باب المهور وأحكامها
المهر إما أن يكون: مسمى، أو غير مسمى. والمسمى إما أن يكون: صحيحاً أو فاسداً.
فالصحيح هو: ما يقع به التراضي بين الزوجين إذا كانا جميعاً بالغين رشيدين، وكان مبلغه عشرة دراهم فما زاد، أو ما قيمته ذلك، أو ما يعتاض منه هذا القدر على مقتضى كلام يحيى عليه السَّلام.
والفاسد: إما أن يكون فاسداً لكميته، أو لصفته. فما يكون فاسداً لكميته، فهو أن ينقص عن عشرة دراهم؛ لأن أقل المهر عشرة أو ما قيمته ذلك، ومعنى قولنا: إنه فاسد، أنه لا يجوز أن يكون ذلك القدر هو الْمُسْتَحق والمقتصر عليه، وإنما يجب تكميله.
وما يكون فساده لصفته، فهو أن يكون مما لا يصح تملكه، أو لا يجوز أن يتملَّكه المسلمون، أو لا يجوز استحداث ملكه في الحال، أو في الحال وفي المآل، فالأول نحو: أن يتزوَّجها على حُرٍّ أو حُرَّة، أو قتل إنسان، أو على دم، أو ميتة، أو على أن يعلمها قرآناً، والثاني: أن يتزوَّجها على خمرٍ، أو خنزير، والثالث: أن يتزوَّجها على مكاتَبٍ، أو أم ولد، أو مُدَبَّر.
فإذا كان المهر مسمى وهو صحيح، فهو الذي يُسْتَحق بعقد النِّكاح. وإن كان فاسداً نحو أن يتزوَّجها على خمرٍ، أو خنزير /146/ أو ميتة، فلها مهر المثل إذا كان قد دخل بها الزَّوج، فإن لم يكن قد دخل بها أوطلّقها قبل الدخول، فلا شيء لها من المهر، ولها المتعة، هكذا ذكر أبو العباس. وكذلك إذا تزوَّجها على تعليم القرآن، أو حُرّ أو حُرَّة، أو قتل إنسان. فإن تزوَّجها على مكاتب، أو مُدَبَّر، أو أم ولد فالمستحق قيمة ذلك.(1/292)
قال أبو العباس: وإن تزوَّج نصراني نصرانية على خمر أو خنزير، قُضِي لها به، فإن أسلمت هي أو هما جميعاً، وقد قَبَضَت فلا شيء لها؛ لأنه فائت، وإن لم تقبض فلها مهر مثلها، إذ لا يجوز لها الإقتضاء للخمر والخنزير، وسواء كان معيَّنا أو غير معيَّن، وإن تحاكما قبل الإسلام والخنزير غير معين فلها الوسط، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
وإن تزوَّجها على ميتة أو دم، فالواجب مهر المثل على كل حال؛ لأنهم صولحوا على غير ذلك.
فإن قال تزوَّجتك على هذا الْحُر، فإذا هو عبد، أو على هذا الدَّن من الخمر، فإذا هو خل، صح المهر، وكان الْمُسْتَحق هو العبد، وكذلك يكون المستحق هو الخل، فإن استحق كان لها قيمته، فإن قال: على هذا العبد، فإذا هو حُرّ، أو على هذا الخل، فإذ هو خمر، لم يصح المسمى، وكان لها مهر المثل، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
والمهر المسمى الصحيح، إما أن يكون عيناً أو ديناً، فإن كان عيناً فإما أن يكون نقداً أو في معناه، يعني مكيلاً، أو موزوناً، أو حيواناً، أو عَرَضاً من العروض سواه، فإن كان حيواناً، فإما أن يكون معيناً مشاهداً أو موصوفاً، فإن كان نقداً أو ما في معناه فهو المستحق تسليمه، وكذلك إن كان حيواناً، أو عَرَضاً معيناً، فإن كان موصوفاً فالمستحق هو الموصوف بتلك الصفة، وإن اختلفا في ذلك تَوَسَّطَ بينهما من له بصر به، نحو أن يتزوَّجها على فرس عربي، أو جارية تركية، أو عبد تركي، وإن تزوَّجها على ذلك ولم يصفه بصفة كان لها الوسط منه.(1/293)
قال محمد بن يحيى: فإن التبست الحال في الموصوف ولم ينكشف، وتشاحَّا، رجع إلى مهر المثل.
وإن كان ديناً أُسْتُحق ذلك في الذمَّة، فإن مات الزَّوج وعليه ديون أُخَر كانت المرأة أسوة الغرماء فيه.
فإن سمى ما تكون الجهالة فيه أكثر من مهر المثل، نحو أن يسمي أقداراً مختلفة، فيقول: على حكمك أو حكمي أو على ما أكتسبه في هذا العام أو أرثه أو استغله /147/، وجب مهر المثل، على قياس ما حكيناه عن محمد بن يحيى عليه السَّلام.
وإن كان المهر حيواناً، أو عرضاً نحو أن يتزوَّجها على جارية بعينها، أو دابة، أوحِجْر، أو ناقة، أو أرض فهي لها، فإن ماتت قبل قبضها، كانت لها قيمتها عند عقد النِّكاح. قال يحيى عليه السَّلام: يكون لها قيمتها يوم وقع النِّكاح إن كان الإبطاء بالتسليم من قِبَل الزَّوج، فإن كان الإبطاء من قِبَل الزَّوجة فلها قيمتها يوم ماتت. قال السيد أبو طالب: المراد بالإبطاء: الإمتناع من التَّسْلِيم أو التَّسَلُّم، فإن استحق ذلك كان للمرأة قيمته يوم عقد النِّكاح.
وإن تزوَّجها على جارية فولدت، أو على ناقة أوحِجْر فنَتَجَتقبل أن تقبضها، فالولد لها مع الأم، فإن مات الولد، فاختارت أن تأخذ الأم بنقصانها كان لها ذلك، وإن لم تختر فلها قيمتها يوم عقد النِّكاح.(1/294)
والمهر المسمى يُستحق جميعه بعقد النِّكاح، على ما ذكره أبو العباس، وهو موقوف على البناء أو الموت، فإن وقع الطَّلاق قبل الدخول سقط نصفه؛ لأن استقرار جميعه يتبع الدخول، فإذا حصل الدخول استقر جميعه واستحق، هذا إذا كان مسمى عيناً أو دَيناً أو عَرضاً، يجوز تقويمه، وإن لم يكن مسمى ووقع الطَّلاق قبل الدخول، فلها المتعة، وما ليس بمسمى ويجب فيه مهر المثل؛ فإنه لا يجب بالعَقْد وإنما يجب بالدخول كما نقوله في المعوضة البضع - إذا ماتت أو مات زوجها -: إنها لا تستحق المهر.
وما كان مسمى ويجب فيه القيمة، فإنه يُستحق بالعَقْد، ومهر المثل يجب بالدخول في النِّكاح الفاسد وفي التسمية الفاسدة، ويدخل في ذلك تسمية ما لا قيمة له، وفي عدم التسمية مع الدخول.
ويُستحق كمال المهر بخلو الزَّوج بامرأته على وجه لا مانع له من الوطئ، وكون المرأة ممن تصلح للجماع، ومن الموانع أن يحضر معهما غيرهما من أهله وأهلها أو ممن سواهم، فإذا أسلمت نفسها، وهذه الموانع زائلة، استحقت المهر كله، جامعها أو لم يجامعها.
قال محمد بن يحيى رضي اللّه عنه - فيما حكى عنه أبو العباس -: العنين كالسليم في وجوب كمال المهر عليه بالخلوة.
فإن كانت المرأة معيبة بالبرص أو الجذام أوالجنون أو الرَّتَقلم تستحق كمال المهر /148/ بالخلوة، وكذلك إن كانت صغيرة لا يجامع مثلها لصغرها. وإن ردها بالعيب فلا مهر لها. وإن كان خلا بها، فإن وطأها فعليه المهر كاملاً. قال أبو العباس: وسواء كان الزَّوج على مثل حالها أو كان سليماً.(1/295)
ولو أن امرأة رضيت بأن تتزوَّج بدون مهر مثلها، جاز ذلك، ولم يكن للأولياء أن يعترضوا فيه، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام.
فإن زوجها وليها وهي بالغة - أباً كان أو غيره - بدون مهر مثلها، بغير رضاها، كان لها مهر مثلها، فإن زوجها أبوها وهي غير بالغة بدون مهر مثلها، جاز ذلك، ولم يكن لها أن تعترض فيه إذا بلغت، وكذلك إن زوج ابنه الصغير على أكثر من مهر المثل جاز، وإن كانا كبيرين فأجازا ما فعل الأب جاز، وإن أجازا النِّكاح ولم يرضيا بالمهر ثبت النِّكاح، وكان لكل واحدة من المرأتينمهر مثلها. فإن قالت امرأة الابن: لا أرضى إلا بما شرطه الأب من المهر، كان زوجها بالخيار بين أن يرضى بالمهر الذي شرطه الأب وبين أن يفسخ النِّكاح.
قال أبو العباس: إذا أجازا النِّكاح مع العلم بالمهر كان ذلك إجازة للمهر، فإن لم يجيزا المهر وقد علما به بعد إجازة النِّكاح لم يصح، وإن قالا في الحال: أجزنا النِّكاح ولم نجز المهر، صح النِّكاح دون المهر، وثبت مهر المثل.
وإذا تزوَّج الرجل امرأة ولم يُسَمِّ لها مهراً كان للمرأة مهر مثلها، وكذلك لو تزوَّجها على حكم زائل العقل، وأجاز العَقْدَ غيرُه من الأولياء.
ومن تزوَّج امرأة لم يسم لها مهراً أو سمى مهراً فاسداً، ثم طلّقها قبل الدخول كانت عليه المتعة للمرأة فقط، والمروي عن القاسم عليه السَّلام فيما ذكره النيروسي أن المتعة غير مقدَّرة بتقدير، وإنما هي على قدر اليَسَار والإعسار.(1/296)