ولو أن رجلاً تزوَّج امرأة على أمَة بعينها، ثم وطأها قبل التسليم، دُرئ عنه الحد للشبهة، فإن جاءت بولد، كانت المرأة بالخيار إن شاءت أخذتها وولدها، وإن شاءت أخذت مهر مثلها، وإن شاءت أخذت قيمتها وقيمة ولدها، ولا يلحق نسبه بالواطئ، وإن طلّقها قبل الدخول، فلها عليه نصف عُقْرِهاوالجارية بينه وبينها، ويسعى الولد لها في نصف قيمته، ولا تكون الجارية أم ولد للرجل. قال أبو العباس: إن اختارت أخذها وأخذ ولدها، فليس لها أن تطالبه بأرش /149/ نقصان الجارية بالولادة، وإن اختارت قيمتها، يجب أن تكون القيمة يوم الرد لا يوم التزويج على اعتباره أخذ قيمة الولد، ويجب أن يكون لها عليه - إذا اختارت أخذها - العقر، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولو أن ولياً زوج حرمته على مهر معلوم، وجعل لنفسه شيئاً مسمى كان ما شرطه الولي لنفسه من جملة المهر، فإن شاءت المرأة استوفته لنفسها، وإن أحبت جعلته للولي.(1/297)
ولو أن رجلا تزوَّج امرأة على مهر معلوم وأظهر أكثر من ذلك، لزمه ما أظهر إلا أن يقيم البَيِّنة على أن عقد النِّكاح وقع على ما دون ذلك، وهو ما أسر، فإن لم يقم البَيِّنة على ذلك، فعلى المرأة اليمين أن النِّكاح لم يعقد على ما ادعى الزَّوج أنه أسره. والمراد بقولنا: إنه يلزمه ما أظهر، أنه يلزمه من جهة الحكم، فأما بينه وبين اللّه تعالى فلا يلزمه إلا ما أسر به؛ لأنه هو المهر لوقوع العَقْد عليه، وما أظهره سُمعة وتَجَمُّلاً واتَّفَقَا على إظهاره، فليس بمهر، والمسألة مبنية على أنهما اتفقا على إظهار مهر معلوم، فأظهرا ذلك، ثم يقول الزَّوج: كان المهر الذي عقدنا النِّكاح عليه دون ذلك.
قال أبو العباس: ولو أن رجلا تزوَّج امرأة نكاحاً فاسداً على مهر مسمى، ودخل بها، كان لها الأقل من المسمى أو مهر المثل؛ لأن المرأة قد رضيت بالمسمى، وإن كان دون مهر المثل. وإن كان أكثر من مهر المثل فلها مهر المثل؛ لأن الزَّوج لم يستوف ما في مقابلة المسمى من العوض، وهو دوام العَقْد، وقول يحيى في (الأحكام) - في المعتدة: إذا تزوَّج بها من لا يعلم أنها في العِدَّة ودخل بها فلها المهر كاملاً. - لا ينافي هذا؛ لأن لها المهر المستحق كاملاً من المسمى أو مهر المِثْل.(1/298)
ولو أن رجلا تزوَّج امرأة على مملوك، فقبضته منه، ثم وهبته له، ثم طلّقها قبل الدخول، فإن كانت المرأة وهبته لهلا لطلب عوض بل على وجه القربة، نحو صلة الرحم إن كان بينهما، أو لغير ذلك من طلب مرضاة اللّه تعالى، لم يكن لها أن ترجع فيما وهبته، وإذا لم يكن لها ذلك، كان للزوج أن يرجع عليها بنصف قيمته، وإن كانت وهبته طلباً لمرضاته واستجلاباً لحسن معاشرته ومودته، كان لها أن ترجع عليه بالعبد، وللزوج أن يرجع عليها بنصف قيمته. وكذلك القول إن تزوَّجها على عين أو ورق أو غير ذلك/150/، فإن كان العبد قائماً بعينه في يد المرأة على ما كان عليه يوم قبضته، ولم يحدث فيه حدث ولا تجدد ملك، فإنه يكون بينهما نصفين، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
قال أبو العباس: وإن باعته قبل أن يطلّقها ورُدَّ عليها بالعيب بحكم حاكم، ثم طلّقها، كان للزوج نصفه، فإن قبلته من غير حكم حاكم، كان للزوج نصف القيمة.
ولو أن رجلاً وكل رجلاً بأن يزوجه امرأة على ألف درهم مهراً، فزوجه إياها على ألفين، فإن رضي الموكِّل بذلك ثبت النِّكاح، وإن لم يرض بطل، وإن قال: أرضى بالعَقْد ولا أرضى من المهر إلا بألف، عُرِضَ ذلك على المرأة، فإن رضيت بذلك ثبت النِّكاح، وإن لم ترض انفسخ.(1/299)
ولو أن ولي المرأة وكل رجلاً بأن يزوجها، فزوجها بأقل من مهر مثلها مما يتغابن الناس بمثله، جاز ذلك، وإن نقص عن مهر مثلها القدر الذي لا يتغابن الناس بمثله، كان للمرأة مهر المثل إذا لم ترض بذلك ولم تجزه، فإن أحب الزَّوج وفَّاها ذلك، وإن لم يحب فارقها، ولها نصف المسمى، فإن زوجها بأكثر من مهر مثلها جاز ذلك. قال السيد أبو طالب: والمراد بذلك أن الزَّوج إن اختار الطَّلاق فطلّقها قبل أن تختار المرأة الفسخ، كان لها نصف المسمى، وإن اختارت المرأة الفسخ قبل أن يختار الرجل الطَّلاق لم تستحق شيئاً؛ لأن المفارقة إن وقعت بالفسخ من المرأة لا يكون لها ذلك، فإنها إذا اختارت الفسخ لم تستحق شيئاً.
ويجوز للرجل أن يجعل عتق أمَتِه مهرها ويعتقها على هذا الشرط ويتزوَّجها، فإذا أراد ذلك، فينبغي أن يواقِفَها عليه، فإذا رضيت بذلك، قال لها: قد جعلت عتقك مهرك، فأنت حُرَّة لوجه اللّه تعالى، على أن يكون العتق مهراً، عَتَقَت الجارية.
فإن تزوَّجته صح النِّكاح، والمراد به أن يقول لها من بعد: قد تزوَّجتك على ذلك. فتقول: قد رضيت. وإن امتنعت منه لزمها أن تسعى له في قيمتها، فإن قال لها أولاً: قد أعتقتك. ثم قال: وجعلت عتقك مهرك، عتقت ولا يلزمها إن امتنعت من التزويج به أن تسعى له في قيمتها.
قال أبو العباس: إنما يلزمها في الوجه الأول أن تسعى له في قيمتها إذا قبلت العتق، وقالت: قد قبلته. وإن لم تقبله لم تعتق، وإذا قبلت ذلك فلا بد من عقد النِّكاح؛ لأنها قد صارت حُرَّة.(1/300)
قال رحمه اللّه: فإن قالت له الجارية: اعتقني على أن تتزوَّجني. فقال: تزوَّجتك على عتقك وأعتقتك، وقع العتاق بقوله قد أعتقتك، ولم يصح التزويج. فإن قال له عبده أو جاريته/151/: اعتقني على ألف درهم، فقال: أعتقتك على ذلك، وقع العتاق ولا يحتاج إلى قبول العبد، ومثله في الطَّلاق.
ومن تزوَّج امرأة ولم يفرض لها مهراً ثم فرضه بعد ذلك قبل الدخول، صح النِّكاح، وكان هذا المهر هو المسمى، فإن طلّقها قبل الدخول، كان لها نصف المسمى، على موجب ظاهر قول يحيى عليه السَّلام، وإن كان أبو العباس قد ذكر ما يَدُلّ على أن المسمى إذا لم يكن قد اشتمل العَقْد عليه، لم تستحق المرأة شيئاً إذا وقع الطَّلاق قبل الدخول.
قال أبو العباس: وإن كان الذي سماه زائداً على مهر المثل، كان صحيحاً، على ما نص عليه يحيى عليه السَّلام.
قال أبو العباس رحمه اللّه: ولو زادعلى المسمى شيئاً لزم، وكان الجميع مهراً كالزيادة في ثمن المبيع وكالحط عنه، فإن طلّقها قبل الدخول بها سقطت الزيادة.
ومن تزوَّج امرأة على مهر معلوم، ثم طلّقها قبل الدخول بها كان لها نصف المهر، وإن مات عنهاأو ماتت هي، كان لها المهر كاملاً، والموت في هذا الباب بمنزلة الدخول.(1/301)