قال أبو العباس: فإن تزوَّج أربعاً في عقدة وثلاثاً في عقدة، والتبس الحال عليه في الأوائل منهن. فإن كان دخل بإحدى الأربع، بطل نكاح الثلاث، وصح نكاح الأربع، وإن كان دخل بإحدى الثلاث، بطل نكاح الأربع، وصح نكاح الثلاث. وإن كان تزوَّج اثنتين في عقدة، وثلاثاً في عقدة، وثنتين في عقدة، فإن دخل بإحدى الثنتين، بطل نكاح الثلاث، وصح نكاح الثنتين والثنتين، وإن دخل بإحدى الثلاث، بطل نكاح البواقي، فإن لم يقع الدخول اعتزلهن كلهن. وإن كان تزوَّج واحدة في عقدة، وستاً في عقدة، واثنتين في عقدة، وواحدة في عقدة، فلا إشكال في بطلان نكاح الست، وثبوت نكاح البواقي من الواحدة واثنتين والواحدة على كل حال، أيتهن تقدم نكاحها أو تأخر.
فإن كان عقد نكاحاً غير صحيح نظر فيه، فإن كان ذلك العَقْد يصح عندهم وتكونصحته مختلفاً فيها في دين الإسلام وطريقة ذلك الاجتهاد، أقر على ذلك إذا أسلم، نحو أن يتزوَّج من غير شهود أو بغير ولي. وإن كان ذلك مما لا يصح في دين الإسلام قطعاً ولا اجتهاداً فيه، لم يقر عليه، على ما ذكره محمد بن يحيى وخرجه أبو العباس.
قال أبو العباس: إن تزوَّجها وهي في عِدَّة/140/ لم يقر عليه، على أصل يحيى عليه السَّلام.
وحكى رحمه اللّه عن محمد بن عبدالله: أنه لو طلّقها ثلاثاً ثم تزوَّجها ثم أسلم، لفرق بينهما، وكذلك لو جمع بين أختين في عقدة أو جمع بين امرأة وأمها وابنتها.
ولو أن رجلا تزوَّج امرأتين في عقدة، ثم وجد إحداهما ممن يحرم عليه نكاحها، نحو أن تكون ذات رحم مُحَرَّم من رضاع أو نسب، صح نكاح الأجنبية وبطل نكاح الأخرى.(1/282)


[الشروط في النِّكاح]
والشرط في النِّكاح ينقسم: فمنه ما يُفْسِد العَقْدَ، ومنه ما يصح العَقْد من دونه، على مقتضى أصول القاسم ويحيى عليهما السَّلام.
فالأول: ما يكون رافعاً لموجب العَقْد، نحو أن يتزوَّجها إلى أجل، أو يكون استثناء لبضعها، ونحو أن يتزوَّجها على شرط أن يكون بضعها مهراً لأخرى.
والثاني: ما لا يقتضي ذلك، فيصح العَقْد ويبطل الشرط. فلو أن رجلاً تزوَّج امرأة على شرط أن لا يخرجها من مصرها أومن قُرْب والديها، أو على أن يكون أمر الجماع إليها والطَّلاق بيدها، أو على أن لا ينفق عليها، أو تنفق هي عليه، صح عقد النِّكاح، وبطلت هذه الشروط.
فإن نُقِّصَت المرأة من مهر مثلها لأجل شيء مما شُرط لها، وجب على الزَّوج تمام مهر المثل إذا لم يف لها بذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
وإن تزوَّجها على أن يكون المهر عليها، كان للمرأة مهر مثلها، وكذلك إن تزوَّجها على أن لامهر لها، على قياس قول يحيى عليه السَّلام .
قال أبو العباس: شرط الخيار لا يبطل النِّكاح.(1/283)


باب ذكر الأولياء وحكمهم في نكاح ذوات أرحامهم وما يتصل بذلك
أولياء المرأة، هم عصبتها المستحقون لإرثها، وأولاهم: الابن، ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد أب الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم لأب وأم، ثم ابن العم لأب وإن سفل، ثم عم الأب، ثم ابن عم الأب وإن بَعُدَ، ثم المولى وهو: المعتِق.
قال أبو العباس: دخل عم الأب في العم دخول عم الجد في عم الأب.
ويستحب للأب والجد أن يعقدا نكاح المرأة دون ابنها بإذنه وتوكيله؛ لأنه أقرب إلى الحياء.
والولاية /141/ في النِّكاح لمن يكون أقرب إلى المرأة، وأولاهم بها على الترتيب الذي ذكرنا: الابن إذا كان بالغاً.
ولا يجوز لأحد منهم أن يزوج المرأة وهناك ولي أقرب إليها منه، إلا بإذنه، فإن كان الأقرب صغيراً، كانت الولاية للأقرب بعده، وكذلك إن كان زائل العقل، فإذا زَوَّجَ وبلغ الصغير، لم يكن له أن يعترض. وإن كان الأقرب غائباً غيبة منقطعة أو عاضلاً، كان الأقرب بعده هو الولي، نص محمد بن يحيى على ذلك، وحكاه أبو العباس أيضاً عنه.
ولا ولاية لمن لم يبلغ، فأما من كان مختل العقلفإن زَوَّج بإذن غيره من الأولياء فأجازوا إنكاحه صح العَقْد. قال أبو العباس: إن كان من لم يبلغ مأذوناً له جاز عقده كما يجوز بيعه وشراؤه.
وقال في المختل العقل: إنما يجوز إنكاحه بإجازة غيره من الأولياء، إذا كان يعقل شيئاً من أمره، فيصح أن يكون مأذوناً له في البيع والشراء، فأما إذا كان مطبق الجنون فلا يصح عقده.(1/284)


وحد البلوغ: الإنبات، أو الإحتلام، أو بلوغ خمس عشرة سنة، وفي المرأة الحيض، أو الإنبات، أو بلوغ خمس عشرة سنة.
وأقصى الغيبة التي يجب معها انتظار الولي أو انتظار أمره؛ أن تكون على مسيرة شهر، فإن كان على مسيرة أكثر من شهر، فتلك غيبة منقطعة لاينتظر معها، وتنتقل الولاية إلى غيره، وكذلك إن كان في بلد لا ينال، قريباً كان أو بعيداً.
وإذا لم يكن للمرأة ولي أو كان غائباً غيبة منقطعة، ولا ولي لها غيره، أو عضلها الولي، كانت ولاية إنكاحها إلى إمام المسلمين، أو من يلي من قِبَله، فإن لم يكن في الزمان إمام، ولَّت أمرها رجلاً من المسلمين ليزوجها.
والعضل من الولي يثبت بأن يثبت ذلك عند الإمام أو الحاكم من قِبَلِه، أو يقف عليه المسلمون إن لم يكن في الزمان إمام، نص عليه محمد بن يحيى، وحكاه عنه أبو العباس. قال أبو العباس: والعاضل لا يكره على التزويج، وإنما يزوج الحاكم.
ولو أن امرأة غريبة ادعت ألاّ ولي لها بُحث عن أمرها وقتاً، فإذا لم يُعلم لها ولي رُجع إلى قولها وزُوِّجت، فإن رأى الإمام أو الحاكم تحليفها على ذلك احتياطاً، حَلَّفها.
ولا يكون الكافر ولياً للمسلمة لا في النِّكاح ولا في السفر، والمسلم لا يكون ولياً للكافرة.
قال أبو العباس: إذا كانت للمسلم ابنة ذمية /142/ فأرادت النِّكاح، فإن كان لها أولياء ذميون زوجها أقربهم إليها، وإن لم يكونوا زوجها السلطان، فإن لم يكن ولت أمرها رجلاً من الذميين.(1/285)


ولا ولاية في النِّكاح للعبد، ولا للمكاتب، ولا للمُدَبَّر، ولا لذوي الأرحام، ولا لمن يقرب بالرَّضَاعة، وهو يكون ولياً في السفر، ويستحب تقديم ذوي الرحم على الأجنبي في توكيله بالنكاح.
ولا ولاية للوصي في النِّكاح، والمرأة لا ولاية لها في النِّكاح، وإذا ملكت عقدة النِّكاح لِمِلْكٍ أو وَلاءٍ وكَّلتَ رجلاً يعقد عنها.
ويستحب أن تستشار الأم في نكاح ابنتها وإن لم يكن إليها العَقْد، ويجوز للمُعْتِق أن يُزَوِّج الْمُعْتَقَةَ من نفسه إذا رضيت.
ويجوز للولي أن يتزوَّج المرأة التي هو وليها ويحل له إنكاحها من نفسه، إن رضيت بذلك، على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وذلك كاليتيمة إذا كانت في حجر ابن عمها، ثم رغب في أن يتزوَّجها ورضيت به، جاز أن يَعْقِدَ لنفسه.
والوكالة في النِّكاح جائزة. قال أبو العباس: ولو وكَّلت المرأة رجلاً بأن يزوجها من نفسه جاز ذلك، على أصل يحيى عليه السَّلام. قال: وعلى هذا لو قال رجل لآخر: تزوَّج ابنتي على ألف. فقال: تزوَّجت على ألف. لا يحتاج الأب إلى أن يقول: زوجت. وصح النِّكاح، ولو قال: زوجني ابنتك على ألف. فقال: زوجت. لا يحتاج إلى أن يقول: قبلت أو تزوَّجت حتى يصح النِّكاح.
قال: ولو وكله بالتزويج مطلّقاً، لكان الظاهر منه أنه توكيل بتزويجها من غيره.
ويجوز للولي - الذي له أن يزوج الصغيرة [أن يزوجها] كالأب ولا يكون لها الخيار فيه، وللولي الذي يكون عقده موقوفاً على رضا المرأة - أن يوكل من يزوج عنه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.(1/286)

57 / 168
ع
En
A+
A-