والكتابة والرسالة يقومان مقام قول العاقد والقابل، كالوكالة، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، فقد نص على أن الأب يزوج ابنته بإذن ابنها وتوكيله.
ولو أن وليين زوجا امرأة، وكان أحدهما أقرب إليها من الآخر صح عقد الأقرب دون من هو أبعد منه، فإن استويا في القرب صح العَقْد المبتدأ به، فإن كانا عقدا معاً والتبست الحال في تقديم أحدهما على الأخر رجع الأمر إلى المرأة، ويبتدأ العَقْد لمن ترضى به. قال أبو العباس: وهذا إذا كانا جميعاً زوجاها برضاها /143/، فإن كانا زوجاها بغير رضاها ثبت نكاح من ترضى به المرأة، ولا يحتاج إلى استئناف العَقْد، قال رحمه اللّه: فإن كانت المرأة قد رضيت قبل العَقْد بأحدهما، أو رضيت بعده بأن يدخل بها أحدهما، أو أقرت بإحدهما ثبت النِّكاح معه.
والنكاح الموقوف جائز.
وإذا زوج الولي امرأة بالغة بغير أمرها، كان لها الخيار إذا علمت، وإن كان المزوج لها أبوها، لا فرق في ذلك مع البلوغ بين الأب وسائر الأولياء، فإن رضيت جاز، وإن لم ترض فسخته، وإن كانت غير بالغة وكان المزوج لها أبوها، لم يكن لها الخيار إذا بلغت بِكْراً كانت أو ثيبا. قال أبو العباس: إلا أن يزوجها ممن تَعَافُ عِشْرَته كالأبرص والأجذم والمجنون، فإنها يكون لها الخيار إذا بلغت.
وإذا زوج الأب ابنه وهو صغير، صح النِّكاح ولا خيار للابن إذا بلغ. قال يحيى: وعلى الأب المهر. وهو محمول على أن المراد به أنه يلزمه إذا ضمنه على ما تدل عليه أصوله.(1/287)
قال أبو العباس: وإن زوج الصغيرَ أخوه الكبير أو عمه صح النِّكاح، وكان له الخيار إذا بلغ، كما نص عليه في الصغيرة.
قال: وإن زوج الأب ابنه وهو كبير، فسكت حين بلغه، لم يكن ذلك إجازة، تخريجاً على أصل يحيى عليه السَّلام.
قال أبو العباس: إذا أقر الأب بأنه كان زوج ابنته وهي صغيرة، فإن كان وقع هذا الإقرار في حال صغرها صح إقراره، وإن وقع وهي بالغة لم يصح، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
قال أبو العباس: الجد لا يقوم مقام الأب في تزويج ابنته الصغيرة، ويجري مجرى سائر الأولياء، في أنه إذا زوجها كان لها الخيار إذا بلغت، تخريجاً على قول يحيى عليه السَّلام، وفي أصحابنا من ذهب إلى أن الجد بمنزلة الأب في ذلك، وأومى إلى تخريجه من كلامه.
وإذا زوج الصغيرة سائر الأولياء كالأخ وابن الأخ والعم وابن العم صح العَقْد، ويكون لها الخيار إذا بلغت وعلمت أن لها الخيار، فإن لم تختر فَسْخَ النِّكاح بعد علمها بأن لها الخيار، فلا خيار لها بعد ذلك، وكذلك الصغير إذا زُوِّج يكون له الخيار إذا بلغ.
وللزوج أن يدخل بها قبل البلوغ إذا صلحت للجماع، والنَّفَقَة تجب لها من يوم العَقْد، ويتوارثان بعد العَقْد، ولها المهر إذا دخل.
قال أبو العباس: الكبيرة إذا كانت بِكْراً يكون رضاها بالسكوت، والثَّيِّب يكون رضاها بالنطق. والصغيرة المدخول بها يكون رضاها بالكلام؛ لأنها ثَيِّب، فما لم تتكلم بالرضى /144/ فلها الخيار.(1/288)
والموطؤة بالزنا حكمها حكم البِكْر في الرضاء، وكذلك من ذهبت بكارتها بالوثبة والحيض وغيرهما، حكمها حكم البِكْر في جميع أحكامها. وذكر في موضع آخر ما يَدُلّ على أن حكم الموطؤة بالزنا حكم الثَّيِّب.
قال أبو العباس: وإذا بلغت فلم تُجِزْ النِّكاح انفسخ ولا يحتاج فيه إلى فسخ الحاكم، تخريجاً على قول يحيى عليه السَّلام، وإذا فسخت المرأة النِّكاح كان ذلك فرقة لا على وجه الطَّلاق.
ويستحب لولي المرأة إذا كانت بالغة أن لا يعقد عليها إلا بإذنها.
وإذا زوج الحاكم صغيرة لا ولي لها صح العَقْد، ويكون لها الخيار إذا بلغت.(1/289)
باب ما ينعقد به النِّكاح وذكر الشهادة عليه
الذي ينعقد به النِّكاح:
[1] حضور ولي يتولى عَقده، أو وكيله، أو إمام المسلمين، أو من يلي من قِبَلِه إذا لم يكن ولي، أو رجل من المسلمين توكله المرأة إذا لم يكن إمام.
[2] وحضور شاهدين عدلين يشهدان على ذلك، أو رجل وامرأتان، على مقتضى نص يحيى عليه السَّلام.
[3] وقبول الزَّوج أو وكيله، إذا كان بالغاً، أو قبول الأب، إن كان صغيراً لنكاح المخطوبة.
وشاهدا النِّكاح يجب أن يكونا عدلين، فإن كانا فاسقين لم ينعقد النِّكاح بشهادتهما، ومن تجوز شهادته في سائر الحقوق، فإنه يجوز أن يشهد في النِّكاح، كالوالدين والولد والعبد.
ولا ينعقد النِّكاح بشهادة النساء وحدهن.
وينعقد النِّكاح بلفظ الهبة، كما ينعقد بلفظ التزويج والإنكاح.
وإذا قال ولي المرأة لرجل: وهبتُ فلانة لك، أو ملكتك بضعها. وقال الرجل: قد قبلتُ. صح النِّكاح، وكذلك إن قالت المرأة ذلك لرجل وأجازه الولي، فإن أجاز لها الولي أن تعقد على نفسها فعقدت لم يجز.
وكل لفظ لا يقع به التمليك فإنه لا ينعقد به النِّكاح، نحو أن يقول: قد أحللت لك بضعها، أو أبحت لك، أو نحلتك، أو أعرتك، أو أطْلَقْتُ لك.
ولا يحل للرجل أن يستبيح بضعها بشيء من هذه الألفاظ، على قياس قول يحيى عليه السَّلام. قال أبو العباس: ولو قال لغيره: وهبت لك أمَتِي. فقبل ذلك مَلَكها الموهوب له. قال: ولو قال هذا لعبد غيره /145/ لم ينصرف إلى النِّكاح أيضا.(1/290)
قال رحمه اللّه: ولو قال رجل لامرأة: انكحيني نفسك، أو هبيني. فقالت: أنكحتكها، أو وهبتكها، وأجاز الولي ذلك كان نكاحاً. فإن قال لها: هبيني، أو أنكحيني ولم يذكر نفسك، فقالت: قد أنكحتك نفسي، أو وهبت لك نفسي لم يكن ذلك نكاحاً، إلا أن يبين الرجل عند القبول أنه قصد به خطبتها بما قاله.
ولو أن رجلاً وامرأة أقرا بالزوجية بينهما، حُكِمَ بصحة نكاحهما، فإن أقرا بأنه وقع من غير ولي ولا شهود كان باطلاً، فإن ادعيا موت الشهود أو غيبتهم صُدِّقا على ذلك، وإن اتهما بُحِثَ عن أمرهما احتياطاً، هذا إذا لم يظهر ما يبطل إقرارهما ودعواهما.
ولو أن رجلاً وامرأة أدعى أحدهما على صاحبه الزوجيَّة وأنكر الآخر ذلك، كانت البَيِّنة على المدعي واليمين على المنكر، وإن ادعت امرأة على زوجها الدخول وأنكر زوجها ذلك، كانت البَيِّنة على المرأة واليمين على الزَّوج.(1/291)