باب الرجعة
من طلّق امرأته طلاقاً غير بائن فله أن يراجعها ما دامت في العِدَّة، من غير رضاها أو رضا وليها، ولا يحل له أن يراجعها على سبيل المضارة لها، وذلك أن يراجعها قبل انقضاء عدتها وحين يقرب انقضاؤها ، لا رغبة له فيها، ولكن يمنعها من التزوَّج.
ولا رجعة إلا في العِدَّة، والرَّجْعَة تكون بالقول وتصح أيضا بالوطئ، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام.
ولا يحتاج إلى أن ينوي الرَّجْعَة، تخريجاً، ويستحب الإشهاد في الرَّجْعَة وليست بواجبة، على مقتضى نص القاسم عليه السَّلام.
والتَّقْبِيل والنَّظرمن شهوة بمنزلة الوطئ، على مقتضى نص محمد بن يحيى عليه السَّلام.
ولو أن امرأة ادعت على زوجها بعد تطليقه لها بشهرينأنها قد حاضت ثلاث حيض وانقطعت عدتها، طُولبت المرأة بالبينة على ما ادعت، ويقبل في ذلك شاهدة امرأة واحدة إذا كانت عدلة وتُحَلَّف المرأة احتياطاً.
قال أبو العباس: البَيِّنة تسمع على المدة التي تصح أن تحيض فيها ثلاث حيض، فيمكن فيها انقضاء عدتها دون رؤية الحيض، فإن لم يكن لها بينة، لزمها أن تتربص بالتزويج حتى يصح انقضاء عدتها، ولزوجها أن يراجعها في هذه المدة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
وإذا ادعى الزَّوج على المرأة التي طلّقها أنه راجعها قبل انقضاء عدتها وأنكرت المرأة ذلك، فعلى/176/ الزَّوج البَيِّنة، وعلى المرأة اليمين، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/342)


قال أبو العباس: إذا مضت من يوم الطَّلاق مدة يمكن انقضاء العِدَّة فيها والمرأة لم تقر بانقضائها وراجعها الزَّوج، ثم ادعت انقضائها، كان القول قول الزَّوج مع يمينه، وإن كانت أقرت بانقضاء العِدَّة، ثم راجعها، فالقول قولها مع حلفها؛ لأنها مُصدَّقة على ذلك فيما أمكن من مداها.
قال السيد أبو طالب رحمه اللّه: وعلى هذا إذا ادعى في حال العِدَّة أنه راجعها فهي رجعة منه، فثبتت الرَّجْعَة.
قال رحمه اللّه: وإن راجعها الزَّوج بعد انقضاء العِدَّة بالوطء، وقال: ظننتأن العِدَّة لم تنقض، وجب عليه المهر.
قال: ولو وطئها مراراً، وجب عليه مهر واحد، كما يلزم في الزِّنا على من وطأ المرأةمراراً، حَدٌ واحد، فإن وَفَّى المهر أولاً فأولاً أو قضى به حاكم عليه، فعليه لما بعده من الوطء مهرٌ آخر، كما نقوله في الرجل إذا زنا وحُدَّ ثم وطأ ثانياً.
وانقضاء العِدَّة يتبين إذا عرف يوم الطَّلاق بإنقضاء شهور العِدَّة إن كانت العِدَّة بالأشهر، أو بالوضع إن كانت حاملاً، فأما الحيض فلا يُعلم إلا من جهتها.
ولا فرق في الرَّجْعَة بين الْحُرّ والعبد، ولا بين الحُرَّة والأمَة، ولا بين وقوع الطَّلاق في الطهر والحيض، أو في طهرٍ جامعها فيه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
وليس في الرَّجْعَة مهر ولا عوض، على قياس قوله.
قال أبو العباس: وإذا خلا الرجل بامرأته، واغلق عليها الباب ولم يمسها، لم يكن ذلك رجعة، فإذا تصادقا لم يكن حصلت له عليها رجعة، وإن وجب المهر وجبت العِدَّة.(1/343)


قال رحمه اللّه: وإن راجعها الزَّوج وأشهد على الرَّجْعَة وهي لا تعلم، فقد أساء إن تعمد أن يكتمها إذا غرر بها، فإن نكحت بعد انقضاء العِدَّة غيره فُسخ نكاحها، وردت على الأول، ولها صِدَاق مثلها على الثاني إن وطئها.
قال رحمه اللّه: وإن ارتدت المرأة فلا رجعة للزوج عليها، وحلت للأزواج بعد انقضاء ثلاث حيض؛ لأن الرِّدة - على أصل يحيى - توجب البَيْنُونَة، وهي تبين من زوجها بنفس الردة، ولا تصح رجعة المولى عن عبده، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/344)


باب ما لا يقع من الطَّلاق وما يتصل بذلك
لا يقع طلاق الصبي بحال، ولا يقع طلاق المجنون في حال جنونه، فإن كان يفيق في بعض الأوقات، صح طلاقه في حال إفاقته، وكذلك القول في كل من لايعقل من مبرسم ومغمور، وأما السكران فقد أطلّق يحيى عليه السَّلام أن طلاقه جائز، وما حَصَّله أبو العباس من المذهب وخرجه من قول القاسم عليه السَّلام وحكاه عن أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه هو: أن السكران الذي زال عقله بالسكر فلا يعقل ما يتكلم به لا يقع طلاقه، وحمل ما أطلّقه يحيى على السكران الذي لم يزل عقله وتمييزه جملة، وهذا الذي نختاره.
ولا يقع الطَّلاق قبل النِّكاح.
ولا يقع طلاق المكره.
قال القاسم عليه السَّلام في استحلاف الظلمة بالطَّلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أنه لا يلزم من أكره عليه.
وقال فيمن أُكره على الحلف بالطَّلاق ألاّ يشرب مسكراً فشربه أنه لا يحنث.
وبيع الأمَة لا يكون طلاقاً، ولابيع العبد، وإباق العبد لا يكون طلاقاً، هذا منصوص يحيى عليه السَّلام.
وإذا طلّق الأب امرأة ابنه الصغير وقد زوجه إياها، لم يقع الطَّلاق.
ولا يقع طلاق مولى العبد على عبده إلا بتوكيل العبد له بذلك، سواء كانت زوجته حُرَّة أو مملوكة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/345)


باب العِدَّة وأحكامها
العِدَّة عدتان: عِدَّة إرتفاع النِّكاح، وعدة الوفاة.
والمعتدة عن إرتفاع النِّكاح، ذات حيض، أو آيسة من الحيض؛ لصغر أو كبر. وذات الحيض: حائل، أوحامل.
وعدة ذات الحيض إن كانت حائلاً بثلاثة أقراء، والأقراء هي الحيض، وتنقضي عدتها، ويبطل حكم مراجعة الزَّوج لها بأن تغتسل من الحيضة الثالثة.
وإذا كانت حاملاً فعدتها مدة الحمل، وانقضاؤها يكون بالوضع، وتبطل رجعة الزَّوج عنده، ولا تحل لزوج آخر حتى تغتسل من نفاسها.
وعدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، إذا كانت حائلاً، فإن كانت حاملاً فآخر الأجلين من الوضع أو الأشهر.
والمطلّقة قبل الدخول لا عِدَّة عليها، والمدخول بها على سبيل الخلوة التي توجب كمال المهر، عليها العِدَّة وإن لم تُجَامع إذا كانت تصلح للجماع /178/، فإن كانت لا تصلح للجماع استحب أن تعتد، وليس ذلك بواجب عليها.
وعدة المختلعة كعدة سائر المطلّقات.
والمتوفى عنها زوجها عليها العِدَّة، سواء كانت مدخولاً بها أو غير مدخول، كبيرة كانت أو صغيرة، ممن تصلح للجماع أو لا تصلح، وكذلك لا فرق بين أن يكون الزَّوج صغيراً أو كبيراً.
ولا عِدَّة من نكاح فاسد، إلا أن يكون الرجل قد وطئها فيلزمها أن تعتد بالحيض، أو الأشهر إذا كانت آيسة، أو بوضع الحمل إن كانت حاملاً، سواء كانت الفُرْقة عن موت أو عن تفريق بينهما.
وإذا طلّق الرجل امرأته وهي حائض، لم تعتد بتلك الحيضة في عدتها.
وإذا كانت المطلّقة حبلى، وفي بطنها ولدان أو أكثر، فانقضاء عدتها بأن تضع آخر ما في بطنها.(1/346)

69 / 168
ع
En
A+
A-