ولو أن محرماً رمى صيداً في الحل فأصابه وطار إلى الحرم فمات فيه، فعليه الجزاء دون القيمة، فإن رماه في الحرم فطار إلى الحل فمات فيه، وجب عليه الجزاء والقيمة، ولو أن رجلاً خَلَّى كلبه على صيد والصيد في الحرم فطرده الكلب ولحقه في الحل فقتله فيه، فعليه الجزاء والقيمة أيضاً، وإن خلاه في الحل فطرده الكلب إلى الحرم وقتله فيه فعليه الجزاء والقيمة أيضاً.
ولو أن حلالاً رمى صيداً في الحل فطار ووقع في الحرم لم يلزمه شيء، فإن خَلَّى كلبه عليه في الحل فطرده الكلب فلحقه في الحرم وقتله فعليه القيمة، وكذلك إن خلاه عليه في الحرم فلحقه الكلب في الحل فقتله فعليه القيمة.
وإذا دل المحرم محرماً آخر أو حلالا على صيد فقتلاه وجب عليه الجزاء، فإن كان ذلك في الحرم فعليه القيمة مع الجزاء، ولو اصطاده حلالاً فقتله محرماً لزمه الجزاء، ولو كان الصيد مملوكاً كان عليه الجزاء وقيمته لصاحبه، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولو اصطاده محرماً فقتله حلالاً لزمه الجزاء، قد ذكره أبو العباس الحسني.
وإن قطع من شجر الحرم شيئاً أو احتش لدابته حشيشاً غير الاذخر فعليه قيمته على قياس قول يحيى عليه السَّلام، وكل ما يلزم المحرم على فعله من جزاء أو فدية، فإنه يجب عليه أن يذبح ما يذبحه فيه بمكة ويتصدق به وسائر ما يطعمه المساكين هناك، ولا يجوز أن يفعل شيئاً من ذلك في بلده، وتحصيل المذهب فيه: أنَّه يجب أن يتصدق بذلك في الحرم.(1/267)
وإذا أحرم العبد بإذن سيده فما يلزمه من جزاء أو كفارة عما فعله ناسياً أو مضطراً فعلى سيده إخراجه عنه، فإن شاء أهدى وإن شاء أطعم وإن شاء أمره بالصوم، وما يلزمه من ذلك عما يفعله تمرداً أو تعمداً فليس على سيده شيء مما يلزمه فيه ويكون ذلك ديناً في ذمته، فإذا عتق خرج منه /132/، وكذلك القول في الأمة والصبيان إذا أحرموا لم يلزمهم الجزاء والفدية عن شيء مما يفعلونه، فإن حماهم أولياؤهم عن فعل ما يمنع منه الإحرام كان حسناً.
والمدينة حرم حكمها حكم مكة في أنها لا يصطاد صيدها ولا يعضد شجرها، وصيدها محرم.(1/268)
باب الإحصار
الإحصار يكون بالمرض كما يكون بالعدو، فإذا أحصر المحرم عن المضي فيما أحرم له من حج أو عمرة بمرض مانع له من المسير أو عدو يخافه أو حبس ظالم له فعليه أن يبعث بما استيسر من الهدي.
والهدي: أقله شاة، ويواعد رسوله يوماً من أيام النحر ويوقت وقتاً يذبحه فيه بمنى، هذا إذا كان حاجاً، فإذا كان ذلك اليوم وذلك الوقت حل من إحرامه بعد ذلك الوقت احتياطاً نحو أن يكون قد وافقه على ذبحه أول النهار فيؤخر الحلق إلى نصفه، أو في نصفه فيؤخره إلى آخره.
فإن كان معتمراً فإنه يواعده أي يوم أراد؛ لأن هدي المعتمر يجوز ذبحه في كل وقت ولكن لا يجوز أن يذبح دون الحرم، كما أن هدي الحاج لا يذبحه دون منى، فإن تخلص من إحصاره وخرج منه ولحق الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر، فقد أدرك الحج وله أن ينتفع بهديه الذي أنفذه ويصنع به ما شاء من بيع وغيره، وليس عليه ذبحه، وإن لم يلحق الوقوف بعرفة فإنه قد فاته الحج ويذبح هديه ويهل بعمرة ليكون قد تحلل بعمل عمرة، فإن لم يجد الهدي، صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد أيام التشريق.
قال أبو العباس: ولا يجزيه الإطعام، على أصل يحيى عليه السَّلام لأنَّه قاسه على المتمتع وجعله أصلا فيه، ولم يحمله على جزاء الصيد فإن تخلص من إحصاره ووجد مركوباً يقدر أنَّه يمكنه أن يلحق الحج إذا ركبه ولم يكن اكتراؤه أو ابتياعه مما يجحف بنفقته فعليه أن يكتريه أو يشتريه، فإن خاف ذلك لم يلزمه.(1/269)
وإن كان حج معه محرمه ولا محرم لهن غيره فهن محصرات بإحصاره وعليهن من إنفاذ الهدي ما عليه، وإن كان معهن محرم غيره وجب عليهن الخروج معه.
فإن كان إحصاره بمرض وكان لهن محرم سواه/133/ واحتاج إلى واحدة منهن تقيم معه كانت من تقيم على تمريضه محصرة بإحصاره إذا كان لا يستغني عنها ولا ممرض له سواها وخُشِي عليه التلف إذا لم تقم عليه.
ويصح أن يعطى من يحج عن الغير نفقته ليحج عنه، على ما حكى عن القاسم عليه السَّلام، والمحصر يلزمه القضاء سواء كان ما أحصر عنه حجاً - فرضاً أو تطوعاً - أو عمرة.(1/270)
باب الحج عن الميت والإستئجار له
يصح الحج عن الميت إذا أوصى به، فإن لم يوص به وحج عنه غيره، فإنه لمن حج، وإذا أوصى به وجب ذلك من الثلث، فإذا أوصى بحجة الإسلام وكان يخرج ذلك من ثلث تركته، وجب أن يحج عنه، وإن لم يوص به ولم يخرج ذلك لم يلزم الورثة أن يحجوا عنه.
ويصح الإستئجار على الحج، وإذا أوصى بحجة ولم يذكر من أي بلد، فإنه يحج عنه من بلده إلا أن لا يبلغ ثلث تركته ذلك فيحج من حيث يبلغ الثلث، نصّ عليه محمد بن يحيى.
قال أبو العباس: فإن أخرج من حجته فوق الثلث ثم مات، رد إلى الثلث ما لم يفرغ منه.
قال رحمه اللّه: ينبغي أن يشترط على من يستأجره حَجاً مفرداً أو قراناً أو تمتعاً أو عمرة ومن أي مكان يحرم منه، فإن شرط الحج مرسلاً فظاهره الإفراد، وإن لم يبين المكان الذي يحرم منه فمن حيث يستأجره.
قال رحمه اللّه: فإن مات بالكوفة فحج عنه من المدينة لم يجزه، ولا شيء على من حج عنه بتأدية ما أمر به، فإن أمر بأن يحج من الكوفة فحج من المدينة أو أحرم من دون الموضع الذي أمر بأن يحرم منه فعليه رد جميع ما أخذه.
قال يحيى في (الفنون) : إذا مرض من يُسْتَأجر بالحج في بعض الطريق، فانصرف لم يستحق شيئا من الأجرة.
قال أبو العباس في (النصوص) : إن مات في بعض الطريق، استحق من الأجرة بقسطه، وأتموهمن حيث بلغ، والأولى ما قاله يحيى، وهو مما أجري على الأصول، ويجوز له أن يحج عن الغير من لم يحج عن نفسه إذا كان ممن لا يلزمه الحج لفقره وكان مجمعاً على تأدية ما يلزمه منه إذا أمكنه.(1/271)