والمطلّقة الحبلى إن أسقطت ما بانت فيه الخلقة فقد انقضت عدتها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
وإن كانت المطلّقة مستحاضة، فإنها تعتد بالحيض، وتتحرى وقته كما تتحرى ذلك لترك الصلاة والصيام.
ولو أن صبية طُلِّقت بعد الدخول بها، فاعتدت بالأشهر، ثم حاضت وقد بقي من عدتها أيام، فإنها تستأنف العِدَّة بالحيض، ولا تحتسب بما مضى من عدتها بالأشهر، فإن حاضت بعد مضى ثلاثة أشهر فقد مضت عدتها.
ولو أن ذات الحيض انقطع حيضها لعارض لم يجز لها أن تعتد بالأشهر، وعليها أن تتربص إلى أن يعاودها الحيض، فتعتد به أو تبلغ حد الأياس، وهو ستون سنة، فتعتد حينئذ بالأشهر، ويحل لها أن تتزوَّج. قال أبو العباس: فإن حاضت بعد الأياس أو ظهر بها حِبَل - وذلك يكون منهن ندراً - إعتدت بالحيض أو الحبل.
قال: وإن حاضت حيضة فقط، ثم اعتدت بالأشهر للأياس، ثم حاضت، احتسبت بالحيضة الأولى، ويكوناعتدادها بالحيض.
قال: وإن بلغت صبية خمس عشرة سنة، ولم تحض ووجبت عليها العِدَّة، فعدتها بالحيض أو تبلغ حد الأياس، فتعتد بالشهور، لنص يحيى عليه السَّلام على أن الشهور عِدَّة الصبايا والآيسات، لا البوالغ اللاتي لم ييأسن.
والمتوفى عنها زوجها، تعتد من يوم يبلغها نَعْيه، ولا تحتسب بما مضى من وقت وفاته قبل ذلك.
قال أبو العباس في المطلّقة، نحو هذا، وهو أنها تعتد من يوم/179/ يبلغها خبر طلاقها لا من يوم وقوعه.
وعدة الأمَة كعدة الحُرَّة سواء كان تحت حُرٍّ أو عبد.(1/347)
وعلى زوجة المرتد أن تعتد عند إرتداده، وعدتها كعدة سائر النسوان، وكذلك الذمية إذا أسلمت أو طلّقها زوجها، عليها من العِدَّة مثل ما على سائر النسوان المسلمات من العِدَّة، والحربية إذا أسلمت ولحقت بدار الإسلام ولها زوج في دار الحرب، فعليها أن تستبرئ رحمها بثلاث حيض، ولا يجوز لها أن تتزوَّج قبل مضي العِدَّة.
وإذا مات أحد الزوجين والمرأة معتدة من طلاق تجوز معه الرَّجْعَة، توارثا، سواء طلّقها في حال الصحة أو المرض، فأما المبتوتة وهي: من يكون طلاقها بائناً بأن تكون مختلعة أو غير مدخول بها أو مطلّقة تطليقة ثالثة ، فلا توارث بينهما سواء طلّقها في حال المرض أو الصحة، وسواء وقع الطَّلاق في حال المرض بمسألتها واختيارها أو ابتداء منه، على ظاهر إطلاق يحيى عليه السَّلام، وهكذا ذكر أبو العباس.
فإذا كانت البينونة بالردة، فالإرث ثابت بينهما ما دامت المرأة في العِدَّة، فإذا ارتد الزَّوج فقُتِلَ أو لحق بدار الحرب، فإن المرأة ترثه ما دامت في العِدَّة.
قال أبو العباس: وكذلك إذا قُتِلت هي على الردة، أو لحقت بدار الحرب ورثها الزَّوج، فإن ارتد الزَّوج ولم يُقتل ولم يلحق بدار الحرب حتى حاضت المرأة ثلاث حيض، ثم قتل لم ترثه.
وإذا بلغت الصبية خمس عشرة سنة ولم تحض، لم تعتد حتى تحيض، أو تبلغ ستين سنة فتعتد بالشهور، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/348)
والمعتدة من الوفاة، يجب عليها الإحداد، ولا يجوز لها أن تَخْتَضِبْ، ولا تَطَيَّب، ولا أن تلبس ثوباً مصبوغاً، والمراد به صبغ الزينة، ولا تلبس حُلِياً لزينة، ولا تسافر سفراً، ولا تكتحل إلا عند الضرورة، ولا تمتشط مشطاً حسناً. قال أبو العباس: ولا تَدَّهن فيما ظهر وفيما خفي، إلا من وجع، وتعتد حيث شاءت من منزل زوجها أو منزلها. قال: ولها أن تخرج بالنهار ولا تبيت إلا في منزلها.
والمعتدة من الطَّلاق إن كان طلاقها رجعياً فالمستحب لها أن لا تترك الزينة، وتتعرض لما يدعو زوجها إلى مراجعتها. قال يحيى عليه السَّلام: وينبغي للزوج/180/ أن يتحرز من النظر إلى شعرها وجسدها أو شيء من عورتها، وأن يؤذنها عند دخوله بالتنحنح لتتحرز وتجمع عليها ثيابها. قال أبو العباس: هذا إذا لم يرد مراجعتها، وأجمع على فراقها.
فأما المبتوتة فإن أبا العباس الحسني رحمه اللّه كان يذهب إلى أنها يلزمها ترك الزينة، وكلام يحيى عليه السَّلام يَدُلّ عليه؛ لأنه لما أطلق في الأحكام أن المطلّقة لا يلزمها ترك الزينة، عَقَّب ذلك بأن قال: بل تزيد في الزينة ترغيباً لزوجها في مراجعتها، فاقتضى ذلك أنه حيث أطلق القول بأنها لا تترك الزينة، قصد به المطلّقة الرَّجْعِيَّة.
قال أبو العباس في الصغيرة والذمية: لا حداد عليهما في العِدَّة، والمعتدة عن الطَّلاق الرجعي تعتد في منزل زوجها حيث طُلِّقَت.(1/349)
قال أبو العباس رحمه اللّه في المعتدة عن الطَّلاق الرجعي: لا تخرج من منزل زوجها ليلاً ولا نهاراً، فإن انتقلت إلى منزل آخر لعذر، كان عليها من المكث في المنزل المنتقل إليه ما كان عليها في الأول.
وقال في المبتوتة: لا تنتقل من البيت الذي اعتدت فيه، إلا أن يكون البيت لزوجها فتنتقل. قال: ولها الإنتقال لعذر من سقوط منزل، أو خيفة سقوطه، أو إخراج صاحبه إياها منه لانقضاء مدة الإجارة، أو تعذر الأجرة، أو بيع زوجها له، هذافي عِدَّة الرجعي.
قال: وإن وقع الطَّلاق في بيت من الدار، فلها البيتوتة في أي بيت شاءت إلا أن لا يكون لها إلا ذلك البيت فلا تخرج منه ليلاً ولا نهاراً.
قال رحمه اللّه: وليس على المعتدة من نكاح فاسد شيء من ذلك، ولا على المُدَبَّرة، ولا على الأمَة، ولهما الخروج في حاجة مولاهما، فإن تركهما مولاهما لم يخرجا، على ظاهر إستدلال يحيى عليه السَّلام، لقوله تعالى: {وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} .
قال: وللصبية أن تخرج، وكذلك المشركة، وإن بلغت الصبية في بعض عدتها، أو أسلمت المشركة، لزمهما ما يلزم الحُرَّة المسلمة البالغة.(1/350)
قال رحمه اللّه: وإن طلّقها زوجها في سفر، وأقل السفر بريد، فيما نصه القاسم عليه السَّلام، فتعتد مكانها ولا ترجع إلى بيتها، فإن كان الموضع فيه خطر أو تعذر مأمن، والمأمن دون بريد، خرجت إليه واعتدت فيه، وإن كان بين منزلها وبين المأمن، أو بين الموضع الذي أرادت أن تسافر إليه/181/ بريد أو أكثر منه، فهي مخيرة، إن شاءت رجعت إلى بيتها، وإن شاءت خرجت إلى الموضع الذي أرادت أن تسافر إليه، وإن شاءت عدلت إلى المأمن، فإن كان ما بينها وبين منزلها أقل من بريد، رجعت إلى بيتها بكل حال، وسواء كان خروجها ابتداء لفرض الحج أو غيره، أحرمت أم لا.
قال: ولا عِدَّة من نكاح فاسد، إلا أن يكون الزَّوج قد دخل بها وجبت العِدَّة.
والموطوءة بالزنا لا عِدَّة عليها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، على ظاهر إطلاق يحيى عليه السَّلام، وذكر أبو العباس أن الحامل من زنا لا يجوز نكاحها حتى تضع - عند يحيى - وأومأ فيه إلى تخريج غير واضح.
قال محمد بن يحيى عليه السَّلام فيما حكاه عنه أبو العباس: خلوة العِنِّينتوجب العِدَّة. قال رحمه اللّه: وكذلك المسلول، وهو قياس قول يحيى عليه السَّلام، وكذلك المجبوبغير المستأصل.
وإذا تزوَّجت المرأة وهي في عِدَّة من زوجها عن طلاق أو وفاة أو رِدَّة، فدخل بها الثاني، فُرق بينهما وتستبرئ من ماء الثاني بثلاث حيض، ثم تبني على ما مضى من عدتها من الأول، ولا تتداخل العدتان.(1/351)