وإن تزوَّجها ولم يسم لها مهراً ومات قبل الدخول، فلا شيء لها غير الميراث، هذا قوله في (الأحكام) وهو الصحيح المعمول عليه عند أصحابنا، وفي رواية (المنتخب) : تستحق مهر المثل والميراث. وكان أبو العباس الحسني يتأول ما في (المنتخب) ويحمله على المدخول بها. وكذلك رواية النيروسي عن القاسم عليه السَّلام أن لها المتعة، يقول فيها: إن المراد بما قاله - عليه السَّلام - عند بعضأصحابنا: المطلّقة، وأنَّ ما ذكره خارج عن الكلام الأول، وأن النيروسي أغفل ذلك. والصحيح على المذهب: أنها لاتستحق إلا الميراث دون المهر والمتعة.
وإذا ثبت النِّكاح بين الزَّوج والمرأة من غير أن يكون هناك مهر مسمى، فطلبت المرأة المهر، وجب أن يُحكم لها بمهر المثل، فإن ادعى أو ادعت المرأة على ورثة زوجها مهراً مسمى، واختلفا في القدر ولم يكن هناك بينة، فالقول قول المرأة فيما تدعيه إلى مهر مثلها مع يمينها، فإن ادعت أكثر من ذلك، فالقول قول الزَّوج مع يمينه، هكذا ذكره أبو العباس وإليه أومأ يحيى عليه السَّلام.
فإن اختلفا بعد الطَّلاق وقبل الدخول، يجب أن يكون القول قول الزَّوج، على قياس قول/152/ يحيى عليه السَّلام،
فإذا انفسخ النِّكاح بين الزَّوج والمرأة لأمر كان يوجب ذلك، فإن كان الزَّوج قد دخل بها، فلها المهر كاملاً، سواء كانت الفُرْقَة من قِبَل الزَّوج أو من قبلها، وإن لم يكن الزَّوج دخل بها، فعلى مقتضى نصوص يحيى وأصوله، إن كانت الفُرْقَة جاءت من قِبَل الزَّوج، فلها نصف المهر، وإن كانت من قبل المرأة فلا شيء لها، وهكذا ذكر أبو العباس وحصله من المذهب.(1/302)


وإذا أسلم ذمي ولم تسلم امرأته الذمية كان لها عليه المهر كاملاً، إن كان دخل بها، فإن لم يكن دخل بها، فلها نصف المهر، وإن أسلمت المرأة ولم يسلم الزَّوج ولم يكن دخل بها فلا شيء لها.
وإن ارتد الزَّوج عن الإسلام فللمرأة عليه المهر كاملاً، إن كان دخل بها، وكذلك إن ارتدت المرأة بعد الدخول، كان لها كمال المهر، وإن لم يكن دخل بها، فلا شيء لها عليه، فإن كان الزَّوج هو الذي ارتد، فلها عليه نصف المهر، وإن كانت هي التي ارتدت، فلا شيء لها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، هذا إذا لم يكن دخل بها.
ولو أن رجلاً تزوَّج امرأة على طلاق أخرى، كان للمرأة مهر المثل وتطلّق الأخرى، فإن قال: تزوَّجتك على أن أطلّق فلانة .لم تطلّق، ويكون بالخيار إن شاء طلّق وإن شاء لم يطلّق.
قال أبو العباس: إن كان المهر مسمى، وجب عليه أن يبلغ به مهر المثل إذا لم يف بالشرط.
قال محمد بن يحيى عليه السَّلام - فيما حكاه عنه أبو العباس -: للمرأة أن تمتنع من تمكين زوجها من الدخول بها حتى يوفيها مهرها، فإذا أوفاها فليس لها أن تمتنع، وله البناء بها برضاها، وإن لم يقدم شيئاً من مهرها، وليس لها أن تمنع نفسها منه بعد ذلك، ولها أن تطالب بالمهر.
فأما ما قاله القاسم في (مسائل ابن جهشيار) : من أنه يستحب للمرأة أن تكون قد أخذت من زوجها شيئاً من صِدَاقِها قبل أن يدخل بها زوجها؛ فإنه تصريح بأنه ليس بواجب، وكذلك قال أصحابنا فيمن لم يسم لها مهراً.(1/303)


ولو أن مريضاً تزوَّج امرأة في حال مرضه على أكثر من مهر مثلها ثم مات، كان لها المهر ثابتاً، فإن كان فعل ذلك توليجاً، كان الزائد على مهر المثل وصية يخرج من الثلث. ومعنى التوليج هو/153/: المحاباة، فكأنه قصد أن يحبوها بتلك الزيادة، وهذا المعنى إنما يصح إذا كان الرجل يتمكن من تزويجها بمهر مثلها فزاد، فأما إذا لم يتمكن من ذلك إلا بالزيادة، فمعنى التوليج لا يصح فيما فعله، والمرأة تستحق جميعه.
ومن غَصَب بِكْراً على نفسها واستكرهها على الزِّنا، كان عليه حَدُّ مثله ونصف العُقْرِ عوضاً عن جنايته عليها بإذهابه بكَارَتِهَا.
قال أبو العباس: وإن استكره ثيباً لم يلزمه شيء وعليه الحد.
قال: وإن افتضَّها بأصبعه كان عليه المهر كله لذهاب العُذْرَة، تخريجاً.
قال: وإن وطأها فأفضاهاواستمسك البول، فنصف العُقْرِ وثلث الدية مع الحد. وإن لم يستمسك البول، فالدية كاملة مع نصف العقر والحد.
قال: فإن فعل ذلك بأصبعه أو بالحجر، فالمهر كاملاً مع الدية أو ثلثها، ولا يدخل أحدهما في الآخر زاد عليه أو نقص منه أو ماثله.
فإن طاوعته البِكْر إلى الفجور بها، فعليهما الحد ولا عقر لها. قال أبو العباس: فإن أفضاها لم يكن لها من الدية شيء، تخريجاً.
قال: وإذا ظن الرجل في أجنبية أنها امرأته بأن زفت إليه غلطاً فوطئها، فعليه المهر، فإن ولدت منه لحق نسب الولد بالواطئ، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
قال أبو العباس: فإن أنْظَرَت المرأة زوجها بالمهر، فلا رجوع لها عليه في ذلك تخريجاً.(1/304)


قال: وإن كان المهر غير مسمى أو فاسداً، فأبرأت المرأة زوجها منه قبل القبض، لم يجز.
ولو أن أب الصغيرة أبرأ زوجها من المهر، لم يجز ذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
والذي بيده عقدة النِّكاح هو الزَّوج دون الولي، فإن طلّقها قبل الدخول وعفى عن إسقاط نصف المهر فأوفاها جميعه، كان محتسباً.
قال أبو العباس: لو قتلت المرأة نفسها قبل دخول زوجها بها لم يبطل مهرها، وكذلك لو زوج رجل أمته ثم قتلها قبل الدخول أو قتلت هي نفسها، لم يسقط المهر.
والإعتبار في مهر المثل بمهور نساء المرأة من قِبَل أبيها، أخواتها وعماتها. قال أبو العباس رحمه اللّه: ويعتبر أيضاً بمثلها في شبابها وجمالها وبكارتها وثيوبتها. قال: ويعتبر أيضا مهر مثلها في بلدها؛ لأن المهر يختلف في البلدان.(1/305)


باب التعبد بالنكاح وذكر الخِطْبة ومعاشرة النساء والقسم بينهن وما يتصل بذلك
الظاهر من أصل يحيى عليه السَّلام أن النِّكاح ليس بواجب وهو مباح، ومن خشي عَنَتاً من تركه استحب له أن يتزوَّج، تخريحاً.
ولا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه المسلم، ومعنى ذلك: أن يكون الغير قد خطب المرأة وراضاها فيخطبها مع تقدم ذلك منه، ويرغبها في نفسه بما يرغب في مثله من زيادة المهر وغير ذلك، فأما أن يخطبها كل واحد منهما ابتداء فذلك جائز.
قال أحمد بن يحيى: ولا يجوز أن يخطبها وهي معتدة مصرحاً، ويجوز أن يُعَرِّضلها إذا كانت العِدَّة عن طلاق بائن، وذكر في معنى التعريض أنه يقول لها: إنك ممن يرغب فيك لأحوالك الجميلة، وإني لمحتاج إلى زوجة موافقة.
ولا يجوز إظهار شيء من الملاهي عند النِّكاح، وينبغي أن يشاع بما لا يكون محظوراً منهياً عنه من اتخاذ الولائم وغيرها، ويكره ضَرْب الدُّف عنده.
قال القاسم عليه السَّلام: أرجو أن لا يكون في انتهاب النِّثار في العرسات كراهة.
ويجب على الزَّوج أن يساوي بين نسائه في قسمة الأيام والليالي، هذا إذا كنَّ حرائر، فإن كن حرائر وإماء، لم تجب التسوية بينهن، على مقتضى نص القاسم على ذلك. قال أبو العباس: روى أصحاب علي عليه السلام عنه أنه يقسم للحُرَّة يومين وللأمَة يوماً واحداً. فإن كُنَّ إماء فالتسوية بينهن واجبة، إذا لم يكنَّ مِلْكَ اليمين.
والتسوية في القسم تجب ما دام مقيماً، فإذا سافر فله أن يستصحب من شاء منهن ويختصها بذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وهكذا ذكر أبو العباس.(1/306)

61 / 168
ع
En
A+
A-