وإذا اتفقا على العِوَض، قال لها الزَّوج: طلّقتك على كذا، أو خالعتك عليه، أو بارأتك، أو غير ذلك من الفاظ الكنايات. أو يقول: أنت طالق على كذا، أو يقول: إذا أبرأتني من كذا، أو أعطيتني كذا فأنت طالق، فإذا فارقها على ذلك فقد بانت منه ولا رجعة له عليها، ولهما أن يستأنفا نكاحاً جديداً قبل انقضاء العِدَّة وبعدها إن لم يكن الخلع قد تقدمه تطليقتان.
وإن خالع الأب زوج ابنته الصغيرة عنها وضمن المهر صح الخلع، ولابنته إذا بلغت أن تطالب الزَّوج بمهرها، وللزوج أن يرجع على الأب بما ضمنه، وإن لم يكن الزَّوج دخل بها فلها نصف المهر.
قال أبو العباس: ولو خالع امرأته على خمر أو خنزير، وقع الطَّلاق من غير شيء يستحق، على أصل يحيى عليه السَّلام، وإن كانا ذميين أو حربيين وقبضتهما نفذ، وإن أسلما أو أسلم أحدهما طلّقت بلا شيء، كما بينا نظائرهما في النِّكاح.
قال رحمه اللّه: وإن خالعها على مهرها قبل الدخول، رجع عليها بنصف المهر عيناً كان المهر أو ديناً.
قال: ولو خالعها على هذا العبد أو على هذه الأمَة وهما مهرها، كانا له أو كسبهما، على أصل يحيى عليه السَّلام؛ لأن الطَّلاق عوضه ما يستيقن.
وإن نكحها على عبد غير معين ثم خالعها عليه، كان له ما يقع عليه التسمية.
وإن خالعها على دراهم أو دنانير أو عرض جاز ذلك، على موجب نص يحيى عليه السَّلام.
قال: وللمرأة مهرها إن كان مثل مهرها المسمى أو أقل منه.
والمختلعة لا يلحقها الطَّلاق.
وطلاق الوكيل عن الموكل صحيح.
وللعبد أن يطلّق ثلاثاً كما يطلّق الْحُرّ.(1/327)


باب الفاظ الطَّلاق وذكر أحكامها
لفظ الطَّلاق: صريح، وكناية.
فالصريح: ما كان ملفوظاً /167/ بلفظ الطَّلاق. نحو قوله: أنت طالق، أو أنت الطَّلاق.
والكناية: نحو قوله: أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو بتة، أو استبرئي رحمك، أو الحقي بأهلك، أو لست لي بامرأة، أو حبلك على غاربك، أو أبرأتك من عقدة النِّكاح، أو أنت سائبة، أو أنت حُرَّة، أو أنت حرام.
قال القاسم عليه السَّلام - في قول الرجل -: (بهشتم) بالفارسية: إنه إن نوى به الطَّلاق كان طلاقاً. وأجري هذا اللفظ مجرى الكنايات.
وما كان منه صريحاً فإنه لا يحتاج إلى النية، ويتعلق الحكم بالفظ ويوجب الفرقة، على مقتضى كلام يحيى عليه السَّلام، وإلى هذا كان يذهب أبو العباس الحسني. سمعته يقول: إن الكنايات هي التي تحتاج إلى النية، وحكى ذلك عن القاسم عليه السَّلام على غالب الظن، والكنايات كلها مفتقرة إلى النية.
وإن ادعى الرجل أنه نوى بها غير الطَّلاق دِيْنَ في القضاء وفيما بينه وبين اللّه تعالى، فإن اُتُّهِم اسْتُحلِف احتياطاً، وإن اقترن باللفظ ما يلحقه بباب الصريح نحو أن يكون جواباً عن سؤال لم يدينفي القضاء، تخريجاً، وأجري مجرى الصريح.
قال القاسم عليه السَّلام: إذا كان القول غير محتمل لما ذَكَر أنه أراده لم يُلْتَفَت إلى نيته، ويؤخذ بالتسمية.
وهي كلها رجعية لا بائن فيها إلا الخلع.
قال أبو العباس في قول الرجل لامرأته: أنت علي حرام، إن نوى به الطَّلاق يكون طلاقاً، كما نص عليه القاسم عليه السَّلام، وإن لم ينو الطَّلاق لزمته كفارة يمين، على قياس قول القاسم عليه السَّلام.(1/328)


قال رحمه اللّه: فإن قال لها: أنا عليك حرام. ونوى الطَّلاق طلّقت، ولو قال لها: أنا منك طالق. لم يكن شيئاً.
فإن قال لها: أنت علي كظهر أمي، كان صريحاً في الظِّهار، وعليه يحمل في القضاء، فإن نوى به الطَّلاق كان طلاقاً فيما بينه وبين اللّه تعالى، هذا تحصيل المذهب في هذا المسألة، على موجب نص يحيى عليه السَّلام، فإن قال: أنت علي كأمي فهو كناية عن الظِّهار، وقد يجوز أن يكون كناية عن الطَّلاق، فيرجع في ذلك إلى نيته، في القضاء وفيما بينه وبين اللّه تعالى.
ولو قال لها: جعلت أمرك إليك فاختاري. فقالت: قد اخترت نفسي. وقعت تطليقة واحدة رجعية. قال أبو العباس:/168/ هذا إذا كان الزَّوج قد نوى الطَّلاق بما قاله، فإن قالت: قد اخترتك. لم يقع شيء، وكذلك إذا قال لنسائه: اخترنني أو أنفسكن، ولها الخيار ما دامت في المجلس، فإن اختارت نفسها بعد مفارقتهلم يكن شيئاً.
قال أبو العباس رحمه اللّه: ولو قال لرجل: قد جعلت أمر امرأتي بيدك. كان له المجلس فقطيعني على قياس قول يحيى عليه السَّلام -، وكذلك لو ضم إليه: إن شئت، أو قال: طلّق امرأتي إن شئت، ولو قال: طلّق امرأتي، فقط، فله المجلس وغيره، فإن أراد أن يرجع عن ذلك في المجلس. وقال: لا خيار لك. لم يكن ذلك له، على موجب نص يحيى عليه السَّلام؛ لأنهقال: لها الخيار ما دامت في المجلس، ولم يشترط فيه رجوع الزَّوج.(1/329)


قال أبو العباس: فإن قالت: اخترت. ولم تقل نفسي لم يكن طلاقاً، وإن كان الزَّوج نوى به الطَّلاق، فإن قال لها: اختاري. ولم يقل: نفسك. فقالت: اخترت نفسي. وقع الطَّلاق رجعياً. وكذلك لو قال لها: اختاري نفسك. فقالت: اخترت نفسي.
قال رحمه اللّه: فإن قال لها: طلّقي نفسك. فقالت: طلّقتك. لم يكن شيئاً، ولو قالت: أبَنْتُكَ. وقعت تطليقة واحدة.
قال القاسم عليه السَّلام في رجل قال: ما أحل اللّه للمسلمين فهو علي حرام؛ دخل فيه الطَّلاق إن نواه.
وقال في رجل؛ قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا. وله امرأة تكون كذبة كذبها، إلا أن ينوي به الطَّلاق، فإن نواه كان طلاقاً.
قال أحمد بن يحيى رضي اللّه عنه: لو قال رجل لامرأته: يا بنتي، أو لجاريته. لم يلزمه شيء.
وكل كسر في الطَّلاق فهو جبر، فإن قال لامرأته: أنت طالق عُشْر تطليقة، أو رُبع تطليقة، أو نصف تطليقة، أو ثلثاً. فهي تطليقة واحدة.
قال أبو العباس رحمه اللّه: وكذلك إن قال لها: [أنت طالق] نِصْفَي تطليقة، أو خمسة أرباعها، أو نصفي تطليقتين، أوقال: ثلاثة أنصافها.
ولو قال رجل لامرأتين له: بينكما تطليقة ونصف. وقعت على كل واحدة منهما تطليقة واحدة، وكذلك لو قال: بينكما تطليقتان ونصف تطليقة. وقعت تطليقة واحدة، على كل واحدة، هذا على قول من يرد الثلاث إلى واحدة، وعلى قول من يثبت الثلاث بلفظ واحد، يقع على كل واحدة تطليقتان/169/.(1/330)


قال أبو العباس رحمه اللّه: فإن قال: بينكما خمس تطليقات. وقعت على كل واحدة منهما تطليقة، وفي قول أهل الثلاث ثلاث، وكذلك لو قال لثلاث نسوة: بينكن ثلاث تطليقات، ولأربع بينكن أربع تطليقات. أو قال: بينكن تطليقة واحدة، أو تطليقة ونصف، أو تطليقتان ونصف، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
فإن قال لها: أنت طالق واحدة إلا واحدة. وقعت تطليقة واحدة.
قال أبو العباس: وكذلك إن قال لها: أنت طالق غير طالق. وحكاه عن محمد بن يحيى.
قال: وكذلك لو قال: أنت طالق طلاقاً واحداً لا يقع عليك؛ وقعت تطليقة واحدة.
قال: فإن قال لها: أنت طالق أو لا، لم تطلّق، وحكاه محمد بن يحيى رضي اللّه عنه.
قال رحمه اللّه: ولو قال لها: أنت طالق واحدة معها واحدة، أو واحدة قبلها واحدة، أو بعدها واحدة، وقعت تطليقة واحدة، وكذلك لو قال: أنت طالق واحدة، وقعت تطليقة واحدة، وكذلك لو قال: أنت طالق واحدة بعد واحدة.(1/331)

66 / 168
ع
En
A+
A-