت الشهور، وإن انقضت الشهور قبل ثلاث حيض استكملتها.
والمتوفى عنها/182/ زوجها تستحق النَّفَقَة من جميع التركة ما دامت في العِدَّة، والمبتوتة لها النَّفَقَة ولا سكنىلها.(1/352)


قال أبو العباس في المطلّقة طلاقا رجعياً: إذا عمل على انقضاء عدتها بالحيض، ثم جاءت بولد لستة أشهر بعد ذلك، فإن عدتها تكون منقضية بالأقراء دون وضع الحمل؛ لأن الولد لا يلزمه - على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام في المرأة إذا تزوَّجت في عدتها ثم جاءت بولد لستة أشهر، أن نسبه لا يلحق الزَّوج الأول - فإن وضعته لِدُون ستة أشهر انقضت عدتها بالوضع، إذ لا مساغ للحيض مع الحمل، ويلزمه الولد، وإن لم يثبت انقضاء عدتها ولم تبن، كانت الولادة بتاتاً للرجعة وانفساخ العِدَّة.
قال رحمه اللّه: وإن طلّقها بائناً ولم يعمل على انقضاء العِدَّة، لزمه الولد من يوم الطَّلاق إلى أربع سنين، وتنقضي العِدَّة بالوضع تتمة الأربع السنين، فإن ولدته لأكثر من أربع سنين لم يلزمه.(1/353)


باب ما يوجب فسخ النِّكاح وما يتصل بذلك
كل نكاح يرتفع من غير طلاق أو موت، فهو فسخ، كنكاح المعتدة، ونكاح الصغيرة إذا بلغت ولم ترض بالعَقْد، ونكاح المعيبة إذا علم بها الزَّوج ولم يرض بذلك، ونحو ورود الْمِلْك على النِّكاح، وورود الرَّضَاع عليه، وورود العتق عليه.
وإذا ارتد الرجل عن الإسلام، فالبينونة بينه وبين امرأته تقع بنفس الردة، على ما كان يذهب إليه أبو العباس رحمه اللّه ويخرجه من كلام يحيى عليه السَّلام.
فإن ارتدا معاً كانا على نكاحهما، حتى يعرض عليهما الإسلام، فإن أسلما كانا على نكاحهما، وإن امتنعا من ذلك قُتِلاَ، فإن جاءت المرأة بولد لأقل من ستة أشهر من وقت ردتها، فحكم الولد حكم الإسلام، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر، فحكمه حكمها في الرِّدَّة.
وإذا أسلم الرجل دون المرأة، ثم ارتد ورجع إلى دين المرأة أو غيره من الأديان فقد بانت المرأة منه.
ولو أن ذمية أسلمت ولها زوج ذمي انفسخ النِّكاح بينهما وعليها العِدَّة، ولا يكون ذلك طلاقاً، فإن طلّقها وهي في العِدَّة لحقها الطَّلاق. قال أبو العباس: إيقاع الطَّلاق عليها - /183/ يعني من كلام يحيى عليه السَّلام - يوجب إبقاءالنِّكاح بينهما مالم تنقض العِدَّة، والبينونة تحصل بينهما بانقضاء العِدَّة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/354)


قال رحمه اللّه: وإنما يكون ذلك فسخاً إذا عُرِضَ عليه الإسلام فأبى، أو انقضت العِدَّة، فإن كان زوجها الذمي صغيراً، كان النِّكاح موقوفاً بينهما إلى أن يبلغ، فإن أسلم عند بلوغه كانا على نكاحهما، وإذا أسلم الذمي وتحته ذمية صغيرة فالنكاح ثابت بينهما إلى مضي ثلاثة أشهر، فإن أسلم أحد أبويها قبل ذلك فقد جر إسلامه إسلامها، وثبت النِّكاح بينهما، وإن لم يسلم واحد منهما حتى تمضي ثلاثة أشهر بانت منه، والذميان إذا أسلما فهما على نكاحهما، على مقتضى نص القاسم ويحيى عليهما السَّلام.(1/355)


باب انهدام الطَّلاق بالنكاح
ينهدم الطَّلاق الثالث بنكاحٍ صحيحٍ من الزَّوج الثاني إذا وطأها، والمعتبر فيه: التقاء الختانين، على ما ذكر القاسم عليه السَّلام، وتحل للزوج الأول بعد انقضاء عدتها، فإن فارقها الثاني بعد النِّكاح وقبل إصابتها، لم ينهدم ولم تحل للزوج الأول. قال أبو العباس: وسواء كانت المفارقة عن طلاق، أو موت، أو ردة، أو لعان، وسواء كان الزَّوج بالغاً أو مراهقا يمكنه الإيلاج، وإن كان مسلولاً أحلها، وإن كان مجبوباًلم يحلها إلا أن يكون غير مستأصل فيتمكن من الإيلاج وسواء كان الزَّوج حُرّاً أو عبداً، والزوجة حُرَّة أو مملوكة، وسواء كان الزَّوج مغلوباً على عقله، أو الزَّوجة كذلك. فإن كانت بِكْراً لم يحلها إلا بإذهاب العُذْرَة، على موجب قول يحيى عليه السَّلام.
وإذا طلّق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتزوَّجت زوجاً آخر ووطئها، ثم طلّقها فتزوَّج بها الأول لم يهدم النِّكاح الثاني ما تقدم من الطَّلاق، بل تكون عنده على ما بقي من تطليقة أو تطليقتين، قد نص عليه أحمد بن يحيى، وخرجه أبو العباس من كلام يحيى رحمهم اللّه.
وإن طلّقها تطليقة أو تطليقتين، ثم ارتد ثم عاود إلى الإسلام، لم تَهْدِم الردة ما تقدم من الطَّلاق، وتكون عنده على ما بقي/184/، والإسلام لا يهدم من الطَّلاق ما كان قبل الكفر، على أصل يحيى عليه السَّلام.(1/356)

71 / 168
ع
En
A+
A-