باب ما يجب على المحرم تجنبه وما يجوز له فعله
يجب على المحرم أن يجتنب ما نهاه اللّه جل ثناؤه عنه من الرَّفَثِ والفسوق والجدال، والرفث هو: الجماع، واللفظ القبيح المستشنع. والفسوق هو: أنواع الفسق، ويدخل فيها الظلم والتعدي. والجدال هو: المجادلة بالباطل.
ولا يجوز له أن يلبس قميصاً، فإن لبسه جاهلاً أو ناسياً شَقَّه وخرج منه، فإن تعمد ذلك فعليه دمٌ، ولا يلبس عمامة ولا قلنسوة ولا خفين ولا سراويل، فإن لم يجد إزارا ولا نعلين نكس السراويل واحتزم به، وقطع الخفين من أسفل الكعبين ولبسهما، وإن لم يجد رداءً ارتدى بكمي القميص أو بجانبيه معترضاً، فإن لم يمكنه أن يحتزم بالسراويل لضيقه فَتَقَه، فإن لم يمكنه ذلك مع فَتْقِه لضيقه، لبسه وعليه الفدية، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولا يجوز للرجل المحرم ولا للمرأة المحرمة أن تلبس ثوباً مصبوغاً بزعفران أو ورس، ولا قميصاً يكون لونه مشبعاً ظاهر الزينة، وكذلك إن كان مصبوغاً بالعصفر، على قياس قول يحيى عليه السَّلام.
ولا تنتقب المرأة ولا تتبرقع؛ لأن إحرامها في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه، ولا بأس بأن ترخي الثوب على وجهها إرخاءً، ولا تلبس الحلي للزينة، ويجب عليها أن تجتنب سائر ما ذكرنا أن المحرم يجتنبه، إلا القميص وغيره من المخيط والمقنعة والسراويل، ولا يتطيب المحرم ولا يتداوى بدواء فيه طيب ولا يكتحل. قال القاسم عليه السَّلام: يكتحل بما ليست له رائحة طيبة.(1/257)


ولا يتطيب عند إحرامه ولا يشم طيباً ولا يمسه ولا يشم الرياحين، ولا بأس أن يشم الفواكه، ولا يتطيب عند إحرامه وهو حلال، نصّ عليه القاسم عليه السَّلام. قال محمد بن يحيى: لا بأس بأن يَدَّهِن بالزيت /126/.
ولا يجز شعر نفسه، ولا بأس بأن يحز شعر الحلال، نصّ عليه القاسم عليه السَّلام.
ولا يقتل القمل، فإن قتلها تصدق بشيء من الطعام، فإن أراد تحويل قملة من مكان إلى مكان آخر من بدنه، جاز أن يفعل ذلك.
ولا يتزوج ولايُزوج، فإن فعل كان النكاح باطلا، ولا فرق على قياس قول يحيى عليه السَّلام، بين أن يكون الزوج والمرأة جميعاً محرمين، أو الزوج حلال والمرأة محرمة، أو المرأة حلال والزوج محرم، أو وكيل الزوج محرم.
ولا يجوز له أن يقتل صيداً ولا أن يصطاده، ولا أن يعين عليه أو يشير إليه أو يفزعه، ولا يجوز له أن يشتريه ولا أن يمسكه، وعليه إرساله سواء كان في يده إذا أحرم أو كان في منزله، على مقتضى قول يحيى عليه السَّلام.
ولا يجوز له أكله سواء اصطاده هو أو محرم غيره أو حلال، واصطيد له أو لغيره.(1/258)


ويجوز للمحرم أن يقتل الحدأة والغُراب والفارة والحَيَّة والعقرب وكل ما يخشى ضرره، نحو السَّبُع إذا عدى عليه، والكلب العقور إذا خشي عقره، ونحو البرغوث والبق والدَّبَر إذا تأذى بها، ولا بأس بأن يعصر الدماميل إذا آذاه وَعَثُهَا، وأن يُخْرِجَ من رجله الشوك، فإن احتاج لإخراجه إلى قطع جلدة حتى يدميه فعليه دم، وإن دُمِي لإخراجه من غير قطع فلا شيء عليه، ويجوز له أن يحتجم، فإن حلق شيئا من الشَّعر لأجله أو جَزَّه وكان ذلك يسيراً فعليه لذلك صدقة، فإن كان مما يتبين أثره ففيه الفِدْية، وإن ضَرَبت عليهأضراسه جاز أن يقلعها، ويلزمه عليه دم.
قال القاسم عليه السَّلام: ويحتش لدابته من غير الحرم. قال يحيى في (المنتخب) : يجوز للمحرم أن يحتش لناقته وأن يختلي لهابقلاً، وأن يقطع لنفسه مسواكا، سواء كان ذلك من أراك أو غيره، فأما قوله في (الأحكام): ولا يقطع الشجر الأخضر إلا أن يكون شيئا يأكله أو يعلفه راحلته. فليس المراد به عند أصحابنا منع المحرم من قطع الحشيش، وهو محمول على شجر الحرم، وقوله: إلا شيئاً يأكله أو يعلفه راحلته. محمول على ما يرزعه النَّاس في الحرم.
قال القاسم عليه السَّلام في الجراد والقِرَاد: لا يقتلهما المحرم، فإن قتلهما تصدق بشيء من الطعام كفاً أو أقل أو أكثر /127/.
وقال في النملة والبعوضة: إن قتلهما لضررهما فلا شيء عليه، وإن قتلهما لغيره تصدق بشيء من الطعام.
قال القاسم عليه السَّلام: لا بأس للمحرم المصدع أن يعصب جبينه بخرقة، ولا بأس بأن يشد عليه الهِمْيَان الذي فيه نفقته ومعضدتيه.(1/259)


قال: وللمحرم أن يستاك ويغسل جسده ورأسه ولا يغمسه في الماء، ولا بأس أن يغسل ثيابه، فإن أيقن أن بها دواباًقد تلفت بغسله لها تصدق بقدر ما تلف منها.
قال القاسم عليه السَّلام: وله أن يحك جسده ورأسه ويرفق لكيلا يقطع شعراً.
ولا يُقَبِّل المرأة ولا يمسها إلا من ضرورة.
ويجوز له أن يستظل بظلال العماريات والمحامل والمضال والمنازل، ويجب أن لا يصيب شيئاً من ذلك رأسه، والتكشف هو المستحب إن أمكن، على ما نصّ عليه القاسم عليه السَّلام.
ولا بأس بأن يذبح الشاة والبقرة والإبل والطيور الأهلية، وكذلك إن توحش شيء منها لا بأس له بأخذه وذبحه، فأما ما كان متوحشا في الأصل مثل حمار الوحش والظبي والوعل والنعامة، وأشباهها فلا يجوز له أن يعرض لها وإن استأنست.
قال القاسم عليه السَّلام: ولبس الخاتم من الحلي.
وإن اضر برجليه الحفا ولم يجد نعلين كان له أن يقطع الخفين من تحت الكعبين ويلبسهما.(1/260)


باب ذكر ما يجب على المحرم من الكفارات
إذا احتاج المحرم إلى لبس ثياب لا يجوز له لبسها، أو إلى التداوي بدواء فيه طيب، أو إلى حلق رأسه من أذى، جاز له أن يفعل ذلك وعليه الفدية إذا فعله، سواء كان ذلك من ضرورة أو غير ضرورة.
والفدية: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو دم يريقه، وأقله شاة، ولا يعتبر في وجوب الفدية لباس زمان مخصوص وإنما يجب على اللبس فقط، فإن احتاج إلى لباس جميع بدنه من عمامة وقميص وجُبَّة وخف وفرو وما جرى مجرى ذلك، فلبسه أجمع، فعليه فدية واحدة، إلا أن يكون كفر عن لبس شيء منه ثم لبس الباقي من بعد، فإن عليه إذا فعل ذلك فدية ثانية. قال أبو العباس: قد نصّ عليه محمد بن يحيى.(1/261)

52 / 168
ع
En
A+
A-