ولو أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق إلا أن يشاء أبوك حبسك. وقف طلاقها على مشيئته. فإن قال: قد شئت أن لا تطلّقها، وأن تكون محبوسة عليك، لم يقع الطَّلاق، وإن لم يشأ ذلك بأن يقول: قد شئت طلاقها أو يسكت ولا يبدي المشيئة طلقت.
قال أبو العباس - في حكم هذه المشيئة -: إنها على الفور فيكون له حال المجلس إن كان حاضراً، أو حين بلوغه إن كان غائباً، وكذلك القول إذا علق الطَّلاق بمشيئة نفسه أو مشيئة أجنبي.
وإن قال لها: أنت طالق إلا أن يشاء أبوك ثلاثاً. يسأل عن نيته، فإن قال: أردت أنه إن شاء ثلاثاً فلا شيء، وإن شاء الأب ثلاثا لم يقع الطَّلاق، وإن شاء واحدة طلقت، وإن قال: أردت أنه إن شاء ثلاثاً فهي ثلاث، فشاء الأب ثلاثاً؛ وقعت واحدة في قولنا، وفي قول أهل الثلاث ثلاثاً، وإن شاء واحدة لم يقع شيء. قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن قال الأب: لا أشاء شيئاً، وقعت واحدة.
وإن قال: إذا كان رأس الشهر، أو رأس الحول فأنت طالق. وقع الطَّلاق إذا جاء ذلك الوقت، ولم تحرم عليه قبله، وكذلك إذا قال: إلى شهر أو إلى سنة.
قال أبو العباس: وإن قال: أنت طالق غداً، أو إذا جاء غد، طلقت في قوله، - يعني قول يحيى عليه السَّلام - إذا طلع الفجر، وكذلك إن قال: في غد، وإن نوى وقتاً فيه من نصفه أو آخره فله نيته في الحكم وفيما بينه وبين اللّه تعالى.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه: إن قال لها: أنت طالق إلى حين أو زمان. إن نوى وقتاً بعينه فذاك، وإن لم ينو فإذا مات، وقد قيل: أن الحين ستة أشهر.(1/337)


قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه - فيما حكاه عنه أبو العباس -: إذا قال رجل لامرأته: أنت طالق أمس، لم يقع شيء، ولو أن رجلاً كتب إلى امرأته أنت طالق، وقع الطَّلاق يوم كتب الكتاب، فإن كتب /173/ إليها: إذا أتاك كتابي فأنت طالق، وقع الطَّلاق إذا وصل إليها الكتاب، فإن احتبس الكتاب أو ضاع لم يقع. وتحصيل المذهب في ذلك: أنها تجري مجرى الكناية فإن نوى الطَّلاق وقع، ذكره أبو العباس في (النصوص) .
وقال أبو العباس: إن حاك الكتابة بأصبعه أو بعود أو على هواء أو ماء ونوى به الطَّلاق. فلا شيء؛ لأن ذلك لا ينكتب.
وذكر أن الإشارة إذا فهم بها معنى الفُرْقَة ونوى بها الطَّلاق كان طلاقاً، تخريحاً على نص يحيى عليه السَّلام.
قال محمد: فإن كتب إليها: جعلت طلاقك إليك ساعة يصل كتابي إليك. فلم تطلّق نفسها حين يصل الكتاب وأخَّرته، لم يكن لها أن تطلّق نفسها بعد ذلك.
ولو أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق إن شاء اللّه، فإن كان ممسكاً لها بالمعروف ومحسناً إليها، لم يقع الطَّلاق، وإن كان غير ممسك لها بالمعروف ومسيئا إليها طلقت.
ولو أن رجلاً حلف بالطَّلاق ليفعلن فعلاً من الأفعال ولم يفعله، فإن كان قيده بوقت وقع الطَّلاق إذا جاء ذلك الوقت ولم يفعله، ولا يحنث قبله، وإن كان أطلقه حنث في اليوم الذي يموت فيه، ووقع الطَّلاق وترثه المرأة؛ إن كان الطَّلاق رجعياً، وإن كان بائناً لم ترثه، ولا حنث عليه قبل موته.(1/338)


قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن كان مؤقتاً ومات بعد الوقت ولم يفعله، طلقت المرأة حين خرج الوقت، فإن خرجت من عدتها قبل موته أو كانت تطليقة بائنة أو ثالثة لم ترثه.
فإن قال لها: أنت طالق حين لم أطلّقك، أو يوم لم أطلّقك، أو متى لم أطلّقك، أو ما لم أطلّقك، فإن كانت له نية في وقت بعينه مستقبل، وقع الطَّلاق إذا جاء ذلك الوقت، وإن لم يكن له نية، وقع حين يسكت، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولو أن رجلاً حلف بالطَّلاق أنه لا يبرح من مكانه حتى يشتري عشرة أرطال سكراً فاشتراه، ثم وجد فيه بعد أن برح من مكانه رطلاً واحداً من القَنْد، حنث، وكذلك لو حلف أن لا يبرح من مكانه حتى يستلف عشرين درهماً، واستلفها، ثم وجد فيها بعد أن برح من مكانه وزن درهم حديداً، حنث، ووقع الطَّلاق. قال أبو العباس: فإن كان/174/ زائفاً، لم يقع الطَّلاق، فإن وهبت له هذه الدراهم، حنث.
قال أبو العباس: إن قال لها: أنت طالق إن دخلت الدار. ثم طلّقها قبل أن تدخلها ثم راجعها، فدخلت وقع الطَّلاق، هكذا نص يحيى عليه السَّلام في المولى إذا طلّق ثم تزوَّج بها بعد انقضاء العِدَّة. قال: فإن دخلت قبل الرّجْعَة، لم تطلّق.(1/339)


قال رحمه اللّه: فإن قال لها: إن حلفتُ بطلاقك فأنت طالق. ثم قال: إن حلفتُ بطلاقك فأنت طالق. وقعت تطليقة واحدة عند تكرر اللفظ ثانياً، فإن أعاد اللفظ ثالثة بعد الرَّجْعَة. وقعت تطليقة ثانية، وإن أعادها قبل الرَّجْعَة لم يقع شيء؛ لأن المطلّقة لا يقع عليها الطَّلاق، وإن قال: إن حلفتُ بطلاقك فعُمَرَة طالق، ثم قال: إن طلّقت عمرة فأنت طالق، طلقتا جميعاً. قال أبو العباس: فقد حلف في الثاني بطلاقها فتطلق عمره، وشرط طلاقها بطلاق عمرة فتطلق أيضا هي.
قال محمد بن يحيى عليه السَّلام: إن قال لها وهي حامل: إن كان ما في بطنك غلاماً فأنت طالق، وإن كانت جارية فلست بطالق. فولدت غلاماً وجارية، طلقت، إلا أن يكون نوى غلاماً وحده، فلا تطلّق وإن كان نوى بقوله: وإن كانت جارية فلست بطالق، أنها إن كانت جارية وحدها لم تطلق، وقع الطَّلاق عليها؛ لأنها لم يكن في بطنها جارية منفردة، وإن كان نوى أنها إن كان في بطنها جارية فليست بطالق، لم يقع عليها الطَّلاق.
فإن قال لها: أنت طالق أول آخر هذا اليوم، أو آخر أوله، وقع الطَّلاق عند انتصاف النهار، على ما خرجه أبو العباس من كلام القاسم عليه السَّلام.
فإن قال لها: أنت طالق يوم أدخل دار فلان، أو يقدم زيد، فإن دخلها ليلاً أو نهاراً وقع الطَّلاق، إلا أن يكون نوى النهار دون الليل، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/340)


فإن قال لها: أنت طالق رأس شهر كذا، أو غرة شهر كذا، أو عند دخول شهر كذا. وقع الطَّلاق إذا رُؤيَ هلال ذلك الشهر، فإن قال: عند انسلاخ شهر كذا، أو مضيه. وقع الطَّلاق عند رؤية الهلال للشهر الذي يليه.
قال القاسم عليه السَّلام: فإن قال: إذا حبلت فأنت طالق. يرجع إلى نيته، فإن أراد بذلك/175/ أنه إذا علم بحبلها فهي طالق، لم تطلق حتى يعلم بذلك، وإن أراد أنها متى صارت حبلى طلقت، لم يجز له أن يطأها في كل طهر إلا مرة واحدة ويستبريء رحمها بحيضة.
فإن قال لها: فإذا حضت فأنت طالق. وقع الطَّلاق إذا رأت دم الحيض. فإن قال: إذا حضت حيضة فأنت طالق. طلقت حين تطهر، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولو أن رجلا رأى طائراً فقال: إن كان هذا غراباً فامرأته طالق فطار الطائر ولم يعرف أنه كان غراباً أو غيره، لم يقع الطَّلاق، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. فأما ما قاله محمد بن يحيى رضي اللّه في (مسائل العوفي) من أن الأحوط أن يطلّقها ثم يراجعها، فإنه محمول على الإستحباب.(1/341)

68 / 168
ع
En
A+
A-