باب الأحوال في نكاح المشركات ومهورهن
قال أبو العباس في المشرك إذا أسلم ثم مات وقد تزوَّج بأربع نسوة في عقدة، وثلاث في عقدة: كان للأربع على أصل يحيى عليه السَّلام مهران بينهن أرباعاً، وللثلاث مهر ونصف بينهن أثلاثاً، فإن كانت إحدى الأربع أو إحدى الثلاث أمَة، كان نكاح الأمَة باطلاً، وبطلانه لا يقتضي بطلان نكاح من شاركتها في العَقْد على أصله، فكأنه تزوَّج ثلاثاً ثم بثلاث أو بأربع ثم باثنتين، فيكون للثلاث اللاتي الأمَة رابعتهن مهر ونصف بينهن، وكذلك للثلاث الأواخر مهر ونصف بينهن، وإن كانت الأمَة ثالثة الثلاث فبين الأربع مهران وبين الآخرتين اللتين هي ثالثتهما مهر واحد، وعلى هذا القياس يكون المهر إن زدن أو نقصن.(1/322)
فإن تزوَّج اثنتين في عقدة، وثلاثاً في عقدة، واثنتين في عقدة أخرى، فمهر ونصف بين الثلاث، ومهران بين الطائفتين أرباعاً، فإن كانت إحدى الاثنتين أمَة ثبت نكاح الحُرَّة دون الأمَة، ونكاحها ثابت بكل حال؛ لأنها إما ثالثة الاثنتين أو رابعة الثلاث، فلها مهرها كاملا، وللثلاث مهر ونصف، وللاثنتين مهر واحد بينهما، فإن كانت ثالثة الثلاث أمَة فنكاح الأربع جائز بكل حال، ويبطل نكاح الإثنتين أبداً، وأربعة مهور تكون بينهن أسداساً، فإن اختلفت مهورهن في هذه المسائل فلكل واحدة منهن نصف ما سمي لها من مهرها، إلا في التي ذكرنا أخيراً أن أربعة مهور تكون بينهن أسداساً، فإن لكل واحدة منهن ثلثي ما سمى لها، فإن كان/164/ دخل بهن فالدخول تصحيح لنكاح من دخل بها، فإن مات ولم يُدْرَ مَنِ المدخول بها أولاً، فلكل واحدة نصف المسمى، ونصف الأقل من المسمى أو مهر المثل.(1/323)
وقال رحمه اللّه في ميراثهن: إنه إذا كان تزوَّج أربعاً وثلاثاً فنصفه بين الأربع أرباعاً، ونصفه بين الثلاث أثلاثاً، فإن كانت رابعة الأربع أمَة، أو ثالثة الثلاث أمَة، فكأنه تزوَّج بثلاث ثم بثلاث، أو بأربع ثم باثنتين، فيكون نصف الميراث بين الثلاث الأوائل التي الأمَة رابعتهن أثلاثاً، ونصفه بين الثلاث الأواخر أثلاثاً، أو نصفه بين الأربع أرباعاً، ونصفه بين الاثنتين إن كانت هي ثالثة الثلاث، فإن تزوَّج اثنتين في عقدة، وثلاثاً في عقدة، واثنتين آخرتين في عقدة، فالميراث نصفه بين الثلاث أثلاثاً، ونصفه بين الطائفتين أرباعاً، فإن كان مع إحدى الأثنتين أمَة ثبت نكاح الحُرَّة بكل حال، فلها مهرها كاملاً وسدس الميراث من وجه، وثمنه من وجه، وأما الثلاث فلهن ثلاثة أرباع الميراث إن ثبت نكاحهن فلهن نصفه، وللثنتين ثلث الميراث إن صح نكاحهن، فلهن نصف ذلك، وفريضتهن من أربعة وعشرين، وإن كانت الأمَة ثالثة ثلاث فنكاح الأربع جائز بكل حال، ويبطل نكاح اثنتين، والميراث بينهن أسداساً.(1/324)
باب أنواع الطَّلاق
الطَّلاق ينقسم إلى: سُنَّة، وغير سُنَّة، وينقسم أيضا: إلى رجعي، وبائن.
فطلاق السُنَّة: وهو طلاق العِدَّة، نحو أن يطلّق امرأته وهي طاهر قد اغتسلت من حيضها، ولا يكون قد جامعها في ذلك الطهر، فإذا مضت ثلاثة أقراء وطهرت من القرء الثالث واغتسلت، فهي أملك بنفسها منه، ويكون هو خَاطِباً من الخطَّاب، وله أن يتزوَّجها بنكاح جديد، وتكون عنده على تطليقتين، وقبل مضيها يكون أملك بها، وله أن يراجعها، فإن راجعها كان أحق بها، وإن تركها حتى تمضي ثلاثة أقراء فهي أملك بنفسها منه، ويكون هو خاطباً من الخطاب/165/.
فإن تزوَّج بها ثانياً وأراد تطليقها تطليقة ثانية طلّقها وهي طاهر من غير أن يجامعها، فإن راجعها في العِدَّة أو تزوَّج بها بعد انقضاء هذه العِدَّة بنكاح جديد وأراد أن يطلّقها تطليقة ثالثة تركها حتى تحيض حيضة وتطهر ولم يجامعها، ثم طلّقها تطليقة ثالثة، فعند ذلك لا تحل له حتى تتزوَّج زوجاً غيره بعد مضي ثلاثة اقراء، وإن أراد أن يطلّقها ثلاثاً على السُنَّة طلّقها في ثلاثة أطهار من غير جماع، ويراجعها بين كل تطليقتين، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام.
وإن كانت صغيرة لم تحض، أو كبيرة قد يئست من الحيض استحب له أن يكف عن جماعها شهراً، ثم يطلّقها كما وصفنا بالأهلة، وكذلك إن كانت حاملاً استحب له أن يكف عن جماعها شهراً ثم يطلّقها كما وصفنا بالأهلة، وإن طلّق هؤلاء قبل مضي شهر جاز.
قال أبو العباس: فإن طلّقها في طهر من حيض كان طلّقها فيه لم يكن مطلِّقاً للسُنَّة.(1/325)
والمخالف للسُنَّة: فهو أن يطلّقها وهي حائض أو طاهر ويكون قد جامعها في ذلك الطهر، أو يطلّقها في طهر واحد ثلاث تطليقات. وكل ذلك واقع وإن كان مخالفاً للسُنَّة.
والطَّلاق الرجعي، فهو: كل طلاق يقع على المدخول بها لا على عوض، ولا تكون تطليقة ثالثة. ولا فصل بين طلاق السُنَّة وطلاق البدعة في جواز المراجعة قبل انقضاء العِدَّة، وإذا طلّقها في حال الحيض فالرَّجْعَة مستحبة.
والبائن: فهو ما يقع على غير المدخول بها، أو يقع على عِوَض، أو يكون تطليقة ثالثة قد تخلل بينهما رجعتان.
والإشهاد على الطَّلاق غير واجب، وليست الشهادة شرطاً في صحته، على مقتضى نص القاسم ويحيى عليهما السَّلام، وإنما يستحب ذلك لقطع الخصومات، وكذلك في الرَّجْعَة.
قال أبو العباس: الخلع طلاق وليس بفسخ، تخريجاً من كلام يحيى، ولا يجوز الخلع إلا إذا خاف الزَّوج والمرأة أن لا يقيما حدود اللّه، وتكون المرأة هي المبتدأة لطلب ذلك ناشزةعنه غير ملتزمة ما أمر اللّه به من طاعته، فتقول: لا أُبِرُّ لك قسماً ولا أطأ لك فراشاً، ولا أطيع لك أمراً، فحينئذ يجوز للرجل أن يخالعها على فدية وعوض، ولا يجوز أن يكون ذلك العوض أكثر من مهرها/166/ ونفقة عدتها وتربية أولادها ونفقتهم.
قال أبو العباس: فإن ابتدأت المرأة ببذل الزيادة على المهر من غير مطالبة الزَّوج لها كان تبرعاً منها وجاز ذلك، وإن أبى أن يطلّقها إلا بأخذ الزيادة لم يجز ذلك ورد عليها.
قال: وإن كان النشوز من قِبَل الزَّوج، كان ما أخذ من المرأة مردوداً عليها، والطَّلاق واقعٌ، تخريجاً.(1/326)